"يجب أن يعود الدوري سريعا حتى لا تتعرض الأندية للإفلاس" هكذا ظل جميع المسؤولين عن الرياضة في مصر يرددون لشهور، وهو الأمر غير الصحيح على الإطلاق. بالفعل تعاني الأندية المصرية من أزمة مالية طاحنة منذ سنوات، كما أن عودة الدوري مصيرية للقطاع في مصر لأسباب رياضية بحتة متعلقة بمنافسة مصر للتأهل لكأس العالم 2014. ولكن أن يلصق البعض الرغبة في عودة الدوري إلى أسباب اقتصادية تتعلق بإفلاس الأندية و"أكل عيش" العاملين فيها، فهذا تضليل وأمر بعيدا عن الدقة والصحة. ودعونا نلقي نظرة عملية فعليا على الآليات الاقتصادية التي يعتمد عليها الدوري لنفهم أن إقامة المسابقة أو استئنافها لا يؤثر كثيرا على اقتصاد الأندية خاصة في ظل النظام الإداري المصري العقيم في إدارة كرة القدم. موارد الدوري ينظم اتحاد الكرة المصري مسابقة الدوري المصري والتي تضم 18 ناديا وتعتمد اقتصاديا على بعض الموارد - الضعيفة جدا – للصرف عليها. المورد الأول هو حقوق البث التليفزيوني للمباريات، فالأندية تبيع حقوق البث لبعض القنوات بمقابل مالي يقسم عليها في طوال الموسم. وبالنظر إلى سعر البث الذي حددته اللجنة السباعية الخاصة بتسعير الدوري فهو 12 مليون جنيه لكل قناة راغبة في نقل المباريات بحد أدنى خمس قنوات. وإذا افترضنا أنه تقدم ست قنوات وليس خمس لشراء الدوري إذا فسيدخل ما يقرب من 70 مليون جنيه يحصل الاتحاد على 10% منهم وتوزع 5% على أندية القسم الثاني. وبالنظر إلى تقسيمة هذه الأموال على أندية الدوري سنعرف أن الأهلي والزمالك يحصلان على أكبر نسبة بسبب عدد المباريات المذاعة لهما بالإضافة إلى تاريخهما في البطولة وشعبيتهما الكبيرة. فنادي الزمالك على سبيل المثال والذي يعد ثاني أكبر فريق في مصر حيث تصل نسبته من بث المباريات إلى ستة ملايين جنيه بينما يحصل ناد مثل سموحة أو تليفونات بني سويف على مليون ونصف جنيه على أقصى تقدير. أما المورد الثاني فهو عقود الرعاية سواء الخاصة بالمسابقة ككل أو كل ناد بمفرده على قميصه وملعبه. وهذا المورد ضعيف بشدة هذا الموسم بسبب خاصة أن عقد اتحاد الكرة يتضمن مشاكل مع الشركة الراعية ولا تحصل الأندية منه على مقابل مادي لخوض الدوري. أما عقود الرعاية المنفصلة للأندية فهي أيضا هزيلة جدا إذا وضعنا في الاعتبار أن الزمالك رعايته في الموسم الماضي "المستقر" نسبيا كانت بستة ملايين جنيه فقط. أما المورد الثالث فهو تذاكر المبارايات وهو الأمر الملغى تماما هذا الموسم بسبب قرار وزارة الداخلية واتحاد الكرة بإقامة الدور الأول بالكامل بدون جمهور مما يحرم الأندية من حصيلة بيع التذاكر والدعاية عليها. لذا فمجموع ما يحصل عليه فريق مثل الزمالك – الكبير – مقابل خوض الدوري بالكامل هو ما يقرب من تسعة ملايين جنيه على أقصى تقدير، بينما يحصل أندية مثل سموحة والتليفونات على ما يقرب من ثلاثة ملايين جنيه فقط.
مجموع ما يحصل عليه فريق الزمالك مقابل خوض الدوري بالكامل هو تسعة ملايين جنيه على أقصى تقدير، بينما يحصل أندية مثل سموحة والتليفونات على من ثلاثة ملايين جنيه فقط. المصروفات دعونا نتحدث عن المصروفات التي تتكبدها الأندية لخوض الدوري هذا الموسم ويكفي أن نشير أولا إلى قيمة عقود اللاعبين. فالزمالك على سبيل المثال يبلغ مجموع عقود لاعبيه في الموسم الواحد ما يقرب من 19 إلى 20 مليون جنيه لما يضمه من نجوم وأسماء كبيرة. بينما يضم سموحة والتليفونات نجوما أيضا تبلغ قيمة عقودهم في الموسم الواحد على الأقل عشرة ملايين جنيه. ولا تتحمل الأندية عقود اللاعبين والمدربين والإداريين فقط ولكنها تتكفل بمعسكرات إعداد ومصاريف إقامة فندقية وتكاليف إقامة المباريات. وعلى ذكر إقامة المباريات فالدولة هذا الموسم قررت أن تقام المسابقة على ستة ملاعب خاصة بالقوات المسلحة وتقع في ثلاث محافظات فقط هم القاهرة والإسكندرية والسويس. مما يعني أن نادي مثل بني سويف سيخوض مبارياته - على ملعبه - في برج العرب بالإسكندرية والذي يتكلف إيجاره فقط 50 ألف جنيه. وهو ما سيكلف النادي مصاريف انتقال وإقامة في مدينة أخرى لتبلغ قيمة خوض مباراة واحدة ما يقرب من 100 ألف جنيه، في حين سيخوض الفريق 17 مباراة على ملعبه مما يساوي مليون و 700 ألف في الموسم، بخلاف المباريات التي سيخوضها خارج ملعبه. الخلاصة قبل الحديث عن عودة النشاط وتحدي رغبة الجماهير والتسفيه من مطالبهم بإيقاف عودة النشاط وتطهير القيادات الفاسدة، كان على المسؤولين عن الرياضة في مصر البحث عن سبل وموارد لحل العجز الموجود من تنظيم مسابقة بهذا الشكل. إذا أقيمت المسابقة بهذا الشكل ستتكبد الأندية مصاريف طائلة لتغطية خسائر قطاع الكرة فقط بينما كل ناد يشارك في الدوري يصرف في الأساس على أكثر من لعبه. والأنباء الواردة تشير إلى أن الدولة ستدعم إقامة المسابقة بتوزيع ما يقرب من 15 مليون جنيه على الأندية لاستئناف النشاط في حين كان الأولى أن تصرف هذه الأموال على تنفيذ مطالب النيابة في الملاعب ودعم الأجهزة الأمنية وإقامة المباريات بحضور الجماهير بشكل طبيعي. كان على الأندية أن تصارح الدولة بأنها لن تتحمل هذا الكم من المصاريف في حال أقيمت المسابقة بهذه الطريقة والبحث عن طرق تسويقية جديدة لترويج البطولة دعائيا وإعلانيا. ولكن لأن سياسة مسؤولينا دائما اعتمدت على دفن الرؤوس في الرمال وعدم مواجهة الحقيقة اخترنا الحل الأسهل الذي يحل المشكلة ظاهريا ويكبدنا خسائر متراكمة خفية تنهك المنظومة بالكامل مستقبليا. ملحوظة أخيرة: الأندية ستعلن إفلاسها في حال عودة الدوري وليس العكس، لأنه لن يكون هناك حجة لعدم صرف المستحقات حينها كما يحدث الآن.