كتر خير محمد زيدان. فهو لم يمتعنا بمهاراته الكروية فقط، ولكنه أيضا كشف جهلنا بعلم الاقتصاد عبر تصريحاته الأخيرة فيما كان يفتتح أحدث مشروعاته الوطنية العملاقة لخدمة مصر في ظل "الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد". زيدان رفع الستار عن مقهى "افرنجي" وصالة للألعاب الالكترونية أو بعبارة أخرى Café and PlayStation lounge، محتفلا بقص الشريط وسط عدد من أصدقائه اللاعبين وكاميرات وسائل الإعلام الرياضية المصرية. وجاءت الحكمة تتقافز من لسان زيزو حول تمسكه بالاستثمار في بلده، وعدم الهروب مثلما فعل أخرون، وأن هذا هو الوقت الصحيح لدعم مصر بمثل هذا المشروع ومشاريع أخرى لاحقة أوضحها والده في أنها ستكون "معرض سيارات وشركة سياحة". فهل يعتمد النجم الكبير على شعار "إشرب لاتيه وانقذ الاقتصاد المصري" كمقابل زيداني لحملة الكانتالوب ومصيلحي ويرى أنه كاف لضبط مزاج الشعب وتوقف المظاهرات الفئوية مثلا؟ هل يمكن دفع عجلة الإنتاج من خلال تنظيم عدد من مباريات بلايستيشن بين شباب الثوار لتفريغ طاقتهم بدلا من الدعوات لتظاهرات مليونية وإنقاذ الثورة؟
لا يمكن تقبل أن يخرج علينا رجل أشهر لقطاته على YouTube هي قبلة وضعها على يد الرئيس السابق ليخبرنا أن مصر في حاجة إلى مقهى جديد لدعم اقتصادها الذي انهار عبر سنوات بسبب تفرغ حكومات متعاقبة لوضع الشباب على المقاهي (البلدي طبعا لأنهم لا يستطيعون تحمل تكاليف الكافيه) أم ربما يكون السهر الصباحي في الأجواء المخملية التي يوفرها "كافيه" زيدان سيكون مثاليا لمناقشة الإعلان الدستوري والترتيب للانتخابات البرلمانية وعقد مناظرات بين المرشحين للرئاسة مع عرض أخر أهداف كريستيانو رونالدو في شاشات LCD الموجودة في الخلفية. حينما يقف لاعب شهير أمام كاميرات التليفزيون ليصف افتتاح مقهى وصالة "للأتاري" بأنه مشروع لدعم الاقتصاد المصري فنحن أمام احتمالين: إما أنه يحتاج إنقاذا فكريا سريعا أو أنه يظننا متأخرين ذهنيا. القوى الوطنية والعلماء المصريون يبحثون كيفية تمويل مشروعات لتوسيع الرقعة الزراعية، وتخفيف الكثافة السكانية عن القاهرة، واستصلاح الأرضي المنهوبة بعد استردادها، واستعادة حركة التصنيع المحلي فيما يتفاخر زيدان بمزيد من المشروعات (سواء المقهى أو بلايستيشن أو معرض السيارات )التي تحث الناس على الاستهلاك بدلا الإنتاج وتساعدهم على الكسل بدلا من الجدية. وحتى شركة السياحة التي بشرنا به الحاج عبد الله زيدان، أظنها ستكون مثل عشرات تنظم الرحلات وتأخذ العمولة بدلا من دعم حقيقي لقطاع السياحة ممكن أن يساهم فيه زيدان بشهرته عبر الترويج للسياحة المصرية في ألمانيا، وهي من البلاد التي يهيم مواطنوها بالفعل بمصر ويفضلون السفر إليها. وشخصيا لا أرى غضاضة في أن يستثمر زيدان أمواله في أي نشاط يناسب شخصيته وتفكيره طالما كان نشاطا مشروعا، ولكن التمسح في دعم الاقتصاد وارتداء عباءة الوطنية بهذا الإسفاف لا يمكن أبدا أن يمر بسهولة على أناس يعيشون الآن صحوة فكرية محمودة ويعيدون غربلة نجومهم في كل المجالات. لا يمكن تقبل أن يخرج علينا رجل أشهر لقطاته على YouTube هي قبلة وضعها على يد الرئيس السابق ليخبرنا أن مصر في حاجة إلى مقهى جديد لدعم اقتصادها الذي انهار عبر سنوات بسبب تفرغ حكومات متعاقبة لوضع الشباب على المقاهي (البلدي طبعا لأنهم لا يستطيعون تحمل تكاليف الكافيه). لا أدري كم من الوقت سيحتاج لاعبو الكرة ليدركوا أن أحيانا السكوت يكون من ذهب، وأنهم حينما يتحدثون فمن الأفضل أن يختاروا موضوعات يدركون كيفية الحديث فيها أو يستعينون بمن يلقنهم حتى لا يخسروا ما تبقى لهم من أرضية .. وقد خسروا كثيرا بالفعل.