ويبقى إهمال الزوجة لمأكل وملبس زوجها بعد تأبيدة من الزواج جُرْماً ضئيل القيمة والقامة إلى جوار جُرْمٍ آخر تسوقه أو تقوده إليه، هى المرأة هنا التى غالباً ما تكون الزوجة، وقليلاً ما تكون الأخت ونادراً ما تكون الأم، لم يخطئ من قال «وراء كل جريمة امرأة»، وأيضاً من قال حال وقوع الجريمة «فتش عن المرأة»، وربما أصاب أكثر لو قال فتش عن الزوجة، وما دامت المرأة تدب على الأرض فإنه يظل فى كل واد مبتلون، لن أتحدث إلا عن جريمة الثأر التى تلعب فيها الزوجة دور المؤلف والمخرج والمصور والبطل الذى لا بد له من دوبلير والذى لا يجيد دوره تقريباً إلا الزوج، أتحدث مع معرفتى للنصيحة التى تقول «لا تقل رأيك فى امرأة حتى تتأكد أنها ماتت جداً»، الزوجة التى تُرضِع وليدها مع لبن صدرها كلمات تشكل ذائقة الولد الإجرامية حيث تقول له «اللى يضربك اضربه وكَسَّر راسه»، وعندما يكبر تقول له «لا ولدى ولا خلفتك حتى تاخد التار». والمرأة التى على هذه الشاكلة إنما تسمع فى ضحكاتها رنة عويل، إنها امرأة تسقى وليدها الحياة فى كأس الموت، وأحيانا تدفعه إلى ذلك دون توجيه كأن تجعله لا يسمع فى البيت غير «العدودة» على من قُتِلَ من العائلة، وملبسها الأسود الذى تبدو فيه كقطعة من الليل، و«عقد الحَزُّون»، والقاتل يومها يشترى دقيقة اللذة بعام الندامة، الزوجة هنا هى المخلوق المعبأ بالقسوة والغلظة، فهى هند بنت عُتْبَة التى مضغت كبد سيدنا حمزة، وهى شجرة الدر التى منحت عز الدين أيبك كرسى حكم مصر ثم قتلته، وهى سلافة بنت سعد التى رغبت فى أن تشرب الخمر فى «قحف» أى جمجمة عمرو بن ثابت الذى حمته الدَّبِر «جيوش النحل»، الزوجة هى المرأة التى لديها مخزون لا ينفد من «المعايرة» أى السخرية من الرجل لتشعل فيه ثورة الانتقام، فيسير إلى القتل وكأنه يهرول إلى عروسه التى طال انتظارها، قد يدب خلاف بين فريقين من الرجال لقبيلتين مختلفتين ولا يزيد الخلاف والشجار عن صوت هنا وتهديد هناك وكلمة نابية من هذا وسخرية من هناك، ولكن بمجرد أن تطل امرأة على ساحة هؤلاء المختلفين وتملأ الأجواء بصرخة واحدة فإذا بالمعركة تدور رحاها معتمدة على النبابيت والسواطير والمسدسات والبنادق الآلية ومؤخراً عرفنا المولوتوف والجرونوف والبقية تأتى، وتتربع المرأة لحظتها على كرسى رئيس هيئة أركان الخراب، وعندها أيضاً يسقط القتلى والجرحى وهذا لن يكلف المرأة، الزوجة إلا الحزن الذى تمتلك منه الكثير، وجلبابين أسودين، وأساور «غوايش» من البلاستيك الأسود، وزيارة للمقبرة بين الحين والآخر تتحدث خلالها إلى ساكن القبر لتذكره بأنه ارتاح وتركها «تقَطَّم المر»، يحدث هذا بعد أن نصبت الزوجة من نفسها حادية للقافلة تقودها من حُفرة إلى حُفرة، وهذا يُذَكَّرنا بقول القائل «حدث كثيراً أن التهم كلبٌ صاحبَه»، وبسبب ما تأتى به المرأة من مآس فإنهم راحوا يشبهون الحياة بالمرأة فقالوا «الحياة امرأة ترتدى الأيام البيضاء المبطنة بالليالى السوداء». المؤكد هو أنه ليس من بين زوجاتنا خنساء واحدة على الرغم من أن الغالبية العظمى منا هى صخر بشحمه ولحمه، كما أن زوجاتنا جعلن من أنفسهن شجرة الدر ورأين فينا عز الدين أيبك ونسين أن لعز الدين أيبك جوارى ينتعلن القباقيب، جوارى يدركن أن الجريمة لا تشيخ، ودائما تبدو وكأنها تتزوج للمرة الأولى.