لا شىء أصعب من انتظار الموت، قد يأتى الآن أو غداً، لكنه فى النهاية سيأتى، فعندما يصيب السرطان الجسد، يكون الموت مسألة وقت، وفى حى السلام بمدينة كفر صقر بالشرقية، يأتى الموت فيخطف بعض الأرواح ويتأهب لارتكاب نفس الفعل من جديد، باختصار هذا الحى أصابه السرطان، حصد أرواحاً كثيرة ولا يزال، والأسباب بالنسبة للأهالى غير معروفة، إلا أنهم يتهمون 3 أبراج لتقوية شبكات المحمول بالكارثة، وهو ما أكد صحته المتخصصون، ويطالب أهالى القرية المسئولين بسرعة تشكيل لجنة من مديرية الصحة، وأساتذة كلية الطب بجامعة الزقازيق، لدراسة الظاهرة الخطيرة ومعرفة أسبابها للقضاء عليها حرصاً على حياة الأهالى خاصة الأطفال، «الوطن» ترصد فى هذا التحقيق شهادات الأهالى عن المأساة كاملة وتجاهل المسئولين واستمرار الموت. «منذ ما يقرب من 8 سنوات انتشر مرض السرطان بين الأهالى، ووصلت أعداد الحالات لأكثر من 40 متوفى ومصاباً»، بتلك العبارة بدأ صلاح السيد عبدالرحمن، حديثه معنا، وتابع قائلاً: «تقدمنا بشكاوى للمسئولين بقطاع الصحة ومحدش سأل فينا، كأن انتشار المرض بين الأهالى شىء عادى لا يستحق اهتمام المسئولين»، وأضاف: «أصيب والدى السيد عبدالرحمن، 67 عاماً، بمرض سرطان القولون منذ عدة سنوات وظل يعانى من المرض عاماً كاملاً حتى توفاه الله». وتابع «إحنا ناس بسيطة والعيشة غالية، ووالدى رفض يتعالج ورفض مطالبنا له بالذهاب للأطباء، وكان يردد: «أنا خلاص كبرت وأنا عارف إن المرض ده بيموت، وأنا مش خايف من لقاء الله، سيبونى إحنا مش حمل تكاليف علاج مرض زى ده وربنا يعجل بأمره ويختارنى». واستطرد: «عقب وفاة والدى بعامين فوجئنا بإصابة شقيقى الأصغر علاء، 32 عاماً، بمرض سرطان الغدة الليمفاوية، وكان ذلك بعد زواجه بنحو 6 أشهر، وبدأ رحلة العلاج المستمرة حتى الآن منذ عام 2010»، مشيراً إلى أنهم لم يدركوا فى بداية الأمر نوع المرض حيث لم يشخصه الأطباء فى البداية بأنه سرطان، وإنما تم التشخيص بورم فى الغدة، سينجح العلاج فى إنهاء وجودها، وبالطبع ومع استخدام العلاج اختفى الورم قليلاً، ثم عاد للظهور مرة أخرى فقرر الطبيب المعالج استئصال الورم، وأوضح أنه سرطان وبالفعل تم استئصاله ثم حولنا على مستشفى الأورام بمستشفى الزقازيق الجامعى، وبدأ فى رحلة علاج باهظة التكاليف حيث يحصل على 24 جرعة كيماوى، و24 جرعة إشعاع وذلك بتكلفة 5 آلاف جنيه شهرياً، تتحمل منها الدولة 1000 جنيه فقط طبقاً لقرار العلاج على نفقة الدولة. وتقول زوجة شقيقه: «المعاناة مش فى المرض بس، لا ده حتى فى العلاج كمان، إحنا لما بنروح المستشفى عشان جرعة العلاج بننتظر فترات طويلة وممكن نبات لحد تانى يوم لما سرير يفضى والمشكلة مش فى الأطباء ولا التمريض لأنهم بيتعاملوا معانا كويس، إنما المشكلة فى نقص الإمكانيات والأدوية»، لافته إلى أنهم فى أوقات كثيرة يضطرون لشراء أى مستلزمات طبية مثل «السرنجة» على نفقتهم الخاصة، وتابعت: «أنا عاوزة بس ربنا يشفى جوزى عشان خاطر بنتنا اللى مكملتش 3 سنين، وعشان يرتاح من المرض الأليم اللى بينهش فى جسمه ودمر حياتنا اللى كنا لسه بنبدأها»، لافتة إلى أن زوجها ترك عمله بعد أن أنهك المرض قواه وأنهم يعيشون على مساعدات الأقارب والأهالى». ويعود «صلاح» ويواصل كلامه: «ابنى الصغير السيد، 11 سنة، أصيب هو الآخر بورم فى الغدة وتوجهت به للأطباء وفشلوا فى علاجه حتى قررت أذهب لمستشفى (57357) للأورام، وعلى الرغم من انتظارى يومين كاملين كان أحدهما إجازة عيد الفطر الماضى، وفى اليوم الثانى كان عدد المرضى اكتمل، وأبلغنى أحد الموظفين أنهم لا يستطيعون استقبال أى مرضى حتى تمكنت من الدخول فى اليوم الثالث، وبمجرد دخولى يصحبنى ابنى شعرنا بالاطمئنان فالعمل يسير على قدم وساق من أجل راحة المرضى، كما أن كل شىء بالمجان بداية من الكشف والتحاليل والأدوية وصولاً لإجراء عملية ابنى التى تم خلالها استئصال الورم وتبين أن الورم حميد، إلا أن الأطباء أخبرونى بأن الخلايا لا تزال نشطة ويمكن تكوين الورم مرة أخرى وتطور الأمر ليتحول لورم خبيث (سرطان) إذا ما استمرت نفس العوامل المسببة للمرض». ويضيف: «أصابع اتهام الأهالى تشير للإشعاعات المنبعثة من ثلاثة أبراج لتقوية شبكات المحمول الثلاث، والموضوعة فوق أسطح 3 منازل متجاورة ولا يفصل بينها وبين منازل الأهالى أى مسافات وتغذى تلك الأبراج مدينة كفر صقر بأكملها»، مشيراً إلى أنه تم ظهور حالات الإصابة بمرض السرطان عقب تركيب تلك الأبراج واحداً تلو الآخر دون مراعاة ضرورة وجود مسافات تفصل بينها وبين المنازل لتفادى تعرض الأهالى لمخاطر الإشعاعات الناتجة عنها.