دوما ما تكون المهنة هي الأصل ويمر عليها كثير من صور ممتهنيها, فتحافظ الصورة علي الأصل أو تجعلها الظروف تندثر, ككثير من المهن التي اختفت من عصر لعصر, ونحن في تلك السطور نبحث عن الأصل ونستعرض معكم صورة.. بالرغم من وصف أمير الشعراء أحمد شوقي أن دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان إلا أن مهنة الساعاتي الذي يعمل علي ضبط الزمن مهنة تحارب من أجل البقاء فهي تعاني اليوم كسادا يهددها بالزوال, انتشار الساعات الصينية رخيصة الأسعار وجه ضربة قاسمة للمهنة التي أصبح معظم زبائنها من كبار السن ممن يقتنون ساعات سويسرية أو فرنسية غالية الثمن ويفخرون بساعاتهم القديمة ولا يستبدلونها بالحديثة نظرا لقيمتها وطابعها التاريخي. الكثير من أصحاب مهنة الساعاتي تركوها للبحث عن عمل آخر يسد احتياجاتهم فلم تعد المهنة توفر لهم ما يكفي متطلبات الحياة. فمن ساعات الجيوب لساعات المعصم للساعات المقلدة والرخيصة, ومن ساعات البندول الخشبية العريقة للساعات البلاستيكية الرخيصة رحلة استغرقت عشرات السنوات ولكنها حاربت خلالها مهنة الساعاتي التي كثيرا ما رأيناه يرتدي عدسته المكبرة ويستخدم المعدات الدقيقة في الإصلاح أو تغيير الحجارة. عم منسي. صبحي منسي البالغ من العمر الثامنة والستين لم يصل في التعليم إلا إلي خامسة ابتدائي ثم قرر أن يتعلم مهنة أخواله الثلاثة فقد كان يستشعر فيها قدرة خاصة علي الدقة والإبداع وتعلم المهنة ليصبح ساعاتي. عم منسي لديه بنت وثلاثة أبناء وكلهم من خريجي الجامعات زوج ابنته ولكنه لم يستطع أن يوظف أبناءه الذين يعانون من البطالة أو يعملون في التجارة, ويتذكر عم صبحي أيام تعلمه للصنعه فيقول في الماضي كنا ندفع فلوسا لتعلم الحرفة أما شباب اليوم فهم لا يبحثون عن المهنة قدر بحثهم عن المادة, وفي الماضي كنا نتحمل كافة الصعاب لنتعلم أما شباب اليوم فلا يريدون التعلم, وأظل كثيرا أحاول معهم لأني صعبان علي المهنة التي نكافح ألا تنقرض, فقد قتلت الساعات الرخيصة اهتمام الناس بالمهنة واحتياجهم لها, فمن يشتري ساعة بسبعة جنيهات لن يغير لها حجرا بعشرة جنيهات. ولما سألته عن زبائنه قال زبائني ناس كبار في السن تفهم معني الساعات الغالية وتعشقها ولا يمكن أن تستغني عنها, وكان عندي زبونة عرفت طريق الساعات الصيني فاشترت12 ساعة بألوان فساتينها ومبدأها لماذا أشتري ساعة واحدة غالية بينما يمكنني شراء12 ساعة أبدل بينها, ومثل تلك الزبونة لا تلجأ للساعاتي. وفاجئني عم منسي بالقول إنه سيأتي علينا يوم عندما نريد تصليح ساعة قيمة سنرسلها للخارج لإصلاحها ولما سألته عن الشيء الذي يضايقه, قال لي إن جيران محله يقولون لمن يسأل عنه إنه مات كي يبيعون لهم, واستطرد طبعا الأعمار بيد الله لكن هيموتوني علشان يسرقوا زبائني؟ ورحم الله الزمن الذي كان فيه الخواجة اليهودي البخيل يعلن عن نفسه في الصحف قائلا: كوهين ينعي ولده ويصلح الساعات لقد اختفي الاثنان أما نحن فننعي الساعاتي!