الأكاديمية الوطنية للتدريب: نؤمن بدور الشباب في توطين أهداف التنمية المستدامة    فيديو صادم | 3 شباب يتعاطون المخدرات بالشارع.. وتحرك عاجل من الداخلية    تعرف على طقس السعودية اليوم الثلاثاء 12 أغسطس 2025    وكيل وزارة الصحة بالدقهلية يحيل المدير الإداري لمستشفى الجلدية والجذام للتحقيق    السيسي: نسعى للبناء والتعمير والتنمية وليس الهدم والتدمير والتآمر    إجراء عاجل من الأعلى للإعلام بشأن شكوى الزمالك ضد "حارس الأهلي"    نتيجة المرحلة الثانية، تنسيق حاسبات ومعلومات 2025    "أبو كبير" تنعى ابنها البار.. ماذا قال أهالي الشرقية عن الراحل علي المصيلحي؟ -صور    الجمعة.. فرقة واما تحيي حفلاً غنائياً في رأس الحكمة    قبل مفاجأة محمد رمضان.. مشوار لارا ترامب الغنائي وسر تعرضها للهجوم    هاني تمام: "القرآن يأمرنا بالمعاشرة بالمعروف حتى في حالات الكراهية بين الزوجين"    عضو اتحاد الغرف: السيطرة على أسعار السلع يحتاج تضامن بين الحكومة والتجار    طريقة عمل المكرونة بالصلصة، أكلة خفيفة وسريعة فى الطقس الحار    "بينهما صلة قرابة".. خالد مرتجي ينعى علي المصيلحي    بدء استئناف المتهم بقتل نجل مالك مقهى أسوان على حكم إعدامه    الصحف العالمية: ترامب ينشر قوات الحرس الوطنى فى واشنطن ويدرس إعادة تصنيف الماريجوانا..8 دول أوروبية تتحرك ضد إسرائيل ببيان يرفض احتلال غزة..تراجع التوظيف والمكافآت ونمو الأجور بعد تباطؤ سوق العمل فى بريطانيا    كامل الوزير: عمل على مدار الساعة لتحقيق مستوى نظافة متميز بالقطارات والمحطات    وزير الاتصالات: الذكاء الاصطناعي دورًا محوريًا في تشكيل المستقبل    الأهلي يطلب "تحكيم أجنبي" لمباراة بيراميدز    خاص| وسام أبوعلي يستخرج تأشيرة العمل في أمريكا تمهيدا للانضمام إلى كولومبوس كرو (صورة)    قطع مياه الشرب عن مدينة ديرمواس بالمنيا غدا لمدة 6 ساعات    كيف تحمى نفسك من ضربة الشمس فى موجات الحر.. خبير صحة عامة يجيب    «تعليم كفر الشيخ» تعلن النزول بسن القبول برياض الأطفال ل3 سنوات ونصف    خريطة الأسعار اليوم: انخفاض الدواجن واللحوم والذهب    بالفيديو.. التنمية المحلية: تعليمات بمراجعة معايير السلامة داخل منظومة النظافة    حمادة صدقي: أحمد حسن زعل من انضمام حسام حسن لفراعنة 2006 بسبب شارة الكابتن    قبل رونالدو.. ما هي حكاية صديق جورجينا الأول؟    منتخب مصر الثانى يواجه البحرين مرتين وديا فى أكتوبر المقبل رسميا    رسميًا.. باريس سان جيرمان يتعاقد مع مدافع بورنموث    فيريرا ينصح عواد بالانتظار للحصول على فرصة المشاركة مع الزمالك    وزير الصحة يبحث مع المرشحة لمنصب سفيرة مصر لدى السويد ولاتفيا التعاون الصحى    لليوم ال12.. التموين تستكمل صرف مقررات أغسطس    «العمل» تجري اختبارات للمرشحين لوظائف الأردن بمطاحن الدقيق    مصدر يكشف لمصراوي أعداد السودانيين العائدين عبر قطارات السكة الحديد    حملات موسعة لهيئة البترول للتصدي لمخالفات تداول وتوزيع المنتجات البترولية    اليوم.. إعلان نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ 2025    معامل ومكتبة مركزية.. جامعة أسيوط الأهلية تستعد لاستقبال الطلاب الجدد - صور    القوات الروسية تستهدف المجمع الصناعي العسكري ومراكز تصنيع المُسيرات الأوكرانية    الجمعة.. قصور الثقافة تقيم فعاليات متنوعة للأطفال بنادي الري احتفالا بوفاء النيل    أمير كرارة على القمة.. فيلم الشاطر يقفز بإيراداته إلى 75.2 مليون جنيه في 26 ليلة    محافظ الجيزة يترأس اجتماع اللجنة التيسيرية لمشروع تطوير منطقة الكيت كات    افتتاح فعاليات الدورة السادسة من معرض رأس البر للكتاب    محمد نور: مقياس النجاح في الشارع أهم من لقب «نمبر وان» | خاص    المكتب الإعلامي الحكومي في غزة يفند أكاذيب الاحتلال حول سياسة التجويع في القطاع    خبراء: أوكرانيا تحولت إلى مختبر حربي للصين لاختبار أسلحة وخطط المواجهة مع أمريكا في المستقبل    25 أغسطس الحالي.. ترامب يستضيف رئيس كوريا الجنوبية لبحث تفاصيل اتفاقهما التجاري    الأمم المتحدة: أكثر من 100 طفل يموتون جوعا في غزة    تحرير 131 مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار مجلس الوزراء بالغلق    انتشال جثمان طفل غرق في بحر شبين الكوم بالمنوفية    هل يجب قضاء الصلوات الفائتة خلال الحيض؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    أمين الفتوى: "المعاشرة بالمعروف" قيمة إسلامية جامعة تشمل كل العلاقات الإنسانية    أول هبوط في سعر الفراخ البيضاء.. أسعار الدواجن اليوم الثلاثاء 12-8-2025 صباحًا    لجان ميدانية لمتابعة منظومة العمل بالوحدات الصحية ورصد المعوقات بالإسكندرية (صور)    تنسيق المرحلة الثالثة، الأماكن الشاغرة للشعبة الأدبية (نظام حديث)    العظمي 38.. طقس شديد الحرارة ورطوبة مرتفعة في شمال سيناء    مواقيت الصلاة في أسوان اليوم الثلاثاء 12أغسطس 2025    انتشال سيارة سقطت بالترعة الإبراهيمية بطهطا.. وجهود للبحث عن مستقليها.. فيديو    أجمل عبارات تهنئة بالمولد النبوي الشريف للأهل والأصدقاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وديع الساعاتى.. قل للزمان ارجع يا زمان
عاشق العقارب الذى حطمته الصين
نشر في اليوم السابع يوم 20 - 02 - 2010

لم يكن يتخيل أن رحلته فى عالم الساعات التى امتدت لنصف قرن سيطرأ عليها كل هذا التحول.. أن يجلس فى دكانه الصغير كى ينشغل بإصلاح ساعة صينية الصنع رخيصة الثمن، وهو الذى عاش أجمل لحظات عمره المهنى مع عالم الساعات السويسرية الشهيرة، واحتضنت يداه أرقى الماركات العالمية.
رفع العم وديع ظهره المحنى واعتدل فى جلسته بعدما رفع عينيه المنهكتين عن ساعة معطوبة قائلا "المهنة تغيرت وأصبحت مهددة بالانقراض بعد دخول التكنولوجيا عالم الساعات، لم يعد هناك من يرغب فى اقتناء تحفة سويسرية أصيلة إلا القليل، معظم الناس صاروا يفضلون اليوم إما ساعة رقمية خفيفة أو صينية رخيصة الثمن.. وهذا هو الحال اليوم".
مهنة الساعاتى فى مصر شأنها شأن كثير من الحرف المرتبطة بالماضى تواجه شبح الاندثار والانزواء أمام طوفان المنتجات الصينية التى غزت السوق المصرى فى السنوات الأخيرة، فبعد أن كانت الدكاكين الخاصة بإصلاح الساعات تنتشر فى المدن وحتى القرى المصرية، أصبح من النادر هذه الأيام رؤية لافتة الساعاتى كما كان فى السابق.
فى دكانه الصغير القابع فى حى البساتين المكتظ زبائنه يعرفهم، فهم إما العجائز الذين ترتبط ساعاتهم القديمة بذكريات عن هدية من شخص عزيز أو مناسبة سعيدة، أو شريحة الشباب الذين يرغبون فى لف ساعة براقة حول معصمهم رغم أن ثمنها لا يتعدى العشرة جنيهات.
يتابع عم قائلا " الساعات الصينية الرخيصة ملأت الدنيا، منظرها من الخارج جميل ومغرى وبراق لكن جوهرها سىء ورخيص وخال من الروح مثل كثير من البشر".
هكذا يفلسف رؤيته للساعات البراقة المزيفة التى قلبت حياته رأسا على عقب، لكنه يشرح على الفور السبب فى أن " ثمنها هذه الأيام أصبح يقدر بعشرة جنيهات فقط وعندما يأتى زبون لإصلاحها وهى بالطبع سريعة العطب لأن مكوناتها الداخلية رخيصة الثمن، وأقول له إن إصلاحها سيتكلف خمسة جنيهات، يضحك الزبون قائلا إنه سيضع خمسة جنيهات أخرى ويشترى واحدة أخرى جديدة، وعندما يوافق أحدهم على مضض، أقوم بإصلاحها لكن بلا مزاج، والأمر ليس إصلاحا فى حد ذاته بل هو استبدال قطعة بقطعة أخرى إلى حين، بينما الساعة الرقمية لا تحتاج إلى ساعاتى بل إلى كهربائى".
لكن فى المقابل لا يزال وديع يثمن محاولات البعض فى اقتناء ساعة سويسرية حقيقية، معتبراً ذلك اعتزازا بالأصالة واستدعاءً للزمن الجميل، عندما تأتيه الآن مثل تلك الساعة يفرح مثل طفل ويحترم صاحبها كثيرا، إذ يرى أن الساعة فى أحيان كثيرة هى عنوان الرجل التى يمكن من خلالها معرفة ذوقه وطبيعة شخصيته، لكن فى أحيان أخرى تكون خادعة على حد قوله.
وديع الذى كان دائم الهروب من المدرسة الابتدائية كى يذهب إلى دكان خاله الساعاتى فى إحدى قرى الفيوم تعلم المهنة مبكرا وسافر فى صدر شبابه إلى القاهرة كى يزاولها.."جئت وعملت صبيا فى إحدى المحال الشهيرة فى منطقة العتبة منبع الساعات فى مصر، شاهدت الباشاوات والبهوات المحترمين وهم يأتون لإصلاح ساعاتهم الفخمة، كانت الساعة وقتها حكرا على الأثرياء وأبناء الطبقة الوسطى، وكنت أكسب عشرة جنيهات فى الشهر فقط، لكن الحياة كانت جميلة".
فتح وديع دكانه الخاص به قبل ثلاثين عاما وسط منافسة حامية وعدة دكاكين متجاورة انتهت الآن إلى أن أصبح دكانه هو الوحيد الباقى فى منطقته المزدحمة وربما إلى حين.
بعد محادثة قصيرة من زبون حول ساعة معطوبة انتهت بفشل الاتفاق حول السعر يعلق وديع "اتفضل يا سيدى".. هذا هو زبون اليوم الذى أصبح وجود الساعة فى حياته أوتوماتيكى وجامد، لكن الساعة فى الماضى – والكلام لوديع - كانت فى نظر صاحبها تحفة فنية يتعامل معها بحب ورفق كما لو كانت امرأة جميلة.
عمله فى المحلات الكبيرة سمح له بالتعامل مع كل ماركات الساعات الشهيرة" أوميجا" و"رولكس" و"جوفيال" وغيرها، كانت الساعة حينئذ مصدر متعته، إذ كان إصلاحها بمثابة تحدٍ يومى يعيشه عاشق العقارب، الانشغال بالتروس والآلات الدقيقة، الفك والتركيب والتنظيف، وبعدها تعاود الساعة السير فيقفز قلبه من الفرح.
يعيش وديع حياته بالساعة، يقدس الوقت رغما عنه فكل شيء بميعاد، ويكره من لا يحترم مواعيده كراهيته للساعات الصينية. ولا يطيق -رغم كل شىء- الابتعاد عن دكانه الصغير، فحتى الأعياد ومواسم الأجازات يفضل قضائها وسط ساعاته المتناثرة فى أدراج أمامه وتلك المعلقة على جدران دكانه.
مكسبه اليوم لم يعد مثل السابق، كان العمل فى الماضى منتعشا ودورته لا تكاد تنتهى، لكن الآن صار ما يكسبه الساعاتى العجوز من إصلاح الساعات ينفق معظمه على شراء المسكنات لعموده الفقرى المتعب لكنه يقبل يده بخشوع "الحمد لله على كل شىء.. رضا".
ورغم أن ابنه الوحيد تخرج قبل سنوات من معهد للإلكترونيات فى القاهرة، إلا أنه رفض على ما يبدو أن يعيش فى جلباب أبيه، مفضلا انتظار فرصة عمل مناسبة على الجلوس فى دكان صغير ومناكفة زبائن يتشاجرون حول إصلاح ساعة لا يتعدى ثمنها العشرة جنيهات!
لكن وديع فى النهاية لم يفقد الأمل فى عودة الأصالة والذوق الرفيع لمهنته واستعادة الساعة السويسرية لمكانتها، معتبرا أن الغزو الصينى بمنتجاته الرخيصة سيزول لا محالة لأنه فى النهاية وبحسب تعبيره "لا يصح إلا الصحيح".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.