ربما تكون إفريقيا من أكثر قارات العالم فقرا، وأضعفها تأثيرا على الساحة السياسية، وأقلها تمتعا بالأمان .. ولكن حينما يتعلق الأمر بكرة القدم، فإن القارة السمراء تعلن التحدي من خلال كأس الأمم الإفريقية والتي يرفع عنها الستار في غانا يوم الأحد. وتتنافس 16 دولة لمدة ثلاثة أسابيع للحصول على اللقب المرموق ولإثبات أن إفريقيا تنمو اقتصاديا وسياسيا وأن الفقر الذي عانى من أبناؤها أمثال ستيفين أبياه قائد غانا وكولو توريه مدافع كوت ديفوار لا يمنعهم من العودة إليها على الرغم من صراخ واعتراضات أوروبا. فالدولة المضيفة غانا تُصنف دوليا ضمن دول العالم الثالث من حيث معدلات الفقر والجريمة ولكن النسخة رقم 26 من البطولة كانت سببا في نهضة حقيقية في ثلاث مدن بجانب العاصمة أكرا، ما يؤكد أن كأس الأمم الإفريقية أكثر من مجرد بطولة في كرة القدم. فنظرة على الإصلاحات الشاملة في المرافق من كهرباء واتصالات وإسكان في كوماسي وتامالي وسيكوندي يؤكد أن المنافسات التي تستمر من 21 يناير الجاري وحتى العاشر من فبراير المقبل كان لها مفعول السحر على هذه المدن. وقد تكون كأس إفريقيا هي البطولة الأكثر اهتماما بالشعوب في العالم كله، وهي الوحيدة التي تمنح دولا في حجم بوركينا فاسو وأنجولا فرصة استضافة حدث ضخم، يشهد مشاركة نجوم تصل أسعارهم إلى ملايين الدولارات وتنقلها عشرات المحطات التلفزيونية في العالم كله. وبحسب وصف شبكة "سكاي" التلفزيونية البريطانية، فإن كأس الأمم الإفريقية باتت تعادل في القوة والاهتمام نظيرتها في أوروبا، مهد كرة القدم في العالم .. وهو أمر لا يجد ترحيبا كبيرا في القارة العجوز، التي نقلت لعبة كرة القدم إلى المستعمرات الإفريقية في القرن ال19 عبر البحارة والعمال الذين توافدوا عليها. أبناء إفريقيا وفيما تشكو الأندية الأوروبية الكبرى، وعلى رأسها الأندية الإنجليزية، من غياب لاعبيها الأفارقة عن المسابقات المحلية طوال فترة البطولة، فإن هؤلاء النجوم الذين باتت أهميتهم تماثل نظرائهم من أوروبا وأمريكا اللاتينية لا يلقون بالا. "تشيلسي هو مهنتي .. ولكن كوت ديفوار هي عشقي الأول" .. هكذا رد ديديه دروجبا على سؤال حول رؤيته لكل من فريق بلاده القابعة في غرب إفريقيا وناديه اللندني الذي يدفع له عشرات الآلاف من الجنهيات الاسترلينية أسبوعيا.
ولا تختلف نظرة النجوم الأفارقة في العالم كثيرا عن دروجبا، فرمز الكرة الكاميرونية صامويل إيتو، وقائد غانا مايكل إيسين، ونجم مالي فردريك كانوتيه وغيرهم يضحون بمكافآت ضخمة ويخاطرون بإصابات خطيرة من أجل الدفاع عن ألوان بلادهم. وربما يكون الإحساس العميق بالانتماء الذي يكنه نجوم إفريقيا إلى بلادهم هو سلاح القارة في وجه العالم الأول الذي يحاول تشكيل الكرة الإفريقية بما يتوافق مع أنظمتهم بعدما باتت الأندية الأوروبية غير قادرة على الاستغناء عن لاعبيها السمر. وتناضل إفريقيا أمام مراكز قوى عديدة على رأسها سيب بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) لإقامة البطولة في موعدها في يناير كل عامين بدلا من نقلها إلى الصيف أو إقامتها كل أربع سنوات. تنافس شرس ويقع على عاتق غانا مهمة خاصة، إذ سيكون ما تقدمه من تنظيم وإبهار للعالم تلميحا لما يمكن أن تقدمه القارة بأكملها حينما تستضيف كأس العالم 2010 في جنوب إفريقيا بعد عامين. ولا تمثل كأس الأمم الإفريقية كل هذه المعاني فحسب، وإنما تقدم لجمهور الكرة صراع كروي فني على مستوى رفيع، قد يجعل الأوروبيون أنفسهم يتابعون مباراة الافتتاح يوم الأحد بين غانا وغينيا بدلا من الاتجاه إلى مشاهدة دربي مدريد بين الريال وأتلتيكو في الدوري الإسباني. وربما تكون كأس الأمم الإفريقية هي البطولة الوحيدة التي قد يصل عدد المرشحين للفوز بها 11 من أصل 16 عشر فريقا يشاركون فيها، ويتوافد عليها الكشافون من كل أنحاء العالم في محاولة للعثور على إيتو أو دروجبا أو نوانكو كانو الجديد. وتتنافس غانا المضيفة مع جارتها غينيا والمنتخب المغربي في المجموعة الأولى فيما تصطدم نيجيريا مع كوت ديفوار ومالي في المجموعة الثانية وتجمع المجموعة الثالثة مصر حامل اللقب مع الكاميرون وتضم الرابعة تونس والسنغال وجنوب إفريقيا والجميع مرشح بدرجة أو بأخرى لنيل اللقب. اقرأ أيضا: حمى كأس الأمم الإفريقية تصل قمتها في غانا