في عام 1991 ، لم يكن خبراء أكاديمية الاتحاد الفرنسي لكرة القدم للناشئين في كليرفونتان على اقتناع كبير بقدرة ذلك الفتى النحيل على التألق في مركز رأس الحربة بسبب ضعف قدراته على التحكم في الكرة وفقر مهارات التسجيل لديه ، ولكنهم رشحوا تيري هنري للعب في مركز الجناح للاستفادة من سرعته الفائقة بالمقارنة لسنه. ولم يدر أي من هؤلاء الخبراء أن هنري سيكون يوما ما من أفضل هدافي العالم ، إذا لم يكن أفضلهم على الإطلاق ، وأن الأندية الأوروبية الكبرى ستتهافت على ضمه إلى صفوفها فيما يجلس هو كملك متوج على عرش الكرة يختار من بين جميلات اللعبة عروسا له. ويرتبط قدر هنري بشكل مباشر بفرنسي آخر ، اسمه آرسين فينجر ، أخذ بيده ليعبر جسر الهواية إلى بوابة الاحتراف في فرنسا ، وأنقذه من مستقبل مظلم في إيطاليا في منتصف مشواره الكروي ، قبل أن يبدأ معه مرحلة جديدة من النضج والتألق في إنجلترا في عام 2006. ويعترف هنري أن نجاحه في الملعب وخارجه يرجع إلى ما تعلمه في أيام طفولته الصعبة في ضاحية "ليزولي" في العاصمة الفرنسية ، وهي الضاحية التي كان ينظر الباريسيون إليها كمجرد معسكر يضم عددا من المهاجرين والفقراء ممن لا ينتمون فعليا إلى رقى ورفاهية مدينة النور. ويسترجع هنري تلك الأيام قائلا : "كل ما أنا عليه الآن يعود إلى أيام طفولتي ، شعوري الدائم بالرغبة والغضب ، الغضب الذي أسيطر عليه وأستفيد منه بصورة إيجابية لتحقيق النجاح". ويضيف : "إنها الحياة الصعبة التي نشأت عليها هناك ، فعندما تلعب في الشوارع تتعلم كيف تكون غاضبا وتحافظ على رغبة متأججة في الفوز. لا يمكنك تعلم هذه الأحاسيس ، فهي إما داخلك أو لا". نبوغ مبكر ولد هنري في 17 من أغسطس عام 1977 ، بعد عام واحد من انتقال والديه أنطوان وماريليز إلى ضاحية "ليزولي" من حي أكثر فقرا طلبا لحياة أفضل. انتبه والده مبكرا إلى تفوق هنري في لعبة الكرة فراح يشجعه على ممارستها باستمرار وينسق له المشاركة في معسكرات الأطفال الصيفية ومباريات الكرة للصغار فيما كانت والدته تبدي قلقا من انشغاله بالكرة على حساب الدراسة ، وهو ما جعله يستمع إلى نصائح الاثنين ويتفوق في الدارسة والكرة. تألق هنري في معسكرات الصيف جذب انتباه عدد من الكشافين الذي يجوبون الأحياء الفقيرة بحثا عن لاعبين صغار ، ونجح كشاف منهم في ضم هنري إلى فريق الشباب في نادي ليزولي قبل أن ينتقل الفتي ذو ال13 ربيعا إلى نادي فيري-شاتيلون الذي اشتهر في ذلك الوقت بقدرته على تنمية المواهب الشابة.
وعلى رغم انفصال والديه مع بداية لعبه في ناديه الجديد ، إلا أن هنري أظهر موهبة كبيرة وصلابة أكبر ، وأنهى الموسم مسجلا 77 هدفا في 26 مباراة فقط. وجاءت نقطة التحول الأولى في حياة هنري مع احتفاله بعيد ميلاده ال14 ، عندما تم إبلاغه بوقوع الاختيار عليه ضمن 25 لاعبا في السن نفسها – كان منهم نيكولاس أنيلكا ولويس ساها ووليام جالاس - للانضمام إلى أكاديمية كليرفونتان حيث يعيش اللاعبون بشكل كامل ويتفرغون للدراسة والتدريب. يقول هنري عن تلك الفترة : "كنت آكل كرة قدم ، أشرب كرة قدم ، وأتنفس كرة القدم ، لم أكن مجنونا ولكني شغوف بتلك اللعبة". بعد عامين من التدريب في الأكاديمية ، وعلى رغم من توصيات خبراءها بعدم صلاحية هنري للعب كرأس حربة ، مؤكدين صعوبة وصوله إلى مستوى عالمي في هذا المركز وأنه من الأفضل أن يلعب على الجناح ، إلا أن فينجر ، المدير الفني لفريق موناكو في ذلك الوقت ، كان له رأيا مخالفا. الأب الروحي ففي عام 1994 ، وقع فينجر عقدا مع هنري الذي كان يبلغ من العمر 16 عاما فقط آنذاك ، وأشركه في ثماني مباريات مع موناكو سجل خلالها ثلاثة أهداف. ولكن كان على فينجر الدفاع عن هنري بشراسة في الموسم التالي ، والذي أحرز فيه المراهق الأسمر ثلاثة أهداف أيضا ولكن من 18 مشاركة ، مصرا إلى إشراكه في مركز رأس الحربة رغم انتقادات كثيرة عالية النبرة ضد هذا القرار. ويبدو أن سياسة فينجر قد آتت ثمارها في عام 1996 عندما قاد هنري المنتخب الفرنسي دون 18 عاما إلى كأس أوروبا ، وأصبح مثار اهتمام عدد من عمالقة اللعبة وهو ما جعله يوقع عقدا مع وكيل لاعبين غير معتمد من الفيفا وهو ما ألقاه في أزمة كبيرة إذ جعله هذا الوكيل يوقع لنادي ريال مدريد في الوقت الذي كان فيه ما زال مرتبطا بعقد مع موناكو. وعند نظر هذه القضية من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) قضى بأحقية موناكو في ضم اللاعب ووقع غرامة مالية على ريال مدريد وعلى اللاعب نفسه. خرج هنري من هذه الأزمة أقوى مما دخلها ، إذ قاد موناكو في عام 19 قالوا عن هنري أبطال هنري .. وموسيقاه المفضلة!