قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تصوم عاشوراء، فسألهم فقالوا هذا يوم نجّى الله فيه موسى وأغرق آل فرعون، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: نحن أولى بموسى منهم، وفى رواية: فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر الناس بصيامه. يوم العاشر من شهر الله المحرم يوم نصر لموسى عليه السلام، بعدما جاء سيدنا موسى إلى فرعون يطالب بطلب منطقى وبسيط للغاية فيقول هو وسيدنا هارون: «إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى»، ورغم منطقية الطلب برفع العذاب عن أبرياء لا يستحقون العذاب، ورغم اللين فى الكلام وقول السلام، لكن فرعون بكبره يصر ويستكبر زاعماً أنه الرب الأعلى، ثم يأذن الله لسيدنا موسى بالخروج ومعه بنو إسرائيل من مصر فينطلقون فى اتجاه فلسطين فيتبعهم جيش فرعون يريدون حبسهم وقتلهم ومنعهم عن الرحيل، ويقترب جنود فرعون من قوم سيدنا موسى فيصيح الناس به: ها هو البحر من أمامنا وفرعون من خلفنا، ويصور القرآن الكريم هذا المشهد الصعب بقول الحق سبحانه: «فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ»، ولكن سيدنا موسى عليه السلام ينطق من فوره نافياً كلامهم: «قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِىَ رَبِّى سَيَهْدِينِ»، طالما قد بذلنا ما فى وسعنا من أسباب فمسألة حصول النتائج أمرها إلى الله تعالى وليست لنا «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ الله لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ»، وبالفعل يهديه الله سبحانه وتعالى ويوحى إليه«أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ» أى كالجبل العظيم، وما كان يخطر ببال سيدنا موسى عليه السلام أن الله سينجيه بهذه الطريقة ولكنه كان موقناً بأن مسألة حصول النتائج أمرها لله تعالى لا للبشر، ويمر سيدنا موسى ومن معه إلى الناحية الأخرى فيحاول سيدنا موسى أن يضرب البحر بالعصا مرة أخرى ليرجع البحر ماء، ولكن الله سبحانه وتعالى يأمره بتركه إذ العصا ليست هى التى جعلته جبلاً حتى تعيده ماء، ويدخل فرعون ويغرق وينتصر موسى ومن معه لا بمجهودهم واستحقاقهم ولكن بفضل الله عليهم «وَالله غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ». ثم فى يوم عاشوراء أيضاً يحدث شىء آخر عجيب، إذ يخرج سيدنا الإمام الحسين رضى الله عنه عام 61ه ليعلن رفضه ورفض آل البيت لظلم الجبار العنيد المسمى بيزيد بن معاوية، ويواجهه أهل العراق بقيادة عمر بن سعد الذى جاء بأمر من عبيدالله بن زياد بن أبيه، ويقابلُ جيشُ الظلمِ معسكرَ الإمامِ الحسينِ وقد كان قليلَ العددِ والعدةِ فيُقتل الحسين ويُهزم جيشه فيما يظن الناس، ولكن حقيقة الأمر أن الحسين الشهيد هو المنتصر«وَلاَ تَقُولُواْ لِمَن يُقْتَلُ فِى سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ». ذكرى سيدنا موسى فى عاشوراء تعلمنا أن النصر ممكن رغم استحالة الإمكانيات، وأن المعجزات قابلة للتكرار فقط إذا بذلنا ما فى وسعنا حقاً، وغزة الأبية أصدق شاهد على هذا، ثم ذكرى سيدنا الحسين فى عاشوراء تعلمنا أن الأفكار الأقوى تنتصر ولو مات أصحابها وأن الشهادة فى حقيقتها نصر وحياة. لذلك فعاشوراء فى الحقيقة هو يوم اجتماع النصر والشهادة.