في قسم الطوارئ بمستشفى الشفاء في قطاع غزة، يقف مرتديًا زي الأطباء المتأرجح لونه بين الأخضر والسماوي، شعره بني وبشرته بيضاء تميل إلى الحمرة، ونظارة سميكة على عينيه، وسماعة تلتف حول عنقه، يستقبل المصابين الفلسطينيين بقذائف الجيش الإسرائيلي المتساقطة على قطاع غزة، فينظرون إلى اسمه على بطاقة توضيح هويته لمعرفة الاسم، ليفاجئهم: دكتور مادس جيلبرت. اسمه بالكامل مادس فريدريك جيلبرت، طبيب نرويجي متخصص في طب الطوارئ، وعضو في الحزب الأحمر الشيوعي بالنرويج، نال الدكتوراة من جامعة أيوا الأمريكية، ويعمل رئيسًا لقسم الطوارئ في مستشفى شمال النرويج الجامعي، وأصبح أستاذًا في قسم طب الطوارئ بجامعة ترومسو منذ 1995. كانت له العديد من التجارب في مجال العمل التطوعي الدولي، خاصة في المناطق التي تحتاج لتدخل طبي، وتطوع للعمل في إحدى المزارع اليهودية الجماعية "كيبتوس"، كما انغمس في العمل التضامني الطبي في الأراضي الفلسطينية المحتلة ولبنان منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي. ليست المرة الأولى له في قطاع غزة، ذهب إليها ضمن لجنة الإغاثة النرويجية مع مواطنه الجراح إريك فوس، وعمل في مستشفى الشفاء، خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع في 2008 - 2009، وهي العملية التي عرفت بال"الرصاص المصبوب". وكان الدكتور جيلبرت على اتصال مع وسائل الإعلام العالمية مثل CNN وBBC وقناة الجزيرة، في الوقت الذي منع فيه الصحفيون من دخول قطاع غزة، وعمل على نقل ما يراه ويشاهده من أحداث، منها رسالته التي أرسلها عقب القصف الذي استهدف سوقًا للخضروات الذي أسفر عن 20 شهيدًا، وأكثر من 80 مصابًا، وجاء ضمن رسالة الدكتور جيلبرت لوسائل الإعلام: "نحن نخوض في الموت والدماء والأشلاء، لقد قصفوا سوقًا للخضروات منذ ساعتين، أكثر المصابين من الأطفال والنساء الحوامل، لم أشاهد مثل هذه البشاعة من قبل على الإطلاق، والآن نحن نسمع صوت الدبابات، انقلوا هذه الأخبار وافعلوا أي شيء، نحن نعيش في كتب التاريخ الآن". وبعد عودته من قطاع غزة نشر كتابا تحت عنوان "عيون في غزة" بالاشتراك مع الجراح إريك فوس. والآن يعود الدكتور مادس جيلبرت إلى مستشفى الشفاء بقطاع غزة، ليمارس عمله التطوعي الإنساني، ويستقبل المصابين من جراء القصف الإسرائيلي الذي بدأ الأربعاء 14 من نوفمبر الجاري تحت مسمى علمية "عامود السحاب".