يقترب الجندي الأمريكي المدجج بالسلاح بحذر شديد من أحد المعتقلين في سجن "بوكا"، الذي يحوي أخطر الإرهابيين في العالم، يحل الأصفاد من يد أحد المعتقلين ذي الذقن الخفيف، والجسد الضخم، يبتسم السجين في وجه الجنود حوله ليودعهم قائلًا: "نراكم في نيويورك". استغرق الأمر خمس سنوات كاملة ليفهم الجنود ماذا كان يقصد ذلك السجين الشهير ب "أبوبكر البغدادي" بمقولته السابقة، أدركوا ذلك فقط عندما نصب نفسه أميرًا للمؤمنين في مملكته في سورياوالعراق. "الوطن" ترصد قصة صعود دولة داعش منذ البداية وحتى أصبح تنظيمًا يسيطر على مساحة تعادل مساحة بريطانيا العظمي، خلال السطور التالية. - خروج الجيش الأمريكي من العراق.. بداية الصعود: بينما كان آخر جندي عراقي يضع أمتعته على ظهره، ويستعد لمغادرة العراق بعد الغزو الأمريكي في نهاية 2011، كان العشرات من المقاتلين أو ماتبقى من تنظيم القاعدة في العراق، الذي سيصبح عما قليل نواة تشكيل تنظيم داعش، يواصلون تدريباتهم الروتينية في الصحراء الغربية للعراق، ويشنون عمليات لا تتجاوز سيارة مفخخة او استهداف أحد القيادات الشيعية من وقت لآخر، بعد أن حاصرتهم الصحوات القبلية والجيش العراقي المدعوم من الجيش الأمريكي. كانت الأمور في العراق بالنسبة لواشنطن تسير نحو الاستقرار، فمن وجهة نظر الإدارة الأمريكية أصبح الجيش العراقي قادرًا على تولي زمام الأمور وبسط سيطرته على ربوع العراق بعد تسليحه بأفضل الأسلحة التي لديه، لم تكن قلقة من العشرات الذين يختبؤن في الصحراء ويطلقون على أنفسهم تنظيم القاعدة، تحت إمارة أبوبكر البغدادي، الذي أطلق سراحه من سجن بوكا في 2009. - اقتحام سجن بغداد.. التنظيم "أنا موجود": في منتصف يوليو عام 2013 كان التنظيم جاهزًا للقيام بعملية كبيرة تتمثل في اقتحام سجن بغداد المركزي وتهريب كل من فيه من المساجين، بالإضافة إلى قتل عدد كبير من رجال الشرطة المكلفين بحماية السجن، لتبدأ ملامح التنظيم تتشكل رويدًا رويدًا، وفي الوقت نفسه أرسل أبوبكر البغدادي عدد من رجاله إلى سوريا التي أندلعت فيها ثورة، ليشاركوا المعارضة في القتال، ويصبحوا بعد أشهر قليلة من أكبر القوى الفعالة المقاتلة لبشار الأسد رغم قلة عددهم وضعف عتادهم. - التنظيم يسيطر على مدن في الرمادي: تبلورت قوة تنظيم "داعش" وبرزت أمام الجميع مطلع العام الماضي، عندما قام الجيش العراقي بهدم خيم المعتصمين في الرمادي، وقتل عدد منهم، حيث وجدت عناصر التنظيم في هذا الحادث الذي أغضب السنة هناك فرصة للظهور، فقاموا بالانتشار في مدن الرمادي، وسط ترحيب من المواطنين، واشتبكوا مع الجيش العراقي الذي لم يصمد طويلًا، حتى انسحب بشكل كامل من هذه المدن، معلنًا سيطرت التنظيم الذي بات يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، على كامل الأحياء. - سقوط الموصل في يد داعش: في الساعات الأولى من يوم 9 يونيو، كانت الخطة جاهزة، وهي الثأر لمقتل أحد قيادات داعش بمهاجمة المقار الأمنية واقتحام السجون في الموصل، على غرار ماحدث في بغداد في عملية اقتحام السجن المركزي، انطلق 1800 مقاتل من التنظيم نحو المدينة، وبعد أن أشرقت الشمس بقليل كان في قبضة التنظيم معظم مقرات الشرطة الاتحادية في الساحل الأيمن من المدينة، ليغير خطته بشكل سريع ويحولها من الثأر لقيادته إلى احتلال كامل لمدينة الموصل. انهارت الأجهزة الأمنية وانسحب الجيش تاركًا خلفه العشرات من المجنزرات والآليات العسكرية، تاركًا الطريق مفتوحًا أمام داعش للسيطرة بالكامل على المدينة، لينضم إليهم المئات من الهاربين من السجون والساخطين على الشيعة والحكومة العراقية، ليواصل المسلحون تقدمهم جنوب نهر دجلة، وسيطرت على مدن القيارة والشرقاط والحويجة وتكريت. - التنظيم ينشئ دولته: أصبح التنظيم الإرهابي الآن يسيطر على الموصل وأجزاء كبيرة من محافظة صلاح الدين في العراق، إضافة إلى مدينة الرقة كاملة، وأجزاء من حلب ودير الزور ودمشق وحماة وحمص، ليعتلي خليفته المنبر في أحد المساجد بمدينة الموصل ويلقي خطبته ويتلقى البيعات أميرا للمؤمنين، فيما تقوم المجنزرات بهدم الحدود بين سورياوالعراق، ويعلن المتحدث باسم التنظيم أبومحمد العناني دولة الخلافة، وأن التنظيم بات يحمل اسم "الدولة الإسلامية"، وذلك في 29 يونيو عام 2014. الصورة التي رآها أخيرًا المفكر الألماني الدكتور يورغن تودنهوفر، وهو الغربي الوحيد الذي حصل على وثيقة موقعة من زعيم تنظيم الدولة الإسلامية داعش أبو بكر البغدادي للسماح له بالدخول للمناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم والتحاور من قياداته وجنوده، جعلته في النهاية يتحدث بكل ثقة أن "داعش" ليست حركة أو تنظيم وإنما هم دولة ناشئة ويسيطرون على مناطق بحجم بريطانيا العظمى.