هل الاجتهاد إثم؟ أم أنه فعلٌ يحتاج إلى التستر، وليس إلى الإعلان؟ وهل إعمال العقل، الذى ينشر فى الضوء لا بد أن يكون مصيره العتمة باعتبار أن الاجتهاد والتفكير ليس له أى أجر، بل يجب أن نبقى فى الغرف المظلمة، وجزاؤه السجن أو القتل؟ وهل كلما كنتَ أسيراً فى التبعية، تردد دون فهم ما قُرر لك من حفظ، فأنت فى محمية يتقاسمها الجميع، أما إذا قررت استعمال ما منحك الله من عقل وتدبر ووعى، فأنت كافر أو مرتد أو مجنون، وجب عليك النفى أو القتل أو السجن؟ إذا اجتهدت أو نقلت عمن اجتهد قبلك بقرون، فأنت خارج على نص المجموع، الذى سلب عقله أو رفض هذه الهدية، فلم يقترب منها وفضل إزاحة عقله وبقاء الوعى على ما هو عليه من اللاوعى وكأننا أسرى للضعف والارتباك والخوف ولا نريد إعمال العقل، بل ولا نريد العلم ولا نبحث عن المعرفة ونكتفى بما قرر لنا من معرفة وكأن ما عداها بشاعة لا ينبغى أن نهتم بها، فنصنع أبواباً عتيقة لاعتقال العقل ونمضى فى الحياة نتواصى بالصبر وبالجهل ونبقى خلف الأبواب الموصدة بهشاشة فكر وفتات معرفة وبالتالى نخشى من الاهتزاز. مَن يؤثر السلامة هو عدو ما يجهله، وبالتالى فهو فاقد لأسلحة المقاومة أو لا يمتلك المقدرة والقوة التى تقف به على أرض صلبة وكأن طرق المعرفة تضمر لك الإحساس بالذنب أو بفعل الخطيئة. الضعفاء فقط هم من يرون فى المعرفة والاجتهاد رغبات محرمة، وكأن الاجتهاد نزوة أو فعل زنا. الضعفاء فقط من يمتلكون مرضاً مزمناً يسمى الخوف، ويرفضون الاختلاف مع ادعاء الاحترام، ولكنه احترام على حسب الأهواء والاتفاق والضعفاء هم من يعتقدون أنهم حراس العقيدة على الأرض، أو أن الله والإسلام نذرهم واختصهم وحدهم بالفكر والاجتهاد وجعلهم المرجعية الوحيدة، وأن قبولهم باختلاف الأفكار نقض لوضوئهم الدائم. العقول والنفوس الضعيفة هى من تملأ الكون صخباً، ولكنها مبعثرة وهشة، ولو امتلكت الرسوخ ما توقفت عن اجتهاد يرونه مختلفاً أو متخلفاً أو فاسداً أو فاسقاً. بعض الناس يفضلون طريقة «شارلوك هولمز» فى التفتيش عن النوايا الإجرامية لكل من يقترب من ساحة الاجتهاد فى الأفكار الدينية والبحث عن الثوابت التاريخية فى التراث، الخالى فى أغلبه من هذه الثوابت، وكأن هدف هؤلاء ممن يفتشون عن النوايا الإجرامية مع كل من اختلف وبحث واجتهد فيمن سبقوه، هدفهم أن تبقى المعرفة محظورة ومؤثمة علينا، وكأن قدرنا أن يبقى فى الصدارة من يعلقون الدين على حوائط وهدفهم أن يراهم الآخرون ولا يعلقون الدين فى قلوبهم. وفى حرب الأفكار الدينية لا يهم من يقتل ومن يسقط، المهم أن نصنع خبراً فى الإعلام أو نصنع بطولة مزيفة تشهد على حال البؤس المعرفى والارتباك المجتمعى، الذى يطلق النار على كل باحث أو مجتهد لم يختر كلماته بعناية، فكان نصيبه توجيه ضربات قاتلة. مَن الذى دفع بإسلام بحيرى إلى المحاكمة، ثم السجن ولمن يثأر؟ ورغم أن أسلوب إسلام ومفرداته وأداءه أفقده المعنى الأكبر وراء بحثه واجتهاده ونواياه السليمة فى الوعى والمعرفة. قد نختلف مع إسلام بحيرى فيما يقوله، وقد نختلف على أدائه الذى ابتعد عن رصانة العلماء، ولكن هذا الاختلاف لا يعنى القبول بعودة قضايا الحسبة المهنية والزج به فى السجن لمجرد أنك رافض لما تتصور أنها أفكاره وهى أفكار مجتهدين عظماء اجتهد فى البحث عنها وتأملها وعرضها لوجه العلم والمعرفة، أصاب أو أخطأ، له صوابه، وليس علينا خطؤه، ولكن البعض الذى يتخذ من الدين باباً للرزق يرتعد ويرتجف ولا يكتفى بذلك، بل لا يجد طريقاً للرد عليه سوى الإجهاز عليه سجناً، والعدوان عليه قيداً وامتهان كرامته وحريته وحقه فى البحث والاجتهاد. كيف لنا أن ننتمى إلى الإسلام ونحن نستمتع بإيقاع الموت والاغتيال المعنوى لكل من يختلف فكره عنا.. ما نفع العقل الذى يزيده العلم أو الاجتهاد بؤساً؟ ما نفع المعرفة إذا كان البعض يعتبرها خطيئة، وهل ينفع الضعفاء الإسلام.. وكأن خطيئة البحيرى أنه كان الأول على طريق محاربة الإرهاب وتجديد الفكر الدينى، وسبق الأزهر والدولة إلى ذلك، وكأننا نتهمه بازدراء الفكر الداعشى.