يبدو أن هناك من يصرون على جعل 25 يناير يوماً للنكد والرعب لدى المصريين، عموم المصريين، حيث تبدأ الدعوات والتهديدات منذ نوفمبر بالنزول إلى الميدان وهدم كل شىء، تغريدة هنا وأخرى هناك، من الداخل ومن الخارج، وتبرز أسماء بات قطاع كبير من المصريين يتشاءمون من مجرد ظهورهم، وتبدأ المخاوف تساور الكثير من المصريين، وتحدث حالة من الاحترام النفسى، ثم يمر اليوم عادياً فى أغلب الأحوال. ويجب ألا ننسى، فى 25 يناير 2011 كانت الدعوة لخروج سلمى ومطلب محدد، هو إلغاء حالة الطوارئ وإقالة وزير الداخلية، ثم تطورت الأمور على أنحاء متعددة ولأسباب كثيرة، منها تباطؤ النظام -آنذاك- فى التعامل السياسى الرصين والمتفهم مع ما يجرى فى الشارع، وحدثت تدخلات من عناصر خارجية، جاءت إلى مصر، عبر أنفاق سيناء، بالتعاون مع تنظيم الجماعة الإرهابية هنا، فضلاً عن عناصر من البلطجية، فحدث ما حدث يوم 28 يناير، وتطورت الأمور حتى أعلن نائب رئيس الجمهورية اللواء عمر سليمان مساء يوم 11 فبراير بيان «تخلى رئيس الجمهورية عن منصبه الرئاسى»، كان فى الثورة مشاهد براقة إنسانياً ووطنياً، يجب أن نبقى معتزين بها، مثل التلاحم بين الشباب والفتيات بلا أى تجاوز أخلاقى، والتلاحم بين المسلمين والأقباط بلا أى حساسية دينية أو طائفية، ولكن كانت هناك مشاهد سلبية مثل الإحراق والتدمير، وراحت هذه المشاهد تكشف عن الكثير من الخبايا، مما جعل الكثيرين يعيدون النظر فى الثورة برمتها ويتخذون موقفاً مضاداً أو قلقاً منها. وغاب المعنى الحقيقى ليوم 25 يناير، وهو التخلص من الاستبداد وفتح الأفق السياسى والإنسانى أمام جموع المصريين، باختصار 25 يناير هو تعبير عن حلم سياسى وإنسانى نبيل فى الانعتاق من الاستبداد، وتحقيق الحرية والكرامة ونيل العدالة والخروج من التبعية حرصاً على السيادة الوطنية، لكن تم تسطيح معنى 25 يناير وتخويف المصريين به، وصار اليوم لدى كثير من المصريين مرادفاً لإحراق أقسام الشرطة واقتحام السجون وإطلاق المجرمين فى الشوارع وقطع التليفونات والإنترنت. الذين يطلقون فكرة النزول إلى الميدان سنوياً يوم 25 يناير يطلقون دعوتهم من باب التهديد والوعيد والترهيب أو من باب التذكير بالوجود على طريقة «نحن هنا»، وليس من باب التذكير بالحلم أو السعى لاستكمال تحقيق الحلم، وهذا ما يستفز الكثيرين ويثير مخاوفهم، وتصور بعضهم أن بإمكانه تحريك جماهير الشعب بزر يضغطه أو عبر تغريدة يطلقها. ويعلمنا التاريخ أن الثورات لا تستنسخ، ومن يتصورون أن 25 يناير يمكن استنساخها حرفياً، واهمون، فى مايو 1805 قامت الثورة الكبرى فى القاهرة، حيث احتشد حوالى 45 ألف مواطن حول القلعة، مقر الحكم، وهم يصيحون «انزل يا باشا»، يقصدون الوالى العثمانى، وظلوا على هذا الحال 40 يوماً، ودارت نقاشات واسعة بين عمر مكرم والوالى، فحواها أن الوالى اعتبر نفسه معيناً بفرمان من مولانا السلطان، خليفة الإسلام والمسلمين، ومن ثم يجب ألا يُعزل من الأهالى، وكان رد عمر مكرم أن الأهالى من حقهم أن يعزلوا السلطان نفسه، وانتهى الأمر بأن نزل الباشا وغادر مصر، كما جاءها، واختار المصريون محمد على والياً عليهم فى نفس السنة، والذى حدث أنه بعد عامين تصور المماليك أن بإمكانهم استنساخ ثورة مايو 1805، وراحوا يدعون للخروج ضد محمد على وإسقاطه، وكان أن تآمروا مع الإنجليز واستدعوهم لمساندتهم ضد محمد على -كما حاول الإخوان أن يفعلوا بعد ثورة 30 يونيو- وجاءت حملة فريزر، وفشلت فشلاً ذريعاً، وكان ذلك درساً عظيماً لمن يريد أن يعى، وهو أن الثورة لا تستنسخ ولا يمكن أن تصدر منها طبعة كربونية. فى مصر أيضاً قامت ثورة 1919 وهى ثورة شعبية عظيمة، بانت فيها زعامة سعد زغلول وصلابة الشعب المصرى الذى واجه بريطانيا العظمى، وكانت خارجة تواً من الحرب العالمية الأولى منتصرة وقوية عسكرياً واقتصادياً، ومع ذلك ففى سنة 1924، وقع حادث اغتيال السردار البريطانى السير «لى ستاك» وترتب على ذلك عزل سعد زغلول واتخاذ إجراءات استثنائية، تصور وقتها بعض أقطاب الوفد، من رموز ثورة 1919، أن الثورة يمكن استنساخها وأن الشعب المصرى يمكن أن يخرج بالآلاف فى القرى والنجوع احتجاجاً على ما جرى للزعيم الجليل، ولكن لم يحدث، وفى عام 1935 نضجت الظروف السياسية والوطنية لمصر، من تعنت الإنجليز مع مصر والمصريين، وكان الأمر يقتضى قيام ثورة، ولم تقم، قامت مظاهرات كبرى أدت إلى توقيع معاهدة 1936، وهى ما باتت تعرف تاريخياً باسم انتفاضة 1935، التى اختلفت كثيراً عن ثورة 1919 فى مداها ومضمونها. وبعد ثورة 23 يوليو 1952 تصور البعض أن تنظيم الضباط الأحرار يمكن استنساخه، وشكل هؤلاء عدة تنظيمات تصور من أسسوا لها أن كلاً منهم يمكنه تكرار تجربة تنظيم اللواء محمد نجيب والبكباشى أركان حرب جمال عبدالناصر، وآلت جميعها إلى الفشل على النحو المعروف للدارسين وللمؤرخين، الشىء نفسه يمكن أن نقوله عن الثورة البلشفية فى روسيا سنة 1917، والتفاصيل معروفة لمن درسوا هذا الملف وتابعوه، وفى إيران قامت ثورة 1979 بقيادة آية الله خمينى، وكانت شرائط الكاسيت وسيلة خمينى وهو فى باريس للتواصل مع الإيرانيين والتحريض على الشاه محمد رضا بهلوى، وتصور بعد ذلك بعض المراهقين سياسياً أن التجربة يمكن استنساخها مرة أخرى فى إيران وفى غيرها، بعض رموز الإخوان فعلوا ذلك فى مصر، ولم تنجح محاولة الاستنساخ، ولماذا نذهب بعيداً فى التاريخ وفى الجغرافيا، فلنتأمل اللحظة الحاضرة، ثورة 30 يونيو هى استكمال لثورة 25 يناير المجيدة ومحاولة لاستردادها، ومع ذلك لم تكن 30 يونيو استنساخاً من 25 يناير، واختلفت فى شخصياتها ورموزها ومسارها. وبدأت 25 يناير بإقبال جماهيرى محدود، ثم راح الإقبال يتزايد يوماً بعد يوم، خاصة منذ مساء 28 يناير حين بدا عجز مبارك ومن حوله عن الإمساك بدفة الأمور، وظلت الجماهير تندفع نحو الميادين، حتى كانت الذروة يوم 11 فبراير بعد صلاة الجمعة، أما فى 30 يونيو فكانت الجماهير حاضرة بكثافة عددية مبهرة، بدرجة غير مسبوقة فى التاريخ الإنسانى، ومن اللحظة الأولى، ولا أود أن أسترسل فى المقارنة بين اللحظتين، رغم أن كلاً منهما تكمل الأخرى، باختصار الثورات لا تستنسخ، 25 يناير حادث عظيم فى التاريخ المصرى، يجب أن نحفظ له مهابته ومكانته ولا نبتذله ونحوله إلى مجرد فزاعة أو يوم لتفريغ الإحن والتهديد والوعيد، محاولة استنساخ الثورة يعنى النكوص بالواقع إلى ما قبل الثورة، وفى حالتنا يعنى العودة إلى يوم 24 يناير 2011، وهذا مستحيل تماماً، فضلاً عن أنه يجافى الواقع والمنطق، هى محاولة ضد التاريخ، وإن كانت الثورات لا تستنسخ فإنها لا تموت، بل تبقى حية ويجرى استكمال مسارها وتحقيق أهدافها، وإن كانت ذروة الثورة هى النزول إلى الميدان فى 25 يناير و30 يونيو، فإن استكمالها يقتضى العمل الجاد والحرص على مؤسسات الدولة وليس السعى -بوعى أو دون وعى- إلى تقويضها وهدمها، إنجاز الانتخابات البرلمانية ومن قبلها الانتخابات الرئاسية، يعنى أن الثورة تنطلق إلى الأمام، وازدواج قناة السويس وتنفيذ محور تنمية القناة هو خطوة نحو بناء اقتصاد وطن قوى، يعنى أن الثورة مستمرة وقائمة.