على بعد أمتار قليلة من شارع البحر الأعظم بالجيزة، تقع جزيرة "القرصاية" التي يعيش على أرضها نحو 7 آلاف نسمة، جميعهم يعملون بمهنتي الزراعة والصيد، وليس هناك طريق للوصول إليها سوى معدية مائية واحدة، حيث لا تزيد مساحتها على 70 فدانا تقريبا، ممتدة من كوبري عباس وحتى الطريق الدائري. وربما لموقعها الساحر وسط النيل، أو ل"قلة حيلة أهلها"، حاصرتها الأطماع دائما رغبة في انتزاعها من أهلها، حيث أقام ماهر يوسف، موكلاً عن أهالي القرية، عددا من دعاوى حق الانتفاع، بعد أن رفضت وزارة الإصلاح الزراعي، قبول تأجير الأرض للأهالي، بعد أن تقدمت الحكومة بعروض لإقامة مشروعات سياحية عليها. وكان حكم الإدارية العليا رقم (5730 لسنة 55 ) برفض هذه المشروعات حفاظاً على المحمية الطبيعية "جزيرة القرصاية" وما ترتب عليه من الإقرار بأحقية أهالي الجزيرة في تجديد عقود الإيجار، واستمرار العلاقة الإيجارية، بحسب ما رواه مجدي يوسف، شقيق المحامي ماهر يوسف، الذي تم اعتقاله فجر اليوم من منزله، بعد أن اجتاحت قوات الشرطة والجيش الجزيرة، لطرد الأهالي، واعتقال العشرات منهم، في اشتباكات عنيفة أدت إلى مقتل ثلاثة من أبناء الجزيرة، بحسب ما ورد بشهادة الأهالي. وتابع مجدي حديثه ل"الوطن"، مشيرا إلى أن ماهر كان أول من وقف في مواجهة الحكومة بساحات القضاء، ورغم أنه كان بعيداً عن أحداث اليوم، إلا أن قوات الجيش ألقت القبض عليه وقالت له نصا "انت عامل فيها كبير الجزيرة؟ تعالى بقى كلم الكبير بتاعنا"، مضيفًا: "وكأن بين الطرفين تار بايت" حسب تعبيره. وقال مصطفى سعيد، أحد شباب الجزيرة، وشاهد عيان على ما حدث اليوم من جانب قوات الجيش، "لي 6 أعمام، ونصيب كل منهم 5 قراريط في أرض الجزيرة المتنازع عليها، ورثناها أباً عن جد، ونزرعها منذ أن حكمت لنا المحكمة بحقنا فيها عام 2010 ولا نعرف أي شيء سوى الزراعة، فأهالي القرية إما فلاحين أو صيادين". مضيفا: "بالرغم من الموقع المتميز للجزيرة، وسط القاهرة، إلا أنها لا تزال خالية من جميع الخدمات، ليس بها مدرسة، أو مستشفى، أو عيادات، سوى بعض محلات البقالة الصغيرة وثلاثة مساجد". وبالقرب من موقع أحداث اليوم، وقف مصطفي عبدالمنعم عبدالمعطي، أمام السلك الشائك، الذي يمنعه من الوصول إلى أرضه، وقال "شايف الزرع ده زرعي وأنا اللّي زرعته، فلاح ومعرفش غير الفلاحة، ودي أرضي وارثها عن أبويا، 5 قراريط، مش قادر أنزل أرضي، والمواشي هتموت من الجوع في البيت". مصطفى، متزوج وله طفلين، كريمة 10 سنوات، ومحمد سنتين، مضيفاً "لو كنا زارعين الأرض دي بانجو، مكانوش عملوا فينا كده، هجموا علينا وهما بيهتفوا الله أكبر، وكأننا يهود" على حد قوله.