تجهيزات أمنية غير عادية تثير الريبة في نفوس العاملين والمواطنين المترددين على مجمع محاكم ونيابات المحلة الكبرى، مدرعات الشرطة وسيارات الدفع الرباعي تتصدر المشهد، الكل يتساءل ويتعجب، البعض ظنها استعدادات لزيارة مسؤول كبير بالدولة، وآخرون توقعوا وقوع عملية إرهابية، والشائعات تتردد حول العثور على جسم غريب، ولكن كل تلك التساؤلات تتلاشى بمجرد نزول الرجل من سيارته، وصعوده درجات سلم المحكمة. رجل ثمانيني ببدلة رسمية يمشي ومن ورائه ماضٍ في المكوث بالسلطة، يجعله لا يستعجب بما حوله، يدخل قاعة المحكمة ليرتدي ثوبا تركه طيلة 24 عاما، ويجلس في مقعد الحضور بعد جلسة الحضور في رحاب مجلسه، يرتدي نظارته الطبية ليفحص أوراق القضية بطريقة خبير أشعل الشيب رأسه، وتوغلت تجاعيد الشيخوخة في وجهه، لا يبالي بمن حوله من معجبين جاءوا لالتقاط الصور التذكارية مع رجل اختفى طويلا عن الساحة، فهو لا ينتظر سوى "ساعة المرافعة". أستاذ القانون الجنائي وحده ضمن رجال "مبارك" الذي شغل سلطات الدولة الثلاث "وكيل النائب العام، وأستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة، ووزير التربية والتعليم، ورئيس المجلس الأعلى للجامعات، والنائب البرلماني، ورئيس مجلس الشعب"، كلها ألقاب حظي بها الدكتور أحمد فتحي سرور، الذي يعود لسيرته الأولى، التي بدأها في عام 1976 كمحامٍ أمام محكمة الاستئناف، ليدافع، اليوم، عن 8 متهمين بجريمة قتل في المحلة، في قضية عمرها داخل أروقة المحاكم 8 أعوام، استطاع أن يعيدها لنقطة الصفر في محكمة النقض، وينتزع حكما بإعادة محاكمة موكليه. "المحاماة هي عملي الرئيسي، وأنا مسجل كمحامي نقض، وأنا راجل بتاع قانون مليش دعوة بالسياسة"، هكذا حدد "سرور" الخط الذي يسير عليه منذ أحداث ثورة 25 يناير 2011، عندما ترافع عن نفسه في المحكمة بقضية "موقعة الجمل"، كما أنه كان مرشحا ليكون ضمن هيئة الدفاع عن الرئيس الأسبق "مبارك" عقب إخلاء سبيله، إلا أنه رفض الأمر، وقال وقتها في حديث لإحدى الفضائيات: "رفضي الدفاع عن مبارك نوع من الملاءمة، فأنا كنت رئيسا للسلطة التشريعية في عهده". ورغم أن غالبية المهن التي امتهنها "سرور" لها علاقته بمجال دراسته للقانون، بدءا من عمله بالنيابة العامة عام 1953، وعضوا لهيئة التدريس بكلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1959، ورئيسا لقسم القانون الجنائي بالكلية عام 1978، وعميدا لها عام 1983، إلا أنه بدأ منذ عام 1985 التدرج في السلك الأكاديمي، فعمل نائبا لمدير جامعة القاهرة، وبعدها شغل منصب رئيس المجلس الأعلى للجامعات في عام 1986، ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لمكتبة الإسكندرية في عام 1988. "سرور" تدرج في السلك الأكاديمي حتى وصل لمنصب رئيس المجلس الأعلى للجامعات وحده "سرور" من كل رجال نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي عمل بسلطات الدولة الثلاث، فإلى جانب عمله بالسلطة القضائية لمدة 6 أعوام، كان عضوا بالسلطة التنفيذية للدولة، عندما تولى حقيبة التعليم بالحكومة عام 1986 ولمدة 4 أعوام، قبل أن يكون على قمة السلطة التشريعية رئيسا لمجلس الشعب من عام 1990 ولمدة 21 عاما، ولكن ثورة 25 يناير، أبعدته عن المناصب الرسمية، ليمثل أمام القضاء متهما في عدة قضايا، أبرزها أحداث "موقعة الجمل"، إلا أنه نال البراءة في جميعها، ليعود لساحته من جديد في ثوب "المحامي"، رافعا شعار: "منها وإليها نعود".