بعيداً عن الصخب المنتشر فى الشارع بسبب حركة المارة ولعب الأطفال، ارتدى «أشرف» نظارته السوداء ذات العين الواحدة والتى لا يستخدمها إلا نادراً من أجل التدقيق فى أعطال الكاتينة القديمة التى أمامه. لم يرفع «أشرف» عينه عن الكاتينة إلا بعد أن استطاع معرفة مكان العطل، هكذا تعلم من والده الذى قضى فى تلك المهنة ما يزيد على 50 عاماً. «للأسف تصليح الساعات الآن اختلف عما كان عليه قديماً، فين أيام زمن الساعات الغالية القيمة اللى كان الزبون يجيبها والواحد يفخر أنه بيصلح ساعة نوعها مش موجود منه كتير»، كلمات «أشرف» من داخل محل صغير فى منطقة عبده باشا، لا تتجاوز مساحته بضعة أمتار، لكنه شهد زبائن من كل شكل ولون منهم رجال جيش وشرطة وذوو مناصب رفيعة فى الدولة. يبتسم «أشرف» وهو يروى سبب تسمية المحل ب«ساعاتى الساعة»: «دايماً الواحد يلاقى المحلات والجرائد وحتى الباعة يستخدمون كلمة الساعة فى عناوين محلاتهم إلا الساعاتى نفسه، فمثلاً هناك مطعم آخر ساعة، ومجلة آخر ساعة، وفى مرة شاهدت عربة صغيرة يجرها أحد الباعة الجائلين كتب عليها أرز الساعة، فقررت أن أسمى المحل بساعاتى الساعة». بدأ «أشرف» المهنة عندما كان أجر التصليح 15 قرشاً أو أقل، حتى وصل اليوم إلى 15 جنيهاً للساعة الإلكترونية، ويزيد السعر إذا كانت الساعة من ماركة غالية: «من أيام السادات وأنا شغال شفت كتير وقليل فى عملية تصليح الساعات، وكنت أسمع من أبويا أنه بيصلح الساعة بتعريفة وقرش صاغ للفقير، وتوصل لنص جنيه للغنى وكنا بنسميه أبوكاتينة كناية عن غناه». يلاحظ «أشرف» تدهور صناعة الساعات خلال الفترة الماضية، فالساعات الإلكترونية الرديئة المصنوعة من معادن التوتيا والأنتيمونيم هى التى انتشرت مقارنة بالساعات الراقية القديمة: «الساعات دى ما تزيدش عن 10 جنيهات وبتصيب الشخص بالحساسية، وللأسف هى السبب فى تدهور مهنتنا».