انتشرت في السنوات الماضية ظاهرة انتحار الشباب والفتيات على حد سواء بشكل ملحوظ في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي دفع الباحثون إلى ضرورة البحث عن الأسباب التي تؤدي إلى ذلك. وكشف تقرير صدر عن منظمة الصحة العالمية في سبتمبر 2014 بعنوان "منع الانتحار ضرورة عالمية" عن ترتيب الدول العربية على مستوى العالم من حيث نسبة الانتحار لكل 100 ألف شخص؛ حيث جاء عدد من دول الإقليم في مكانة متقدمة مثل السودان والمغرب وقطر واليمن وموريتانيا وتونس والأردن والجزائر وليبيا ومصر والعراق وسلطنة عمان ولبنان وسوريا، وأخيرًا السعودية. ونشر المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، تقرير الصحة العالمية، والذي ذكر فيه أن مصر لا يمكن اعتبارها من الدول كثيفة الانتحار، بلغ إجمالي حالات الانتحار فيها خلال عام 2014، وفقًا لتصريحات الدكتور هشام عبد الحميد المتحدث باسم الطب الشرعي، 79 حالة فقط، وهو ما يعد رقمًا متواضعًا إذا ما قورن بإحصاءات السياق الإقليمي. وتتعدد أسباب تنامي معدلات ظاهرة الانتحار في دول الإقليم، فمنها ما يرتبط بالعوامل الاقتصادية كالفقر والبطالة، ومنها ما يتعلق بالأبعاد السياسية كالشعور بالإحباط في فترة ما بعد الثورات، فضلا عن تأثيرات الحروب والصراعات المسلحة، وفي هذا السياق، يمكن تلخيص أبرز تلك الأسباب فيما يلي: 1- الفقر والأوضاع الاجتماعية المتدهورة: يُعتبر الفقر وارتفاع معدلات البطالة وما ينتج عنها من عدم القدرة على توفير الاحتياجات المعيشية أحد أبرز دوافع عمليات الانتحار، وتزايد معدلاتها، لا سيما التدهور الاقتصادي الذي شهدته دول المنطقة بعد الثورات العربية، وأكدت منظمة الصحة العالمية أن أسباب انتحار ما يزيد عن 69% من أعداد المنتحرين في المنطقة العربية ناتجة عن ضغوط اقتصادية وبطالة. 2- الإحباط السياسي بعد فشل توقعات ما بعد الثورات: على الرغم مما كان مأمولا من الثورات بأن تفتح مجالات أوسع للحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، فإنه يبدو أن النتائج جاءت عكسية تمامًا، وساءت الأوضاع بشكل ملفت للانتباه، وهو ما دفع إلى تزايد معدلات الانتحار، وخاصة بين الفئات العمرية الشبابية من النشطاء السياسيين. 3- الهروب من الممارسات القمعية للسلطة: في بعض الأحيان تدفع ممارسات الأجهزة الأمنية البعض نحو الانتحار، وهو ما شهدته إيران خلال شهر مايو 2015، حينما انتحرت فتاة كردية تُدعى فريناز خسرواني بعد محاولة أحد ضباط المخابرات الإيرانية اغتصابها في مدينة مهاباد، وانطلقت على خلفية ذلك موجة غضب ضخمة أسفرت عن حدوث اشتباكات بين متظاهرين وقوات مكافحة الشعب، وسقوط عدد من الجرحى. 4- الخوف من الاغتصاب والسبي: ويتركز هذا السبب بشكل أساسي في الحالة العراقية بعد اجتياح تنظيم "داعش" لأراضيها العام المنصرم، وانتشر هذا النمط من الانتحار بين النساء والفتيات الأيزيديات، وفقًا لتقرير صادر في أواخر عام 2014 عن منظمة العفو الدولية، حيث يقدمن على الانتحار خوفًا من تعرضهن لعمليات سبي واغتصاب على يد عناصر التنظيم. 5- الاضطرابات النفسية والعصبية: يظل العاملُ المَرَضِي، لا سيما حالات الاكتئاب الشديد الناتج عن المناخ العام المتوتر في الإقليم والعوامل الوراثية، أحد أبرز أسباب تزايد معدلات الانتحار، فوفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية فإن 90% من المنتحرين حول العالم بسبب الأمراض النفسية، ففي سوريا -على سبيل المثال- أكدت بيانات وزارة الصحة أن معدلات الاكتئاب الشديد أصابت ما يقرب من 30% من السوريين، بينما زادت معدلات الاضطرابات النفسية بنسبة 25% مقارنة بعام 2011، وعليه فإن ما يزيد عن 40% من السوريين يحتاجون إلى دعم نفسي واجتماعي. 6- الهروب من ويلات الصراعات الداخلية المسلحة: وفقًا لتقرير حديث صادر عن مجموعة "جيوسياسي" للاستشارات والمعتمد على البيانات الصادرة عن الأممالمتحدة وعدد من المنظمات الدولية، راح ضحية أربعة أعوام من الصراع المسلح في سوريا أكثر من مائتي ألف شخص، ونزح على إثرها، سواء داخليًّا أو خارجيًّا، ما يزيد عن 12 مليون شخص، وهو ما تسبب في ارتفاع معدلات الانتحار للهروب من الأوضاع الحربية المأساوية في عام 2013 لتصل إلى 60 حالة. 7- الأوضاع السيئة للعمالة الوافدة: لم يعد الانتحار قاصرًا على أبناء الدولة ذاتها، فقد امتد ليشمل العمالة الوافدة، وخاصة في بعض دول الخليج، فعلى الرغم من عدم وجود تقديرات رسمية عن أعداد العمال الوافدين المنتحرين في دول الخليج بسبب سوء الأحوال المعيشية والفقر بعد استغناء أصحاب الأعمال عنهم، إلا أنه لا تزال هناك بعض التقديرات بهذا الشأن وخاصة في البحرين، وأشارت جمعية "حقوق العمال الوافدين" إلى أن إجمالي المنتحرين خلال عام 2013 بلغ 60 حالة انتحار.