كان الخنزير الكبير يحتضر، جمع حيوانات المزرعة من حوله وراح يحثهم على الثورة، حرضهم ضد حكم الإنسان الجائر جونز، الذى يجمع اللبن والبيض والصوف ولا يلقى لهم من الطعام سوى الفتات، دعمه لا يصل لمستحقيه، لم يظن للحظة أن هذه الحيوانات الأليفة قد تثور فى وجهه، أملاً فى الحرية والمساواة والعدالة فى كل الحقوق والواجبات، وأن يتوقف سفك الدماء، لكن نصائح «ميجر» العجوز، وتصاعد أعمال العنف والقمع والتجويع ضد شعب المزرعة، أشعل فتيل الغضب. نجحت الثورة مبدئياً، وخرج «جونز» السكير العجوز مطروداً مذموماً، كتبت الحيوانات فوق أعلى بناية فى المزرعة مطالب الثورة - حتى لا ننسى - «كل من يمشى على رجلين فهو شر، لا يجوز سفك دم أى حيوان، لا يجوز النوم على الأسرّة أو شرب الكحول، كل الحيوانات سواسية حتى وإن كانت أغلبية»، دائماً ما تهتف الخراف مؤيدة لأى قرار وإن لم يطلب منها ذلك، هكذا اختار جورج أوريل أن يعبر عن تلك الأصناف، فى روايته «مزرعة الحيوانات» التى كتبها عام 1943، واعتبرتها مجلة «التايم» أهم عمل أدبى إنجليزى منذ 1923 وحتى 2005. لكن سرعان ما تبدّل الحال، الثورة صارت نقمة على الثوار، استأثر الخنازير بالسلطة، لا سيما «سنوبول» و«نابليون»، كان وصولهما للسلطة بشكل سلمى، إلا أن تمرداً مفاجئاً حدث فأطاح نابليون بصديقه، وتحولت شعارات الثورة إلى سيوف مسلطة فوق رقاب الحيوانات، يستغلها لصالحه فقط، الحيوانات تعمل بكد ليأكل هو وبقية أتباعه، وعندما تعترض الحيوانات يُخرج لها كلاباً كان قد دربها لتفترس خصومه منذ بداية الثورة، وكلما ثارت الحيوانات، هاجمتها الجراء ونهشت كل ما تطاله منها، وهتفت الخراف مؤيدة للخنزير الحاكم، تعشق الخراف الديكتاتور، لا يهمها أن تجوع أو يجزّ صوفها أو أن تذهب إلى المقصلة عما قريب، وطالما أن الهتاف يبقيها فى سلام، ستظل تهتف. لم يترك نابليون شيئاً إلا وفعله، يسكن الخنزير «الديكتاتور» بيت جونز «المتسلط»، ينام فوق سريره، يلبس بدلته ويتحدث مثله، يشرب الكحول ويجلس فوق طاولة الطعام، بات صورة منه، ولكن ظل فى أعين حيوانات المزرعة خنزيراً مسخاً، لا هو مثل بقية الحيوانات ينتمى إلى الثورة، ولا هو إنسان مثل «جونز» يفعل تلك الأشياء القميئة لمجرد انتمائه لبنى الإنسان المتحولين بطبعهم. إلى جوار نابليون خنزير آخر، ساعده الأيمن، اسمه «سكويلير»، كان مسئول الإعلام فى دولته، مهمته أن يقنع الحيوانات بمدى حكمة تصرفات قائده، لديه قدرة فائقة على الكذب والخداع والتبرير، أياً كانت طبيعة هذه القرارات أو الدوافع وراءها، حتى وإن كانت بيع أحد أهم الحيوانات بالحظيرة بعدما أصابه الوهن لكى يتم ذبحه وإطعامه للحيوانات المفترسة. لم يكن يدرك حينها أنه بذلك يقضى على دولة الخنزير المنقلب على الثورة، ظن أنه الأكثر قوة بكلابه وبعض خنازيره الوفية ورطل الخراف المؤيدة له طوال الوقت حتى وإن كانت لا تفهم ما تردده، وكما هتفت فى الثورة «أن كل من يمشى على قدمين شر والخير كل الخير فيمن يمشى على أربع»، هتفت بالحماس ذاته ب«أن الشر فيمن يمشى على أربع والخير فيمن يمشى على قدمين»، بعدما قررت الخنازير أن تتخلى عن طباعها وتتشبه ببنى الإنسان. يزداد نابليون تجبراً وعناداً، يجوّع الحيوانات باسم الثورة، وينسب إنجازاتها لنفسه باسم الثورة، وبعدما يظن أنه قضى على كل معارضيه، سواء بالتخوين أو الإقصاء أو الإعدام، يمنح نفسه كل النياشين العسكرية، تحالف مع أعداء الأمس، «جونز» ورفاقه الطامعين فى خيرات المزرعة، ثم وقف ليخطب فى زهو «الآن فقط اكتملت الثورة»، لم يكن يدرى بالنار التى تتأجج بين الحيوانات، وأنهم عازمون على استكمال ثورتهم حتى النهاية كما حلموا بها، حتى أطاحوا به هو وخرافه وخنازيره إلى مزبلة التاريخ.