آسف لتناول هذا الموضوع اليوم وسط المشاغل والتحديات والهموم العديدة، أنا ممن يهتمون بالوطن وبالأمة العربية والإسلامية، إذ إن كل إنسان عاقل يجب أن يحب وطنه ويحنو عليه والوطن يحتضنه، وهذا مبدأ عظيم وقيمة كبيرة، حيث قال المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو مضطر للهجرة إلى المدينة، حيث كان القوم يأتمرون به «أما والله، لأخرج منك وإنى لأعلم أنك أحب بلاد الله إلى وأكرمه على الله، ولولا أن أهلك أخرجونى ما خرجت»، ومن هنا لم يكن غريباً أن يقول الشاعر: وطنى لو شغلت بالخلد عنه *** نازعتنى إليه فى الخلد نفسى هنا المبالغة والصورة البلاغية قد لا ترضى علماء العقيدة، ولكن هذا القول من قبيل السجود ليوسف عليه السلام، سجود احترام وليس سجود عبادة. وأنا كذلك ممن يهتمون كثيراً بالأمة العربية والوحدة العربية والقومية العربية، من منطلق أن وطنى وقومى أولى الناس باهتمامى ورعايتى، وأتمنى لقومى العزة والقوة والمجد والتقدم بالمفهوم الإسلامى الإنسانى وليس بمفهوم أن هناك شعب الله المختار أو أن ألمانيا أو غيرها فوق الجميع، ولا يوقفنى عن هذا الحب والاهتمام ما يحدث بين بعض الأقوام، وبين بعض البلدان العربية أو الإسلامية من مشاكل وتحديات وأخطاء وتجارب سيئة تزول بزوال أطرافها، وتبقى الأوطان شامخة والقيم عامرة. وأنا أيضاً ممن يحبون الأمة الإسلامية، ويتمنى لأطرافها أو بلدانها أن يكونوا نماذج وقدوة، كما كان عليه النبى صلى الله عليه وسلم، حيث أحب الوطن والقوم والمسلمين بل الإنسانية كلها، ودعا لهم «اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون». وأنا كذلك ممن يعجبون بالأداء الراقى (الإحسان فى الأداء)، خصوصاً الإدارى والتعليمى والبحثى والسياسى فى الجمهورية الإسلامية فى إيران، اتهمنى بعضهم جهلاً أو عمالة بأننى «شيعى»، رغم تصريحاتى العديدة، حتى فى كثير من المؤتمرات فى إيران وغيرها، أننى على مذاهب أهل السنة، رغم اعتقادى الراسخ أن الجميع مسلمون، ولا يزيد ولا يميز السنى عن الشيعى شيئاً، ولا يزيد الشيعى عن السنى شيئاً، إلا بمقدار «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» كمبدأ قرآنى نسيه الناس وتفاخروا بالأنساب والألقاب، ونسوا هذا المبدأ الكريم فى أن يكونوا نماذج يقتدى بها. تقدمت إيران رغم الحصار الغربى الظالم عليها، الذى هلل له بعض العرب جهلاً، استطاعت إيران ألا تقع فى المآزق بل الكارثة التى وقع العرب فيها أو أوقعوا أنفسهم فيها وعلى الأخص أيام صدام حسين، خصوصاً فى العراق وسوريا وليبيا واليمن، بالتأكيد سيقول بعضهم إن إيران أو فارس أو الشيعة هم السبب، وهى تهمة مردودة على أصحابها. استطاعت إيران أن تبرز، بل تقنع الغرب الظالم بأنها قوة إقليمية، وأن الحوار لحل المشكلات أجدى من الصراع، وليت العرب يفهمون هذه الحكمة حتى فى المسائل الحساسة جداً مثل البرامج النووية، الذى دعانى لكتابة هذا المقال، التطورات الأخيرة فى العلاقة بين إيران والغرب، تلك التطورات التى انتهت بإبرام الاتفاق الصادم لبعضهم ممن يركزون على الأحداث اليومية، وتشغلهم تلك الأحداث اليومية عن السياسات والاستراتيجيات العميقة دون حرب أو صراع، رغم أن الصراع لم ينته إلى الأبد، لأن الغرب عندى لا يؤتمن حتى مع الاتفاقيات العديدة والقرارات الأممية، خصوصاً فيما يتعلق بالمصالح الغربية وأمن إسرائيل طالما بقى التخلف، قد يقول بعضهم إن هذه التطورات جاءت فى عهد الرئيس الحالى حسن روحانى وبالتنازلات العديدة، وهذا صحيح، ولكن الذى وضع الأساس للاتفاق، كان حزم الرئيس السابق أحمدى نجاد وشجاعته النادرة، وكثرة تصريحاته حتى فى الأممالمتحدة عن إسرائيل وعن الغرب، مما جعل الغرب يهتم بإيران فى عهد روحانى وينتهز الفرصة، ويسارع بعمل التسوية والاتفاق الصادم لبعض العرب والدول الغربية كذلك. بعضهم يظن جهلاً أو استعلاء، أن الشيعى أحسن من السنى، وبعضهم يظن العكس، وينسون عند إصدار الأحكام القواعد المنضبطة فى القرآن والسنة المطهرة للحكم، وهؤلاء وأولئك ينسون أن مفاتيح الجنة والنار ليست عندهم بل أودعها الله تعالى الملائكة الكرام، أما الكارثة الحقيقية فتكمن فى التكفير الجماعى أو الطائفى، والقتل فى ضوء تلك الفتاوى الشاذة، خصوصاً فتاوى الاستحلال. كنت فى لبنان منذ شهرين فى ذكرى تأبين الأستاذ فتحى يكن، مؤسس الجماعة الإسلامية فى لبنان، ولكنه انفصل عنها فى السنوات العشر الأخيرة لأسباب عديدة ليس هذا مقامها، وكذلك لاهتماماته الوحدوية بين المسلمين (خصوصاً السنة والشيعة) وأبلغنا أحد العلماء المشاركين الشيعة فى تلك الذكرى أنه قد علم من مصادر مسئولة أن هناك بعض الأمور المتوقعة التى ستقلب بعض الموازين فى المنطقة، فانتظرت على شوق للمعرفة، وأعتقد أنه كان يعنى الاتفاق الصادم بين إيران والغرب بقيادة أمريكا (5+1). علينا أن نفهم العالم الذى نعيش فيه ونعلم يقيناً أن الحوار أجدى من الصراع، وهذا الحوار يمكن أن يحل كل مشاكل العرب اليوم «وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِى تَبْغِى حَتَّىٰ تَفِىءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ». والله الموفق