هل هي أزمة فقر مواهب؟ أم استبعاد أنطونيو كاسانو وعدم دعوة فرانشيسكو توتي؟ ربما التأخر في إشراك فابيو كوالياريلا وعدم المغامرة بأندريا بيرلو؟ هل فقد ليبي لمسته، أم أن الجيل الحالي للكرة الإيطالية ليس مؤهلا حتى للفوز على نيوزيلندا؟ هذه أسئلة تجول بخاطر من شاهد "أبطال العالم" يفشلون في تحقيق فوز يتيم بالمونديال، ويعودون لبلادهم بتعادلين مع "نيو" زيلندا وباراجواي وهزيمة من سلوفاكيا. منتخب إيطاليا تحول إلى بطل سابق، وانمحت تماما صورته الجميلة التي كونها تحت قيادة مارتشيللو ليبي نفسه في 2006. وفي الحقيقة، كل الإجابات على الأسئلة السابقة هي نعم، فتوديع إيطاليا للمونديال ليس مسؤولا عنه سبب واحد. فمنتخب إيطاليا لم يكن منفلتا مثل فرنسا على سبيل المثال، لكن توديع الأتزوري للمونديال سببه تجمع العديد من "عناصر الفشل" في معسكره بجنوب إفريقيا. وكعادة الفرق الكبرى، فإن المدير الفني يكون المسؤول الأكبر عن الإنجاز أو الإخفاق، وليبي لعب دور البطولة في خروج إيطاليا من الباب الخلفي لجنوب إفريقيا. فالمدرب العجوز، ظهر وكأنه لم يستعد لكأس العالم، بل أخذ يغير في طرق اللعب ومراكز اللاعبين واختبر معظم القائمة بحثا عن التوليفة المثالية، ولم ينتبه إلى أنه داخل البطولة فعلا ولا وقت للتجريب، "واللي ذاكر ذاكر خلاص". فقر مواهب يملك منتخب إيطاليا من المواهب ما يكفل له الفوز بكأس العالم، بشرط ألا يواجه فريقا صغيرا. السبب أن مواجهات الفرق الكبرى لا تحتاج للموهبة بقدر ما تعتمد على الخطط والطرق الدفاعية، وإيطاليا تملك الحد الأدنى من المهارات التي تكفل لها النجاح في تلك الحالة. أما مواجهة الفرق الأضعف منك، فهذا يعني أن عليك الهجوم، والموهبة ضرورية لتحقيق ذلك. لكن، الحقيقة أن افتقاد إيطاليا للنجوم الموهوبين أمثال ميسي ورونالدو وكاكا وغيرهم، ليس مبررا حتى يخسر الفريق من سلوفاكيا، ويتعادل مع نيوزيلندا وباراجواي.
توتي كان سيلعب دور باجيو في 98 وهنا يمكن إلقاء اللوم على ليبي، فالمدرب الذكي هو من يدرب فريقه على أكثر من خطة حتى يأمن شر المباريات الكبرى، لكنه يستخدم خطة واحدة فقط معظم الوقت حتى يضمن الفوز في اللقاءات السهلة. ففي المباريات الكبرى، يجب على المدرب أن يكون جاهزا لتغيير خطته حتى تتوافق مع متطلبات الخصم .. بمعنى، أن وجود آريين روبن على جناح هولندا الأيمن، معناه ضرورة إشراك ظهير أيسر ذو قدرات دفاعية عالية. لكن أمام سلوفاكيا ونيوزيلندا، يجب عليك أن تستخدم خطة يحفظها فريقك عن ظهر قلب حتى تصبح تحركاتهم أكثر ترابطا، وبالتالي تشكل خطرا أكبر على الخصم الذي يلجأ للدفاع فقط. وهذا الاسلوب يطبقه دونجا مع منتخب البرازيل بنجاح تام، أما ليبي، فقد استخدم ست طرق لعب مختلفة، وأشرك 19 لاعبا من أصل 23 في ثلاث مباريات! استبعاد كاسانو نعم، أثر استبعاد كاسانو سلبا على منتخب إيطاليا أمام باراجواي ونيوزيلندا وسلوفاكيا. في بداية الأمر كنت أشعر بأن كاسانو لا يملك سمات نجم كأس العالم، فربما قدراته الفنية عالية، لكنه لاعب غير مفيد في المجمل، ليس فقط بسبب أخلاقه الرديئة، بل لأنه بدنيا غير لائق لمباريات كبرى، فهو مفتقد للمرونة والقدرة على المراوغة بسرعة دون أن يسقط. لكن مع المباراة الثالثة لإيطاليا في المونديال، اكتشفت أن الفريق كله لا يملك لاعبا يستطيع تمرير الكرة بشكل سليم للأمام، باستثناء أندريا بيرلو. وبالتالي على ليبي الاعتراف بأن ترك كاسانو في إيطاليا أثر سلبا، لأن نجم سامبدوريا بكل عيوبه على الأقل يجيد لعب الكرة. وبالمثل، ربما كان على ليبي الضغط على فرانشيسكو توتي للمشاركة في المونديال، حتى لو كبديل، وهنا أقول توتي وأٌسقط ديل بييرو من الحسابات، لأن قائد يوفنتوس جلس أغلب الموسم على مقاعد البدلاء، وبعيد تماما عن حالته. على الأقل وقتها كان منتخب إيطاليا سيملك بين صفوفه لاعب "خلاق" قادر على "الإبداع" وصنع الفرص بأقل عدد من التمريرات، ما يكفل للفريق هجمات أسرع وأدق. هذا الدور لعبه روبرتو باجيو في كأس العالم 1998، في وقت كان منتخب إيطاليا أيضا يعاني فيه من نهاية دورة حياة جيل 94، خاصة على الصعيد الهجومي.
إصابة بيرلو هذه النقطة تحديدا لا ذنب لمارتشيللو ليبي فيها، فلو كان لاعب ميلان جاهزا من بداية البطولة ربما كان منتخب إيطاليا حقق نتائجا أفضل. لكن ألم يكن بوسع ليبي المغامرة بأندريا بيرلو بشكل أكبر طالما الفريق في طريقه إلى الهاوية؟ أعتقد أن بيرلو كان سيجعل إيطاليا تتفادى التأخر بهدف أمام سلوفاكيا لو شارك من بداية المباراة. ولو كان الطبيب أمر بعدم مشاركة نجم ميلان لأكثر من 20 دقيقة، فكان أفضل أن يكونوا في البداية وليس النهاية. أخطاء خططية الطريقة التي اختارها ليبي أظهرت أنه لم يستفد أبدا من تجربة كأس القارات 2009، بل كان وقتا مهدرا على الإيطاليين. فلو كان ليبي مصرا على اعتماد صانع ألعاب صريح يقود هو الهجمات الإيطالية، فلماذا لم يعد واحدا خلال العامين الماضيين؟ فجأة قرر ليبي أن يعتمد على كلاوديو ماركيزيو كصانع لعب، دون اختبار ولا سابق إنذار، وطبعا كان فشل لاعب يوفنتوس ذريعا، وسبب أزمة لحسابات المدرب العجوز. وبالتالي، قرر ليبي تغيير طريقة اللعب أمام نيوزيلندا، واعتمد على جناحين دون صانع لعب، ودفع الثمن، ليعود للخطة القديمة أمام سلوفاكيا، ويختار هذه المرة ريكاردو مونتوليفو لدور صانع اللعب. ودفع ليبي بجينارو جاتوزو في المباراة الثالثة بجوار دانيلي دي روسي، مقدما مونتوليفو للهجوم، ما كان العامل الرئيسي في الخسارة. فجاتوزو يلعب أمام الارتكاز الدفاعي وليس خلفه، وبالتالي كانت تحركات لاعب ميلان للوراء دائما، تدفع دانيلي دي روسي للتراجع بدوره.
استخدم ليبي ست طرق لعب مختلفة، وأشرك 19 لاعبا من أصل 23 في ثلاث مباريات! وكان دي روسي محروما من التقدم الهجومي، بسبب وجود مونتاليفو وجاتوزو أمامه، ما أثر سلبا على اداء إيطاليا في وسط الملعب. كما تراجع مونتاليفو مع هجمات سلوفاكيا بحكم التعود والخوف على الفريق، بعكس المنتظر من صانع ألعاب. صانع اللعب لا يدافع حتى حين يكون فريقه مضغوطا، ذلك ليجبر أحد لاعبي وسط الفريق الخصم على عدم التقدم، لكن مونتوليفو جعل منتخب إيطاليا متراجعا للغاية بسبب عودته مع هجمات سلوفاكيا. اختيارات التشكيل هناك بعض العناصر التي أصر ليبي على ضمها للقائمة دون منطق واضح، مثل ماورو كامورانيزي مثلا. فلاعب يوفنتوس يفتقد لكل شيء، السرعة والمرونة بحكم السن، واللياقة بحكم عودته من إصابة طويلة، والقدرة على صنع الفارق للأسباب السابقة جميعا. كما أن هناك بعض الأسماء التي لم تقدم شيئا يذكر للمنتخب، وبرغم ذلك حافظت على موقعها في التشكيل الأساسي لفترات طويلة، مثل كريشتو وألبرتو جيلاردينو وماركيزيو. علاوة على أن وجود لاعب مثل فابيو كوايلياريلا كان حتميا من بداية المونديال، لأن نجم نابولي سريع ومهاري ويجيد التصويب بكلتا قدميه. كما أنه تألق في المباريات الودية للأتزوري وسجل، فلماذا يلعب عليه جيلاردينو وهو متثاقل بليد مفتقد تماما للتركيز؟ هذه الحقائق كان على ليبي اكتشافها في كأس القارات أو تصفيات المونديال أو المباريات الودية التي سبقت البطولة، لا أن يصل لها قبل 10 دقائق من نهاية لقاء سلوفاكيا. سمعة ليبي للأسف، قتل ليبي الكثير من سيرته الطيبة في إيطاليا بالفترة الثانية التي قضاها مع الأتزوري، وشهدت توديع الفريق كأس القارات والمونديال العالمي من الدور الأول. لكن في النهاية، ليبي يظل المدرب الذي قاد إيطاليا لكأس العالم 2006، صنع ربيع الأتزوري منذ أربع أعوام، ولا يجب أن تنسى بلاده ذلك.