يختلف التصويت فى الاستفتاء على الدستور عنه فى الانتخابات الرئاسية، وعن التصويت فى الانتخابات البرلمانية، لكن ذلك لا يمنع من وجود دلالات متشابهة بينها جميعاً. فالكتلة الصلبة التى صوتت بالموافقة على التعديلات الدستورية فى مارس 2011، وعلى مشروع الدستور الجديد الذى بدأ الاستفتاء عليه هذا الأسبوع تكاد تكون هى نفسها التى صوتت للأحزاب الإسلامية فى الانتخابات البرلمانية وللرئيس محمد مرسى فى الانتخابات الرئاسية، أما الكتلة الصلبة التى صوتت بلا ، فهى نفسها التى أعطت أصواتها للأحزاب العلمانية وصوتت ضد مرسى، أما الكتلة الوسطية الرخوة فقد بقيت تتأرجح بين الطرفين. فى انتخابات مجلسى الشعب والشورى الأخيرة، ذهبت غالبية أصوات الكتلة الرخوة للأحزاب الإسلامية، لكن الأحزاب العلمانية فى الطرف المقابل لم تستسلم وفعّلت آلتها الإعلامية الضخمة التى عملت كالمغناطيس فى محاولة جذب الكتلة الرخوة إلى صفها، وقد نجحت فى ذلك إلى حد كبير فى جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية، وبعدها واصلت عملها ظناً منها أن الفارق بينها وبين الخصم قد تقلص إلى حد كبير، وربما ظنت أن شعبيتها زادت على شعبية الخصم الإسلامى، وبدت الأحزاب العلمانية واثقة من تحقيق السبق فى معركة اللجنة التأسيسية والاستفتاء على الدستور، خاصة بعد أن أضافت إليها رصيداً جديداً من المؤيدين من الفلول وبعض القوى التى كانت خاملة. ظهر ذلك من تحديها للرئيس (حصار قصر الاتحادية ومظاهرات الإنذار الأخير) ومهاجمة الأحزاب الإسلامية (موقعة الاتحادية وتصعيد الخطاب الإعلامى)، وحتى مهاجمة الشعب ذاته، باتهامه بالجهل وتلقى الرشوة وبيع صوته مقابل زجاجات الزيت وأكياس السكر! لكن النتائج النهائية للمرحلة الأولى من الاستفتاء على الدستور -وإن كانت غير رسمية- تشير إلى حدوث انتكاسة كبيرة للأحزاب العلمانية. لقد بَطُلَ سحر المغناطيس العلمانى ولم يعد قادراً على الجذب، ورغم كل الحملات الإعلامية والدعاية السوداء والشائعات، ورغم أن المحافظات التى شملتها المرحلة الأولى من الاستفتاء على الدستور فيها كتل تصويتية كبيرة، كالقاهرة والدقهليةوالشرقية والغربية، ذهبت فى الانتخابات الرئاسية لأحمد شفيق ممثل التيار العلمانى، فإن نتيجة التصويت جاءت فى الإجمال مؤيدة للدستور، رغم أن العلمانيين أنفسهم قدموه للشعب على أنه دستور الإخوان، (وإن لم يعتبره الإخوان كذلك، بل اعتبروه دستور الشعب، ونتاج الجمعية التأسيسية التى شارك فيها الجميع حتى من انسحبوا قبل خط النهاية بقليل)، ووجدنا أن محافظة الشرقية التى ذهب أكثر أصواتها فى الانتخابات الرئاسية لأحمد شفيق عادت لتصوت لصالح الدستور بنسبة الثلثين، وتبعتها الدقهلية وتعدت نسبة التأييد 75% فى عدة محافظات، وبقيت محافظات الصعيد التى صوتت ضمن الكتلة الصلبة لم تتأثر بكل أشكال الدعاية المضادة التى تم إطلاقها.. ومن المتوقع -إن شاء الله- أن تكون النتائج فى المرحلة الثانية أفضل من ذلك بالنظر إلى أن محافظات المرحلة الثانية كالمنيا وبنى سويف والفيوم ودمياط ومرسى مطروح فيها كتل تصويتية كبيرة ذهبت لصالح الاتجاه الإسلامى فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ومن المرجح أن تصوت لصالح إقرار الدستور.