قشعريرة تهاجم أركان روحى كلما استدعت ذاكرتى صورتها البهية، ترتعش أصابعى الآن وأنا أحاول الكتابة لها وعنها، مشاعرى نحوها مرض أو ربما بداية حياة يصعب تعلمها، لم أعد أعلم ما يدور لى وبى وحولى، تمنيت أن تكون قد قرأت ما فاض به قلبى «الأسبوع الماضى» ويبدو لى أنها قرأت ولكن يبدو أيضاً أن العراقيل اللعينة تطاردنى وتبحث عن دروبى وتنتظرنى. هنا وجدت عقلى يطرق أبواب قلبى بشدة محاولاً الدخول ولكنى بالشدة نفسها رفضت وجوده أو حتى تلصصه الذى يحاول من خلاله أن يقدم لى حلولاً، فى مشاعرى لا مكان لعقلى، فى عشقى لا وجود إلا لقلبى، أسمعها الآن تقول «جنون»، وهو بالفعل أشد من الجنون لأنى لن أخطط كيف يمكن أن أكمل حياتى بالحسابات الدقيقة، لن أخضع مشاعرى للدراسات والنظريات القديمة والحديثة، أنا فقط سأترك نفسى والهوى، لأننى ربما أموت الآن، أو بعد أن أنهى ما بدأت كتابته، أو بعد أن أقابلها مرة أخرى، أو بعد أن أطبع قبلة الشوق على وجنتيها، أو قبلة طويلة بين شفتيها وبينهما أموت، هذا هو الموت الذى يمكن أن أتقبله. وهى بجانبى، وهى بين يدى، وهى على مقربة تسمح بتلاقى أطراف وجهينا يمكن أن أموت، لا أعرف لماذا الآن نزلت بعض الدموع رغم أنى كنت أحملها ليوم الموت فى أحضانها، ولكن هذا هو حال الدموع لا يهمها دائماً إلا الهروب من العيون، هى تماماً مثلها تود التخلص من القيود، تود السفر، لا تريد أن أصنع لها أى سدود.. لعنة الله على كل سد يمكن أن يحرمنى من وجهها، وعلى كل إنسان يمكن أن يحجبنى عن نورها. حسمت أمرى وأمرها مقتطفات من قصائد ديوان «أوراق التوت» للإعلامية والكاتبة والشاعرة كريمة عوض حين قالت: «ذات ليل مر سهواً من هنا.. أسقط من جيبه الفارغ درهمين ودمعةً حُبلى وقلباً واهناً.. ذابَ مثل الثلج خوفه حين صافح صدره محضُ طيف أدرك فجأةً كيف الفراق.. أيا مَن مر طيفاً من هنا.. مات مَن زرع الربيع بقلبك.. مات ينتظر الحياة على رصيفك.. مات يشتاق العناق». وأيضاً: «الموت هو أن يهزمنى الصقيع فى ليلة صيفية، ضل دفؤك فيها عن سريرى». وأيضاً: «لأنكِ كالجنيّة التى كل صباح ترمى النرد.. تفتح ثقباً فى صحراء القلب». وأيضاً: «أصنع من بسمتك اللؤلؤ قرطاً، من نغمات الصوت المرتعش سواراً، أصنع من وقع خطاك المنطلقة دوماً عقداً من ياقوت». وأيضاً: «وكيف أحيا والأسى يغزو وساداتى وكيف أكون فى عينيك رسماً غير دمعات». وأيضاً: «قولوا لها إنى أحبها، وإنى وإن عشت فى البعد، أفرح وأتغنى بها ومن أجلها». ويعيننى على الصبر فى بعض اللحظات الصعبة -وما أكثرها- ما تركه لنا المتصوف والشاعر شمس الدين التبريزى قائلاً: «الحب لا يكتمل إلا بالألم، ومهما حدث فى حياتك ومهما بدت الأشياء مزعجة فلا تدخل ربوع اليأس، وإن السعى وراء الحب يغيرنا فما من أحد يسعى وراء الحب إلا وينضج أثناء رحلته، ولا قيمة للحياة من دون عشق». وأيضاً ما يعذبنى أننى حتى الآن لم أبُح لها؛ أخشاها وأخشى نفسى وأخشى القدر.. أخشى ما بعد البوح بحبها، وأخشى كل ما يمكن أن يحول بينى وبينها، وأتذكر أيضاً قول كريمة عوض: «لو أن عيونك تزرع فى قلبى الدفء، حين يخاف الظلمة، حين يضج من الوحدة، حين يشيخ، لو أن عيونك تأتينى، لو أغلقت عن الدنيا عينى، وعن الأسماء، وعن الشمس المبتعدة، حتى يأتينى منك يقين»، فى تلك اللحظة فقط ستأتينى شجاعة الاعتراف حينما يأتينى منها يقين. أنا دوماً فى هذه الأيام ألوم نفسى المعذبة قائلاً كيف يمكن أن أعيش فى حدود أرض لا تعيش فيها؟ كيف يمكن أن أستنشق هواء لا تستنشقه؟ (رغم أن هذا فى صالحها لأن هواءنا ملوث)، ولكنى أنتهى دائماً مردداً لطيفها: «وجودك فى حياتى يكفى». كل ليلة وأنا فى فراشى وحيداً أردد ترنيمة مأساة عشقى قائلاً: «من يشترى أنين الليالى لسفرها، من يشترى ظلام النهار بدونها، من يشترى صمتى وجبنى وحبها، من يشترى سداً بينى وبينها، من يشترى.. من يشترى قلبى الحزين بدونها». وفى النهاية... لا أملك إلا أن أقول «دامت طيبة».