سلطان عمان يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة ذكرى السادس من أكتوبر    رئيس جامعة المنيا يهنئ السيسي بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة    ننشر عناوين مقرات توقيع الكشف الطبي على المرشحين لمجلس النواب في الإسكندرية (تعرف عليها)    رئيس الوزراء يترأس اجتماع اللجنة الرئيسية لتقنين أوضاع الكنائس والمباني الخدمية التابعة لها    اتحاد الشركات المصرية يسعى لإزالة العقبات التنظيمية والإجرائية أمام انتشار التأمين    اجتماع لمتابعة إرتفاع منسوب مياه النيل بالأقصر وإخطار واضعي اليد على جزر طرح النهر    عيار 21 بالمصنعية الآن.. سعر الذهب اليوم الأحد 5 أكتوبر 2025 في الصاغة بعد آخر ارتفاع    مباحثات مصرية - سعودية لتعزيز التعاون في مجالات أسواق المال    البورصة المصرية تربح 23.4 مليار جنيه في ختام تعاملات الأحد    إزالة 50 حالة تعدٍّ واسترداد 760 فدان أملاك دولة ضمن المرحلة الثالثة من الموجة ال27    تعليق مفاجئ من الجيش اللبناني بعد تسليم فضل شاكر لنفسه    وزير الخارجية الأمريكي: حماس وافقت من حيث المبدأ على ما سيحدث بعد الحرب    هل نحن أمة تستحق البقاء؟! (2)    زنزانة "موبوءة بالحشرات".. كيف تعاملت إسرائيل مع الناشطة جريتا ثونبرج بعد احتجازها؟    حماس: توسع الاستيطان الإسرائيلي بالضفة فصل عنصري لتهجير الفلسطينيين    بسبب "اللعب النظيف"، حدث استثنائي ينتظر منتخب مصر في مونديال الشباب    تعرضنا للظلم.. رضا شحاتة يهاجم حكم مباراة الأهلي وكهرباء الإسماعيلية    منتخب السعودية في اختبار صعب، هل ينجح الأخضر في تجاوز أزمة غياب اللاعبين المحليين؟    مبابي ينضم إلى معسكر منتخب فرنسا رغم الإصابة مع ريال مدريد    أشرف بن شرقي يتواجد في قائمة منتخب المغرب المحليين    الدوري الإنجليزي.. تعرف على تشكيل فريق أستون فيلا وبيرنلي    «بس ماترجعوش تزعلوا».. شوبير يعتذر ل عمرو زكي    محمد الغزاوي.. نموذج إداري هادئ يعود للمنافسة في انتخابات الأهلي المقبلة    فران يشعل النار في عمه بالمنوفية    ضبط تشكيل عصابي يضم أجانب بالمنوفية لتصنيع وتهريب مخدر الآيس    «اطلع على كراسات الطلاب وفتح حوارا عن البكالوريا».. وزير التعليم يفتتح منشآت تربوية جديدة في الإسكندرية (صور)    شهيد لقمة العيش.. وفاة شاب من كفر الشيخ إثر حادث سير بالكويت (صورة)    رسميا.. انطلاق إذاعة «دراما إف إم» غداً    مهرجان الإسكندرية السينمائي ينظم ندوة تكريمية للمخرج هاني لاشين    في ذكرى نصر أكتوبر.. افتتاح الدورة الأولى لمعرض الزمالك للكتاب غدا    عمرو سعد في ألمانيا استعدادا لفيلم جديد    سر إعلان أسرة عبد الحليم حافظ فرض رسوم على زيارة منزل الراحل    موعد أول يوم في شهر رمضان 2026... ترقب واسع والرؤية الشرعية هي الفيصل    طب أسيوط تجري المقابلات الشخصية للمتقدمين لدبلومة تقنيات الإخصاب المساعد    وزير الصحة: تم تدريب 21 ألف كادر طبي على مفاهيم سلامة المرضى    «حزن وإحباط وتغير في الشهية».. نصائح مهمة لتجنب اكتئاب فصل الخريف    القاهرة تعوّل على اجتماع الإثنين لتنفيذ خطة ترامب وإنهاء الحرب في غزة    مرسوم جديد من «الشرع» في سوريا يلغي عطلة حرب 6 أكتوبر من الإجازات الرسمية    هل قصّ الأظافر ينقض الوضوء؟.. أمين الفتوى يوضح الحكم الشرعي    الأوقاف تعقد 673 مجلسا فقهيا حول أحكام التعدي اللفظي والبدني والتحرش    اللجنة المصرية بغزة: المخيم التاسع لإيواء النازحين يعد الأكبر على مستوى القطاع    مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة الشرقية    سوريا تنتخب أول برلمان بعد بشار الأسد في تصويت غير مباشر    فاتن حمامة تهتم بالصورة وسعاد حسني بالتعبير.. سامح سليم يكشف سر النجمات أمام الكاميرا    ماجد الكدواني يحتفل بعرض «فيها إيه يعني» في السعودية    «السبكي» يلتقي رئيس مجلس أمناء مؤسسة «حماة الأرض» لبحث أوجه التعاون    جولة ميدانية لمحافظ أسوان لمتابعة جودة اللحوم.. وننشر أسعار اللحوم اليوم الأحد    تركت رسالة وانتحرت.. التصريح بدفن عروس أنهت حياتها بالفيوم    تاجيل طعن إبراهيم سعيد لجلسة 19 أكتوبر    الداخلية: ضبط آلاف القضايا في حملات أمنية مكبرة خلال 24 ساعة    رئيس مجلس الأعمال المصرى الكندى يلتقى بالوفد السودانى لبحث فرص الاستثمار    «تعليم القاهرة» تهنئ المعلمين في اليوم العالمى للمعلم    عودة إصدار مجلة القصر لكلية طب قصر العيني    اليوم.. محاكمة 5 متهمين في قضية «خلية النزهة الإرهابية» أمام جنايات أمن الدولة    السيسي يضع إكليل الزهور على قبري ناصر والسادات    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الأحد 5-10-2025 في بني سويف    أذكار النوم اليومية: كيف تحمي المسلم وتمنحه السكينة النفسية والجسدية    أبواب جديدة ستفتح لك.. حظ برج الدلو اليوم 5 أكتوبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثروت الخرباوي يكتب: كواليس وخفايا الإخوان المسلمين من الداخل .. الحلقة «2»
نشر في الدستور الأصلي يوم 28 - 07 - 2012

تُلحّ علىَّ أحيانا الرغبة فى الصمت.. اصمت، اكسر قلمك، إنك لن تصلِح الكون أبدا، سيجهل قومك مقصدك، سيمزقون صورتك، سيتهمونك فى وطنيتك أحيانا وفى عقيدتك أحيانا أخرى، كن كباقى أصحابك، امسك العصا من المنتصف، حاول أن ترضى الجميع، ما الذى ستربحه من كشف الحقيقة؟! هل تظن أن الحياة مثل الحدوتة التى نقصّها على الصغار؟! فى الحدوتة يدور الصراع بين الخير والشر، بين الحق والباطل، وفى النهاية ينتصر الخير وتعلو راية الحق، ولكن الدنيا غير ذلك، الخير لا ينتصر دائما وراية الباطل تعلو كثيرا، ولكن يهزنى «فعل أمر» يصدر من أعماقى، هو «اكتب، اكتب» الكتابة تسبق القراءة، ولولاها ما قال الله لنا «اقرأ»، يبدأ الإنسان طريق المعرفة بقراءة الكتب ثم يرتقى فيقرأ الناس ثم يرتقى فيقرأ الحياة ثم يرتقى فيقرأ الموت ، ولكى نقرأ يجب أن نكتب.

عدد من أعضاء الإخوان كانوا ضباط مباحث ويقدمون للجماعة خدمات كثيرة

بديع حثَّ قيادات الجماعة خلال وجوده فى السجن على الثناء على مبارك ليثبت للجميع أن «الإخوان» لا تعارض من أجل المعارضة
القاعة الكبرى فى المحكمة العسكرية بالهايكستب هى فى الأصل قاعة مسرح، كنا نعيش فى أجوائها وكأننا بالفعل على مسرح تجريبى، نشاهد مسرحية عبثية، يشترك فيها الممثلون والجمهور، يؤدى بعضهم دوره ارتجاليا، ويؤدى البعض الآخر دوره المرسوم له من المؤلف العبقرى الذى كاد ينافس شكسبير فى حبكاته الدرامية، تقع منصة القضاة على خشبة المسرح، وأمامهم ميكروفونات ليصل صوتهم بوضوح إلى كل الجمهور، يقف المحامون والشهود خلف منصة خاصة بهم أسفل خشبة المسرح، أمامهم هم أيضا ميكروفونات، قفص المحكمة كئيب متشابك الأسلاك بحيث يصعب عليك أن تتبين بوضوح وجوه الأشخاص الذين يقبعون خلفه، أما القاعة فتتسع لنحو ثلاثمئة شخص، وبجوار منصة المحامين منضدة مرتفعة وضعوا عليها جهاز تليفزيون كبيرا وجهاز فيديو، وبجوارهما يقف ضابط أمن الدولة عاطف الحسينى، كان العرض المسرحى الذى نشاهده ونشترك فيه هو تسجيل فيديو لمدخل عمارة، الصورة أمامنا جامدة ولكنها كانت تتحرك كل فترة بدخول أحدهم العمارة.

حين دخل الدكتور عمرو البلبيسى لم ينبس الضابط عاطف الحسينى ببنت شفه، تفحصت وجهه لحظتئذٍ فوجدته جامدا لا يشى بما بداخله، وفى نهايات عرض الشريط خرج عمرو البلبيسى من العمارة فلم يحرك عاطف الحسينى ساكنا أو يوقف شريطا، قطع صوت اللواء أحمد الأنور صمت القاعة قائلا: لم تُجب عن سؤالى يا عاطف بك، من هذا؟

رد عاطف الحسينى قائلا: لا أعرفه! فى الغالب هو أحد سكان العمارة ولا علاقة له بتنظيم الإخوان.

كنت أقف بجوار عاطف الحسينى حينما قام بإغلاق شريط الفيديو وصوت الحاجب يخترق آذاننا قائلا: محكمة، معلنا رفع الجلسة، رَبَتَ أحد المحامين على كتفى قائلا: الدكتور بديع يريد أن يتكلم معك.

ذهبت إلى القفص فوجدت عاطف عواد يتحدث مع الدكتور بديع ومختار نوح من خارج القفص، وقفت بجوار عاطف صامتا فسألنى الدكتور بديع: من هذا الذى سأل عنه رئيس المحكمة؟ هل هو واحد من الإخوان؟

قلت هامسا: نعم هو عمرو البلبيسى.

بديع: الحمد لله أن الضابط لم يتعرف عليه وإلا لكانوا قد قبضوا عليه هو الآخر، ربنا نجاه وأعمى بصرهم وبصيرتهم.

أنا: الحمد لله يا دكتور، ربنا ينجيكم.
بديع: على فكرة، إخوانك فى السجن يحبونك كلهم ويدعون لك بظهر الغيب، ويطلبون منك الأخذ بالأسباب، ولا تيأس إن لم تتحقق النتائج فما علينا إلا العمل.

أنا: طبعا طبعا يا دكتور، إحنا تلاميذك.

بديع: أنا من سجنى أساعدك قدر المستطاع، وقد أرسلت إلى إخوانك فى المكتب «مكتب الإرشاد» كى يكتبوا مقالة باسم الحاج مصطفى مشهور وينشروها فى جريدة «الشعب» عن زيارة الرئيس مبارك لبيروت ودعمه لها ولإميل لحود بعد الاعتداءات الإسرائيلية لها.

تدخَّل عاطف عواد قائلا: يا ريت تطلب منهم يا دكتور يكتبوها كويس ربنا يكرمك، أنا خايف يشتموا فى لبنان أو إميل لحود ويقولوا عليه شيعى أو دُرزى!

ابتسم الدكتور بديع وهو يقول: لا أنا طلبت منهم يمدحوا مبارك جدًّا، هذه فرصة لنا كى نثبت أننا لا نعارض من أجل المعارضة.

عاطف عواد: هوّ ده الكلام يا دكتور، ربنا يكرمك، ينبغى أن لا نكون عدميين، نحن نعارض الخطأ ونوافق على الصواب.

بعد انتهاء جلسة المحكمة جلست مع أحمد ربيع فى السيارة لمدة ساعة نتداول ما حدث بالجلسة، قلت له وأنا أختبر فراسته: أظن المسألة واضحة.

ضحك بخيبة أمل: للأسف آه.

استرسلت قائلا: هل يُعقل أن يكون عاطف الحسينى بجلالة قدر أهله لا يعرف مَن هو عمرو عبد الإله البلبيسى، عمرو العضو البارز بقسم المهنيين، عمرو الذى كتب توكيلا لحزب الوسط ثم سحبه؟!

قال أحمد وهو يبتسم ابتسامة ساخرة: أزيدك من الشعر بيتا، عمرو الذى استدعاه عاطف الحسينى أكثر من مرة للتحقيق معه فى أنشطة قسم النقابيين!

قلت: إذن هو من قام بالإبلاغ.

أحمد ربيع: قد لا يكون وحده، العصافير تغرد فى سماء الإخوان.

رددت قائلا: هل تشك فى آخرين؟

أحمد ربيع: هل تعرف أن الأخ إسماعيل بكير كان يعرف خبر اللقاء وكان من المفترض أن يذهب مع مختار نوح وخالد بدوى بسيارته إلا أنه اعتذر فى اللحظة الأخيرة مما جعلهما يستعينان بعم محمود سائق التاكسى المسكين الذى قبضت عليه مباحث أمن الدولة لأيام؟!

أنا: ولكن هذا ليس دليلا على شىء.

أحمد ربيع: نعم ولكن الاحتياط واجب، وخذ بالك أنت تعرف أن بعض أعضاء الإخوان كانوا ضباط مباحث سابقين وهم على صلة قوية بالأمن ويقدمون لقيادات الجماعة خدمات كثيرة من خلال علاقتهم بالقيادات الأمنية فى مصر.

أنا: اعقلها وتوكل.

ضحك أحمد ربيع قائلا: هل ستفعل كحسنى مبارك، مبارك قال مرة فى خطبة له «اعقلها وتوكل» وهو يشير إلى رأسه، وكأنه يظن أن اعقلها من إعمال العقل.

بادلته الضحك وأنا أقول: إذن اربطها وتوكل.

يسألنى صديقى دائما، ما الذى كسبته من محاولاتك التى بذلتها كى تصل إلى الحقيقة؟ أظنك خسرت كثيرا.، نعم يا صديقى، خسرت كثيرا، كى أكسب نفسى.

أعود إلى أوراقى التى دونت فيها مذكراتى كى آخذكم خطوة خطوة نحو كشف المستور، فالقصة لم تبدأ بعد، والحكاية ما زالت فى قلب الحاكى، تضع نفسها على الأوراق على مهل وتؤدة، وها أنا ذا أقرأ قصة «إيكاروس» الذى رام الوصول إلى الحقيقة فأخذ ينشد أهازيجه مترنما:

من رام نبع النور حاك نسيجه

حبلا إلى آفاقه ثم ارتقى

فتسلقوا صوب السماء وشمسها

فلرُبّ طين ٍ قد سما فتسلقا

ظنى أن كل من يحاول الوصول إلى الحقيقة هو «إيكاروس» الجديد، فخلف كل تجربة إنسانية ثرية «إيكاروس» الذى لن يموت ما بقيت الحياة.

الجماعة محضن كالأم، ولكنها يجب أن تتصرف كأم راشدة، الأم الطيبة صاحبة الأمومة الخالصة لا تحرم الوطن من أبنائها، ولا تسيطر على قراراتهم، الإخوان أحوج ما يكونون إلى الوطن، يحتاجون إلى الوقوف على أرضية الوطن لا على أرضية الجماعة، هم فى أشد الحاجة إلى حضن الوطن لا حضن الجماعة، فإذا تنكّبوا سبيل الوطنية فيجب أن نأخذ على أيديهم ليعودوا إلى الصف الوطنى، هكذا حدثتنى روحى، وهكذا تحدثت أنا مع محمد منيب، من محمد منيب؟ إذن اسمعوا قصته وقصتى، تلك القصة التى أماطت اللثام عن جزء من أسرار جماعة الإخوان المخفية، أو قل أماطت اللثام فى المقام الأول عن نفسية من يعيش عمره أسيرا «تحت التوقيف» فى جماعة الإخوان، أو بالأحرى فى جماعة سرية لا تعرف كيف تمارس الاختلاف فى الرأى بل وتعتبره ذنبا كبيرا، الجماعة السرية هى جماعة «إلغاء العقول».

محمد منيب المحامى، نقابى شهير، شغل بعد هذه القصة عضوية مجلس نقابة المحامين متحالفا مع جماعة الإخوان المسلمين، ثم شغل عضوية مجلس الشعب متحالفا أيضا مع جماعة الإخوان، انخرط منيب فى الأنشطة السياسية الناصرية وكان متهما فى إحدى القضايا التى حوكم فيها الناصريون فى أوائل الثمانينيات، وبعد خروجه من المعتقل أسهم فى تأسيس حزب الكرامة وأصبح أحد رموزه، وقد ربطتنى به صلة صداقة واحترام متبادَل، فهو رجل مثقف دمث الخلق، يجيد عرض فكرته ويقاتل من أجلها، ولعلكم ستعجبون حين أقول لكم إن محمد منيب كان هو مفتاح البداية.

بعد فترة المخاض التى انتهت بخروجى من الجماعة عام 2002 والتى اعتبرتُها شهادة ميلاد جديدة لى، حرصت على مقابلة معظم رموز الحركة الوطنية فى مصر، والحديث معهم وإنصات السمع لهم، فالذى أُصيب بالصمم الجزئى بحيث أصبح لا يسمع إلا من اتجاه واحد، يتوق شوقا إلى كل الأصوات من كل الاتجاهات إذا ما انفتحت أذناه على الدنيا، وحين جمعتنى الأقدار بالأستاذ محمد منيب دار بيننا حوار طويل عن التجربة الناصرية والتجربة الإخوانية.

قلت لمنيب: منذ فترة ليست بالقصيرة وأنا أعيش حالة مراجعة فكرية عن الإخوان والحركة الإسلامية وأولوياتها وفهمها، وأظن أننى وصلت من خلال هذه المراجعات والقراءات المتنوعة إلى مرحلة متقدمة، أجدنى الآن أقف على أرض غير أرض الإخوان.

رد منيب مندهشا: مَرْحَى يا صديقى، نحن كذلك فى «الكرامة» فعلنا مثلما تفعل ولعلك تابعت تصريحات حمدين صباحى عن رؤيته للتجربة الناصرية ونقده ما يتعلق بسلبيات الفترة الناصرية فى ما يتعلق بالحريات.

قلت: أنا الآن أكتب بعض أفكار عن الأفكار التى اختلفتُ معها، أدوِّنها لنفسى.

منيب: ولماذا لا تنشرها؟ أنا أيضا شرعت فى كتابة أفكار عن التجربة الناصرية ما لها وما عليها.

قلت: والله شىء طيب، أنا مستعد للنشر، فمثل هذه الدراسات النقدية يجب أن تخرج للناس، ويكون من الأفضل أن ننشر معا، ليتك تكتب مقالات عن نقدك للتجربة الناصرية، وأظن أن هناك الكثير من الصحف التى سترحب بالنشر لنا.

منيب: سأكتب، تقترح فى أى مكان ننشر.

قلت: أنا متواصل مع كثير من الصحف، وأستطيع الاتفاق مع جريدة «صوت الأمة» على هذا.

منيب: فليكن، اكتب ثم سأكتب أنا بعدك.

عكفت عدة أيام على الكتابة حتى أخرجت ثلاث مقالات، وبعد أن كتبت ذهبت بالمقالات إلى صديقين إخوانيين من أحبابى المقربين من منطقة الزيتون، الأول هو أحد الإخوان الكبار واسمه «محمد البدراوى» وهو أخ له تاريخ كبير فى الجماعة إلا أنه كان يحمل فى نفسه العديد من الانتقادات لتنظيم الإخوان فى عهده الجديد بعد أن وقع فى قبضة القطبيين، والأخ الثانى هو أحد شيوخ الإخوان من أصحاب التأثير الكبير على عامة الناس واسمه الشيخ «جابر حمدى» وكان أيضا كثير النقد للجماعة ولكنه لم يصدح بنقده أمام الناس، إذ كان يكتفى بالحديث معنا عن الهُوَّة السحيقة التى وقعت فيها الجماعة، وأزعم أننى تعلمت الكثير من هذين الأخين وما زلت مدينا بالفضل لهما، وإن كانت الأيام والأحداث قد باعدت بينى وبين الشيخ جابر حمدى، كان الأخان، ولا يزالان، من أصحاب الحظوة فى نفسى، ولعلنى أفسح لبعض الأسرار الشخصية أن تتحدث عن أحد هذين الأخين وهو الشيخ جابر، حيث كتب الله لى الحج عام 2000 وكنت فى رحلة الحج هذه مع فوج لا أعرف فيه أىَّ حاج، وفى مِنى دعوت الله من قلبى صادقا أن يجمعنى لحظة الدعاء بشخص أحبه. ثق أنك فى الحج مستجاب الدعوة، فقد كنت أظن أننى أطير ولا أمشى على قدمين من فرط الحالة الوجدانية النورانية التى احتوتنى، وسبحان الله، لم أكمل الدعاء حتى رأيت أمامى الشيخ جابر، وكانت مفاجأة لى، إذ لم أكن أعرف أنه يحج هذا العام!

شغلتُكم كثيرا بالكلام عن بعض جواهر أسرارى، ولكن حديثى هنا له مغزى، وحكايتى لها دلالة، فحينما عرضت على الصديقين أصحاب الفضل علىَّ المقالات التى كتبتها عن خواطرى النقدية للإخوان، رحَّبا بها كثيرا وناقشانى فى بعض معانيها، وأضاف إلىَّ الشيخ جابر بعض أفكارها، وفى نفس الجلسة عرض الأخ محمد البدراوى أن يفتح لى مجالا فى قناة «الجزيرة» وقتها كانت الوحيدة للمشاركة فى برنامج عن الإخوان ورأْى بعض المنفصلين والمفصولين فيها وفى منهجها الفكرى الأخير.

والآن بعد أن مرّ على هذا اللقاء عشر سنوات كاملة، تسكن قلبى الطمأنينة وأنا أتذكر تأثير كلامهما الطيب على نفسى وعقلى: نحن لا نبتغى النقد للنقد، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، كان فى قلبى قبل هذا اللقاء بعض الشذرات التى تجرح ضميرى، كيف أنتقدهم؟! أليست هذه خيانة للعيش والملح؟! من أجل «عضم التربة» الذى جمعنا لا تجعل كلماتك تفرقنا.. بلا جدال كنت أشعر بالحرج من أننى سأتعرض للجماعة بالنقد العلنى، ولكن هبطت كلماتهما على فؤادى فهدهدت شكوكى، تأصيلهما الفقهى للنقد العلنى للجماعة سكن فى ضميرى وأراح فؤادى، قلت لهما قبل أن أنصرف: أنا لا أملك إلا كلمتى سأقولها، والأجر والثواب على الله.

كان صديقى الصحفى الكبير أسامة سلامة رئيس تحرير مجلة «روزاليوسف» وقتها قد قدمنى للأستاذ عادل حمودة فى أثناء قضية النقابيين، والحق أن الأستاذ عادل حمودة رغم خصومته الفكرية مع الإخوان فإنه فتح صحيفة «صوت الأمة» للدفاع عن الدكتور محمد بديع ومختار نوح وإخوانهما المحبوسين، كنت أنا بطبيعة الحال مصدر كل الأخبار التى تم نشرها فى الصحيفة دفاعا عن الإخوان، بل إنه فى أحد الأعداد نشر الأستاذ حمودة رسالة من الإخوان المحبوسين موجهة إلى الأستاذ رجائى عطية وجعلها العنوان الرئيسى للصفحة الأولى للجريدة، وكانت الرسالة مقصودة فى ذاتها لكى يصل صوت المحبوسين للرأى العام، قال لى الأستاذ عادل: أنا أختلف مع الإخوان جدا ولكننى مع حقهم فى الحرية.
عندما أخبرت الأستاذ حمودة بأن لدىَّ سلسلة مقالات عن الإخوان وهى بمثابة دراسة نقدية لهم، رحب بنشرها جميعا، كانت افتتاحية المقالة الأولى مشكلة، إذ انتقدتُ فيها المستشار مأمون الهضيبى، وقلت إنه قال فى مناظرته بمعرض الكتاب فى أوائل التسعينيات فى مواجهة فرج فودة «إن الإخوان يتعبّدون لله بأعمال النظام الخاص قبل الثورة»، وإن كلماته هذه كانت جارحة لمدنيتى وسلميتى، أنتعبد لله بالاغتيالات والتفجيرات؟!! أىُّ إسلام هذا؟! وما الذى دعا المستشار الذى يحترم القانون إلى أن يقول قولا لا يحترم القانون؟!

نُشرت المقالة فى جريدة «صوت الأمة»، وكانت بمثابة مفاجأة لكثيرين، أذكر أن المقالة الأولى أثارت حالة من الجدل، ولو عدنا إلى هذه المقالات لوجدتنى أستشرف فيها مستقبل الجماعة وأكتب أدواءها.

رنّ هاتفى المحمول مساء اليوم التالى لنشر المقال وكان الذى يهاتفنى هو الصديق الصحفى عبد الحفيظ سعد الذى كان يعمل وقتها فى «صوت الأمة».

قال لى عبد الحفيظ: المقال عامل ردود فعل كبيرة يا أبو يحيى، وهناك من أرسل إلينا ردًّا على مقالك.

استفسرت قائلا: مَن الذى أرسل؟

عبد الحفيظ: الأستاذ محمد البدراوى والشيخ جابر حمدى.

قلت: تقصد أنهما أرسلا يؤيدان نقدى أو يختلفان مع بعضه؟

عبد الحفيظ: لا، يردان عليك، يقولان كلاما سيئا فى حقك، سأحضر لك ردهما لأن الأستاذ عادل يريد أن ترد أنت عليهما، ستصاب «بالاستبحس» والذهول يا صديقى عندما تقرأ ردهما.

لم يتلقَّ عبد الحفيظ ردًّا منى فقد كان الصمت حينئذ أبلغ من الكلام.

الحلقة الثالثة الإثنين القادم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.