من حق أعضاء التيارات الدينية المتطرفة المستحوذة على حكم مصر والطامعة فى تحويلها إلى إمارة «غير إسلامية» تنتمى إلى القرن السابق على عصر النبوة فى شبه الجزيرة العربية، أن تحاصر مقر المحكمة الدستورية، ومن حق الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل وأنصاره، أن يحتشدوا فى الساحة الصحراوية المواجهة لمدينة الإنتاج الإعلامى، باعتبارها صحراء تشابه الدولة التى يحلمون بها. من حق هؤلاء وهؤلاء أن يفعلوا أكثر من ذلك، ما داموا يرون حفنة من الصحفيين والإعلاميين المهرولين إلى حضن جماعة الإخوان المسلمين، ليغفروا لها ما تقدم من ذنبها وما تأخر، ويتمسحوا فى لحية محمد مرسى والى مصر، ويتبركوا ب«اللبدة» التى يضعها الدكتور محمد بديع المرشد العام للجماعة فوق رأسه، ويدخلوا فى عباءة المهندس خيرت الشاطر الرجل الثرى القوى المخيف الحاكم السرى بأمره لا بأمر الله. ولن نذهب بعيداً، فأمامنا نموذج لأولئك المهرولين الذين ادعوا أنهم جزء من الثورة، ثم كانوا أول الناهشين فى لحم شهدائها وأول من باعوا دم أبنائها وساندوا الإخوان فى استباحة أرض الوطن. وأقصد هنا على سبيل المثال لا الحصر الصحفى وائل قنديل، ابن خيبات التجربة الناصرية حينما عادت للبزوغ فى مطلع التسعينات، فهذا الفتى الذى كابد مرارة فشل إعادة الحياة للناصرية خلال عمله فى جريدة «العربى»، وجد له أخيراً الحضن الدافئ فى كنف الدفاع عن الإخوان وحاكمهم ودولتهم المستبدة باسم دين أعرف أنه برىء منهم. الصحفى وائل قنديل، كان من القلائل الذين استمسكوا بجلباب الجماعة، حين انفض عنها الطيبون الذين اعترفوا بأنهم انخدعوا، وهكذا باع الثورة مقابل المقعد الذى منحته له الجماعة فى المجلس الأعلى للصحافة، وحينما انتفض المصريون الأكرمون لكرامتهم ورفضوا حضور حوار الطرشان مع والى مصر، ذهب وائل قنديل مخلصاً مطيعاً، ولم يكتف بذلك بل راح يردد فى مقالات لا يقرأها سواه وأنا والإخوان وتجار الدين، الاسطوانات الإخوانية المشروخة حول الثورة المضادة والفلول والبلطجية الذين فى التحرير.. هكذا صار ميدان الثورة فى نظر قنديل، مأوى للبلطجية. حتى الدكتور محمد البرادعى، الذى وثق فى وائل قنديل ومنحه منصباً فى حزب الدستور، لم يسلم من قلمه المغموس فى حبر الإخوان الدسم، فتارة يصف المعارضة الوطنية بأنها لها مآرب وأغراض، وتارة يهاجم الإعلام بلغة لا تختلف عمن يأتمر بأمرهم، وتارة يختصر بسذاجة أزمة مصر السياسية فى إقصاء الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح مرشح السلفيين الخاسر فى انتخابات الرئاسة، وتارة يردد أكاذيب من لهم الأمر عليه بأن شهداء الاتحادية من الإخوان.. والكثير من هذا الهراء. ألف حسرة على الفراعنة حين اخترعوا الكتابة والبردى، وألف حسرة على صناع الأحبار والأوراق، وألف حسرة على الرجل الذى اخترع المطبعة، وألف حسرة على مخترعى الكمبيوتر، وألف حسرة على عمال المطابع، وسائقى سيارات نقل الصحف، فكل هؤلاء لو كانوا يعلمون أن مجهودهم سيذهب إلى وائل قنديل، ما اخترعوا الكتابة ولا الورق ولا الحبر ولا المطابع.. وألف لعنة على اليوم الأسود الذى جاء بهم.