رفعت فياض يكشف حقيقة عودة التعليم المفتوح    رابط وخطوات التقديم على 1450 فرصة عمل بمشروع الضبعة النووي    تعاون بين "الاتصالات" و"التضامن" لتدريب وتأهيل ذوى الاضطرابات العصبية المتنوعة    على هامش زيارته بريطانيا.. "الوزير" يعقد اجتماعات مع لبحث وتدعيم التعاون في مجالي الصناعة والنقل    القاهرة الإخبارية تبرز تفاصيل زيارة الوفد الأوروبي لشمال سيناء: اطلع على آلية إدخال مساعدات غزة    حزب الله يتوعد إسرائيل: اغتيال الطبطبائي لن يهزّنا.. وسنرد في الوقت المناسب    علي ناصر محمد: أول منصب تقلدته كان محافظًا للجزر لتثبيت حق الجنوب في باب المندب    مجموعة بيراميدز.. ريمونتادا مثيرة تمنح نهضة بركان الصدارة    أرسنال وتشيلسي.. اختبار الهيبة في ديربي لا يقبل الخطأ    ضمن جولته بالاقصر| وزير الرياضة يتفقد تطوير مركز شباب الاتحاد    ستوديو مصر سليم والحريق اقتصر على ديكور مسلسل الكنج دون خسائر بشرية    صور | مصرع وإصابة 3 في حادث مروري بقنا    3 مدن أقل من 10 درجات.. انخفاض كبير في درجات الحرارة غدا السبت    ختام فعاليات مهرجان تونس للخزف والحرف اليدوية في دورته ال12 بالفيوم    مايان السيد تكشف عن موقف مؤثر لن تنساه في «ولنا في الخيال حب»    فايا يونان وعبير نعمة تضيئان مهرجان صدى الأهرامات | صور    غدا، الحكم علي التيك توكر محمد عبد العاطي في قضية الفيديوهات الخادشة    غدا، الحكم في 187 طعنا على انتخابات النواب 2025    علي ناصر محمد: مصر كانت الدولة الوحيدة الداعمة لجمهورية اليمن الديمقراطية    المفتى السابق: الشرع أحاط الطلاق بضوابط دقيقة لحماية الأسرة    يسري جبر يروي القصة الكاملة لبراءة السيدة عائشة من حادثة الإفك    القاهرة الإخبارية: عائلات سورية غادرت بلدة بيت جن بعد الهجمات الإسرائيلية    أكاديمية الشرطة تستقبل عدد من طلبة وطالبات المرحلة الثانوية    كيف تحولت أركان مدرسة دولية إلى مصيدة للأطفال مع ممرات بلا كاميرات    جامعة القاهرة تُكرّم نقيب الإعلاميين تقديرا لدوره البارز فى دعم شباب الجامعات    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية بإندونيسيا إلى 174 قتيلًا    فحص 20 مليون و168 ألف شخص ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    المفوضة الأوروبية لإدارة الأزمات تتفقد مخازن المساعدات اللوجستية في العريش    انعقاد 8 لجان وزارية وعليا بين مصر والجزائر والأردن ولبنان وتونس وسويسرا والعراق وأذربيجان والمجر    بعثة بيراميدز تساند المصري أمام زيسكو يونايتد    بمشاركة 23 فنانًا مصريا.. افتتاح معرض "لوحة في كل بيت" بأتيليه جدة الأحد    خلال لقاء ودي بالنمسا.. البابا تواضروس يدعو رئيس أساقفة فيينا للكنيسة الكاثوليكية لزيارة مصر    بيلاي: صرخة العدالة تتصاعد.. والعدالة الرقمية تبرز مع اتساع فجوة عدم المساواة    عمر جابر: مواجهة كايزرتشيفز تختلف عن ستيلينبوش    بياناتك بين يديه.. القبض على أخطر محتال للبطاقات في المنيا    ضبط 3618 قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    لتغيبهما عن العمل.. إحالة طبيبين للشؤون القانونية بقنا    عاطف الشيتاني: مبادرة فحص المقبلين على الزواج ضرورة لحماية الأجيال القادمة    حكايات شادية من الأرشيف فى ذكرى رحيلها.. بامية وأغانٍ ومسرح    في الجمعة المباركة.. تعرف على الأدعية المستحبة وساعات الاستجابة    فضل سورة الكهف.. لا تتركها يوم الجمعة وستنعم ب3 بركات لا توصف    محافظة الجيزة تعلن غلق كلى ل شارع الهرم لمدة 3 أشهر لهذا السبب    تحقيق عاجل بعد انتشار فيديو استغاثة معلمة داخل فصل بمدرسة عبد السلام المحجوب    اسعار الاسمنت اليوم الجمعه 28 نوفمبر 2025 فى المنيا    مشاركة مصرية بارزة في أعمال مؤتمر جودة الرعاية الصحية بالأردن    جدول مباريات اليوم الجمعة 28 نوفمبر 2025 والقنوات الناقلة    استعدادات مكثفة في مساجد المنيا لاستقبال المصلين لصلاة الجمعة اليوم 28نوفمبر 2025 فى المنيا    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الأردني تطورات الأوضاع في غزة    «الصحة» تعلن تقديم خدمات مبادرة الكشف المبكر عن الأورام السرطانية ل15 مليون مواطن    رئيس كوريا الجنوبية يعزي في ضحايا حريق المجمع السكني في هونج كونج    الزراعة تصدر أكثر من 800 ترخيص تشغيل لأنشطة الإنتاج الحيواني والداجني    صديقة الإعلامية هبة الزياد: الراحلة كانت مثقفة وحافظة لكتاب الله    صلاة الجنازة على 4 من أبناء الفيوم ضحايا حادث مروري بالسعودية قبل نقلهم إلى مصر    45 دقيقة تأخير على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 28 نوفمبر 2025    رمضان صبحي بين اتهامات المنشطات والتزوير.. وبيراميدز يعلن دعمه للاعب    رئيس شعبة الدواجن: سعر الكيلو في المزرعة بلغ 57 جنيهاً    أبوريدة: بيراميدز ليس له ذنب في غياب لاعبيه عن كأس العرب    أحمد السعدني: دمعت من أحداث "ولنا في الخيال حب".. وشخصيتي في الفيلم تشبهني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.




نشر في الوطن يوم 16 - 12 - 2015

ارتكب السلطان التركى رجب طيب أردوغان حماقة ثانية استهدفت العراق هذه المرة بإرساله قوة عسكرية تساندها الأسلحة الثقيلة، رابطت فى معسكر بعشيقة قريباً من مدينة الموصل التى لا تزال تحتلها داعش، قبل أن يتمكن من إزالة آثار إسقاط الطائرة الروسية سوخوى أو ينجح فى تهدئة عاصفة الغضب الروسية التى أنزلت به عقاباً قاسياً، قلص حجم تجارة تركيا مع روسيا الذى تجاوز 30 مليار دولار فى العام، وحرم تركيا من عائدات سياحة أكثر من 3 ملايين روسى كانوا يزورون تركيا، ودفع الرئيس بوتين لأن يعيد النظر فى مشروع مد أنبوب تصدير الغاز الروسى إلى أوروبا عبر الأراضى التركية، فضلاً عن الاحترازات العسكرية التى مكّنت روسيا من نشر صواريخ إس 400 على مسافة أميال محدودة من الحدود التركية، وتسليح الطائرات الروسية التى تعمل فى المجال الجوى السورى بصواريخ ذكية تمكنها من الدفاع عن نفسها!
ولا يبدو واضحاً لماذا ارتكب أردوغان هذه الحماقة الجديدة قبل أن يتمكن من تصفية خلافه مع موسكو التى تصر على استمرار عقابه، لكن يبدو أن الحافز الأساسى على ارتكاب هذه الحماقة الجديدة رغبة أردوغان فى تعويض الإهانة التى لحقت به من جرّاء حادث إسقاط الطائرة الروسية، والهرب إلى الأمام بتعزيز وجوده العسكرى قريباً من مدينة الموصل ثانى مدن العراق، ليجد نفسه فى مواجهة جديدة مع حكومة بغداد، وخلاف عميق يكاد يصل إلى حد الصدام مع إيران التى تعتبر الخطوة التركية عدواناً على مجالها الحيوى فى العراق.
ولأن العراق فى ظروفه الراهنة التى تجعله مشغولاً بالحرب على داعش لا يملك الرد العسكرى على عمل أردوغان الاستفزازى الذى يهدر سيادة العراق ويتعارض مع أحكام القانون الدولى، لجأ رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى إلى الأمم المتحدة، يطلب عقد جلسة خاصة لمجلس الأمن للنظر فى العدوان التركى، واستصدار قرار تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة بسحب القوات التركية فوراً، بينما يشتعل غضب العراقيين الذين يرون فى اجتراء القوات التركية على غزو بلادهم إشارة جديدة إلى أن مخطط تقسيم العراق إلى دويلات ثلاث لا يزال يعمل! ويتسع لأطماع تركيا القديمة فى اقتطاع مدينتى كركوك والموصل الغنيتين بالبترول والسيطرة عليهما، بدعوى أنهما كانتا تحت السيادة التركية قبل أن يتنازل عنهما مصطفى كمال أتاتورك إلى العراق، وتعلن قوات الحشد الشعبى التى تضم كل ميليشيات الشيعة فى العراق (400 ألف مقاتل) اعتبار القوات التركية قوات غزو وعدوان يتحتم العمل على طردها، بعد أن أعلن آية الله السيستانى، المرجعية الأعلى لشيعة العراق، غضبه من العدوان التركى، مطالباً حكومة بغداد فى خطاب علنى تُلى فى النجف الأشرف بتحمل مسئولية حماية سيادة العراق وعدم السماح لأى طرف بالعدوان عليها. رفضت حكومة العراق ادعاءات أنقرة بأن الهدف من وجود القوة التركية فى معسكر بعقيشة قريباً من الموصل هو تدريب قوات البشمرجة التابعة لكردستان العراق على القتال تمهيداً لمعركة تحرير مدينة الموصل، فى إطار رفضها المعلن لوجود أى قوات برية أجنبية على أراضى العراق تحت دعاوى الحرب على داعش بما فى ذلك القوات الأمريكية، لاعتقادها أن الجيش العراقى المنخرط الآن فى معركة تحرير مدينة الرمادى ويكاد يسطر عليها بعد أن حرر معظم أحيائها هو المنوط به مهمة تحرير الأرض العراقية، ويدخل ضمن خططه تحرير مدينة الموصل بعد معركة الرمادى.
وما من شك أن هاجس تقسيم العراق الذى يسيطر على الرأى العام العراقى كما يسيطر على حكومة بغداد هو السبب الأول لرفض العراق وجود أى قوات برية على أراضيه دون موافقته وضد إرادته السياسية. وإذا كان الروس قد كشفوا بالوثائق فى ظل غضبتهم الشديدة على تركيا، وقدموا الأدلة الدامغة بالصوت والصورة على علاقات التواطؤ بين داعش والرئيس التركى رجب طيب أردوغان، سواء فى عمليات تمرير الأسلحة والمقاتلين الأجانب عبر الحدود التركية إلى سوريا، أو فى تسويق بترول داعش المسروق من حقول النفط العراقية والسورية عبر الأراضى التركية، ومن خلال وسطاء أتراك على رأسهم بلال ابن الرئيس التركى أردوغان وصهره الذى عُين أخيراً وزيراً للبترول، فإن العراقيين من تجربتهم الطويلة مع الأمريكيين يعرفون يقيناً أن الغزو الأمريكى للعراق لم يكن دافعه الحقيقى الحرب على الإرهاب، لأن العراق لم يتواطأ فى كل تاريخه مع أى من منظمات الإرهاب، ويعرفون يقيناً أن تدمير الدولة العراقية وتفكيك الجيش العراقى الذى أنجزه بريمر أول حاكم أمريكى مدنى للعراق تم لحساب إسرائيل كى تصبح القوة المهيمنة على الشرق الأوسط، ويعرفون يقيناً أن داعش صناعة أمريكية، ويملكون العديد من الأدلة على صدق هذا الاتهام!
وربما لا ينسى العراقيون إثباتاً لعلاقة التآمر الوطيدة بين أردوغان وداعش ما حدث بعد أيام محدودة من استيلاء داعش على مدينة الموصل، عندما اعتبرت داعش كل الأجانب فى المدينة رهائن يستحقون عقابها، باستثناء أعضاء القنصلية التركية فى الموصل الذين أفرجت عنهم داعش فوراً، وأحاطتهم بالرعاية والاحترام إلى أن وصلوا إلى أنقرة. وما يزيد من شكوك العراقيين فى الدور المزدوج الذى يلعبه أردوغان قبوله الآن إغلاق حدود بلاده فى وجه المهاجرين السوريين الذين يدقون أبواب أوروبا فراراً من جحيم الحرب الأهلية، لقاء ثلاثة مليارات يورو منحة أو رشوة من دول الاتحاد الأوروبى، بينما كان أردوغان يفتح الحدود التركية على مصاريعها للمتطوعين من أصول إسلامية المقبلين من كل فج أوروبى، يعبرون الحدود التركية فى أمان إلى سوريا كى يحاربوا إلى جوار داعش! ومع الأسف يقامر أردوغان الآن على عدائه للمصريين والسوريين والعراقيين الذى يشكلون غالبية الشعب العربى، فضلاً عن عدائه لكل مثقف ومواطن عربى يرى فى جماعة الإخوان المسلمين خطراً على أمن بلاده وهويتها، مكتفياً بعلاقاته مع السعودية لموقفهما المشترك من بشار الأسد، وعلاقاته المتجددة مع إسرائيل بعد المصالحة التى جرت أخيراً ورفعت مستوى التمثيل الدبلوماسى بين البلدين. وأظن أنه يعرف جيداً الأسباب التى أدت إلى تبدُّل صورته فى الرأى العام العربى بعد أن كاد يصبح بطلاً قومياً فى مؤتمر دافوس لرفضه الحوار مع شيمون بيريز، ليصبح الآن مداناً بتدمير الدولة السورية والتحالف مع جماعة الإخوان المسلمين ضد مصالح الشعب المصرى وأمنه، والتواطؤ فى مشروع تقسيم دولة العراق، وغلق حدود بلاده فى وجه المهاجرين السورين الفارين من جحيم الحرب الأهلية فى عمل مأجور نظير إتاوة أوروبية متناسياً كل القيم الإنسانية! لكن يبدو أيضاً أن أردوغان أدمن إخفاء شخصيته الحقيقية خلف غطرسته الكاذبة التى تكشّف زيفها الآن وهو يستعطف الروس بعد حادث إسقاط الطائرة سوخوى فى عمل أحمق، كبّد تركيا خسائر ضخمة يتجاوز حجمها 6 مليارات دولار حتى الآن!
لقد كان الكثيرون يأملون فى أن يتعلم أردوغان من تجربته القاسية فى الانتخابات البرلمانية الأولى، ويصحح أخطاءه فى الداخل والخارج، عندما فشل حزبه فى الحصول على الأغلبية بسبب مواقفه، لكن الواضح أن نجاح أردوغان فى الحصول على الأغلبية فى الانتخابات المبكرة التى جرت أخيراً، زاده عجرفة وصلفاً وإصراراً على أخطائه القديمة رغم أن تركيا دفعت ثمناً باهظاً لنجاحه الأخير، أدى إلى استقطاب حاد قسم البلاد إلى نصفين، نصف يوالى أردوغان حرصاً على الاستقرار والاستمرار، والنصف الآخر يكرهه حتى العظم ويخشى من أن يقود البلاد إلى ديكتاتورية جديدة، تتجسد فى عدائه الواضح لحرية التعبير وحملته الشعواء على حرية الصحافة واعتقاله لعشرات الصحفيين، كما تتجسد فى إصراره على أن يكون وحده صاحب القرار الأول والأخير، لا يستمع إلى مشورة أحد بمن فى ذلك رئيس وزرائه! وبعد أن كانت تركيا وصلت إلى صفر مشاكل مع كل جيرانها، أصبحت الآن فى حالة عداء شديد مع كافة الجيران، سوريا والعراق وقبرص واليونان، وقبل هؤلاء جميعاً روسيا التى ترفض تخفيف الضغوط عنه، وتستمر فى حصاره كى تقلص آثاره الشريرة على الجبهة السورية، كما يسود التوتر الشديد علاقاته الإقليمية بكل من مصر وإيران، وحتى داخل معسكر أصدقائه فى حلف الناتو يتوجس البعض خوفاً من حماقات الرئيس التركى، ويرفض بإصرار مشروعه لإنشاء منطقة عازلة شمال سوريا، هدفها الحقيقى تدمير الدولة السورية وإفشال جيشها الوطنى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.