كان الخديو إسماعيل مولعاً بتقليد النمط الأوروبى (دون مضمون) وفى هذا السياق أنشأ مجلس شورى النواب سنة 1866، ولكن فى أى سياق يكتب أحدهم فى 2015 أن مصر ليست فى حاجة إلى برلمان اكتفاء بأن يختار الرئيس مجلساً استشارياً ممن يثق بهم؟! كان إسماعيل مقلداً لأوروبا، فأى دولة يقلدها منافقو 2015؟ ولماذا مصر بالذات دوناً عن المائتى دولة الموجودة فى عالمنا ليست بحاجة إلى برلمان؟ هل يعيدوننا إلى نقطة الصفر؟ عودة إلى نقطة الصفر.. نصّت اللائحة التى أصدرها إسماعيل على أن عدد أعضاء المجلس لا يزيد على 75 عضواً يُنتخبون لمدة ثلاث سنوات، ويتولى انتخابهم عمد البلاد ومشايخها فى المديريات (الذين تعيّنهم الحكومة الخديوية!) وجماعة الأعيان فى القاهرة والإسكندرية ودمياط، واشترطت اللائحة فى العضو أن يكون مصرياً من (المتصفين بالرشد والكمال) ولا تقل سنُّه عن خمس وعشرين سنة وألا يكون قد صدرت ضده أحكام جنائية أو من المحكوم عليهم بالإفلاس أو الطرد من وظائف الحكومة بحكم. ولم يشترط فى العضو العلم بالقراءة والكتابة إلا فى الانتخاب السابع (أى بعد ثمانية عشر عاماً) كما لم يشترط فى الناخبين الإلمام بالقراءة والكتابة إلا فى الانتخاب الحادى عشر (أى بعد ثلاثين عاماً) وقد خمّن الرافعى أن السبب فى هذا أن الخديو كان يعتقد أن هذه المدة تكفى لانتشار التعليم فى البلاد. ونصّت اللائحة على بعض الأمور الشكلية الأخرى كأن يحضر الأعضاء بملابس «الحشمة اللائقة» وأن يكون جلوسهم «بهيئة الأدب».. وهو مجلس استشارى يجتمع شهرين فى كل سنة، وجلساته سريّة، وليس له رأى نافذ فيما يُعرض عليه من الشئون. كان السبب الرئيسى لضعف هذا البرلمان أن إسماعيل نفسه كان ديكتاتوراً لا يعترف بالشورى، ومن أخص صفاته ميله إلى الانفراد بالحكم والاستئثار بالأمر والنهى، وكان نظام حكمه كسابقيه من عصور الحكم المطلق.. وهو ما يؤيد الاعتقاد بأنه حين أنشأ مجلس شورى النواب لم يعتزم التخلى عن سلطته المطلقة، بل أراد أن يجعل منه هيئة استشارية تزيد من رونق الحكم وبهائه. لكن كانت هناك أسباب أخرى لهزال هذا البرلمان، إذ إنه لم تسبقه حركة مطالبة من الأمة (كما حدث مع الثورة العرابية فيما بعد) فجاء فى شكل المنحة، كما أن حصْر الانتخاب فى العمد والمشايخ أسفر عن انتخاب معظم النواب من العمد والأعيان حتى أطلق عليه البعض وصف «مجلس الأعيان»، أما طبقة التجار والصناع فلم يكن لهم إلا تمثيل ضئيل لا يؤثر فى الطابع العام للمجلس.. كما خلا المجلس تقريباً من الطبقات المتعلمة التى تخرجت فى المدارس والبعثات العلمية منذ عهد محمد على.. وبذلك حُرم المجلس من العناصر الحرة المثقفة التى تبعث الروح فى المجالس النيابية. ولم تكن فى البلاد صحافة تطرح المشاكل وتمد النواب بالمعلومات وتنشر المداولات وتستثير اهتمام الشعب بها، فضلاً عن عدم وجود جمعيات سياسية تكوّن مع الصحافة رأياً عاماً يراقب المجلس ويوجهه. فإذا أضفنا إلى ذلك عدم وجود ضمانات نظامية أو قانونية أو قضائية تحمى حرية الآراء وتكفلها، كان طبيعياً أن يكون هذا المجلس بهذا الضعف، وأن يكون له السبق فى وصف «البرلمان الوهمى». وللحديث بقية بإذن الله.