الخوف .. والخوف وحده على مدى السنوات الست الأخيرة كان هو الشعور السائد لدى لاعبي منتخب مصر قبل مبارياتهم مع منتخب الكاميرون في بطولات كأس الأمم الأفريقية. ذكريات أليمة لا تفارق أي منا عن هذه اللقاءات ليس لأن معظمها انتهى بهزيمة أو بتعادل لا يسمن ولا يغني عن تأهل .. لكن لأننا لم نستحق الفوز .. ودوما ما كنا نلعب باعتبارنا الطرف الأضعف أو غير المرشح للفوز أمام عمالقة قساة القلوب تبرز عضلات أذرعهم من قمصانهم الخالية من الأكمام لإرهابنا. في عام 2002 لعب منتخب مصر في مالي تحت قيادة الجوهري ضد الكاميرون في دور الثمانية ليخسر بهدف برأس مبوما بعد 62 دقيقة من الدفاع المشوب بالخوف وعشر دقائق من الهجمات المصرية العشوائية الخائفة من عقاب الأسود. وفي عام 2004 في تونس كان منتخب مصر تحت قيادة محسن صالح قد خسر أمام الجزائر في مباراة "هو يجري وانا أجري وراه" الشهيرة ولعب ضد الكاميرون في لقاء الفوز وحده فيها كان يكفينا لبلوغ دور الثمانية فكانت الخطة الدفاعية التي لعبنا بها -والتي سميت بال"متوازنة" خجلا - مفاجأة للكاميرونيين قبل أن تفاجئنا. وحتى قبل لقاء الفريقين في تصفيات كأس العالم الأخيرة الذي انتهى بالتعادل 1-1 وتسبب في إقصاء الكاميرون كنا نلعب معهم في ياوندي على طريقة "ابعد عن الشر وغني له" ولم نكن نرغب في الخسارة أمامهم لكننا لم نريد الفوز أيضا رغم خروجنا من التصفيات كلها. ولعل العنصر المشترك بين كل هذه الذكريات الأليمة هو أن منتخب مصر لم يهاجم "الأسود التي لا تقهر" إلا عندما كان مجبرا أو كان يعيش حالة "لا شيء نخسره" وهذا كان سر إحرازنا هدف محمد شوقي في ياوندي وحتى فوزنا عليهم 3-2 في تصفيات كأس العالم 2006 كان مسألة حياة أو موت .. عندما تحرر لاعبا في حجم طارق السيد من خوفه واكتشف أن عملاقا عجوزا مثل روجبير سونج يمكن مراوغته وتسجيل الأهداف من خلاله، ومثلما حدث في الدقائق الأخيرة من لقاءي الفريقين عامي 2002 و2004.
ولن يحزن المصريون إذا خسر منتخبهم بثلاثة أهداف وسجل هدفين ويخشى البعض أيضا من تكرار سيناريو مباراة مصر والسنغال عام 2002 التي كانت مباراة منتخبنا الافتتاحية فلعبنا بطريقة دفاعية على اعتبار أن التعادل مع أسود التيرانجا مكسبا لمدة 82 دقيقة حتى تلقينا هدف لامين دياتا الذي سكن شباك الحضري على طريقة "شايف الطيارة" في حراسة المدافعين. ولعل هذه الذكريات المزعجة هي ما قد يدفع البعض لتمني تلقي منتخب مصر هدفا مبكرا في مباراة الثلاثاء حتى يؤدي لاعبوه بطريقة "لا شيء نخسره" فربما يحرزون هدف التعادل ثم هدف الفوز. ويقع على عاتق الجهاز الفني لحسن شحاتة الذي يختلف بالتأكيد عن محسن صالح والجوهري مهمة علاج لاعبينا من هذا الخوف فمنتخب مصر هو البطل حتى هذه اللحظة والأسلوب الدفاعي لن يجدي مع الأسود نفعا. بل لا أخفي سرا إذا قلت أن الكاميرونيين لا يشعرون بالثقة قبل مواجهة منتخب مصر .. ففي حديث جمعني بصديق من الكاميرون فاجأني خلاله بتشاؤم أبناء بلاده من مواجهة الفراعنة ليس لأنهم أقوى من منتخب بلاده لكن لأن الأسود تفتقد للتوفيق أمامهم دائما ! .. وهو ما يكشف عمق تأثرهم بلقاء ياوندي الذي أطاح بهم من تصفيات كأس العالم. كل ما نتمناه إذا خسرنا من الكاميرون أن نشاهد لاعبي منتخب مصر يؤدون بثقة البطل .. ولن يحزن المصريون إذا خسر منتخبهم بثلاثة أهداف وسجل هدفين في مباراته الافتتاحية .. لكن أرجوكم لا تكرروا مشاهد مالي 2002 أو تونس 2004.