وزير الكهرباء يلتقي بمسئولي "روسآتوم" و"آتوم ستروى" لبحث التعاون المشترك    حصاد مجلس النواب خلال الجلسات العامة 11 - 12 مايو 2025    جولات مفاجئة ل«أوقاف الإسكندرية» على المساجد لفرض الانضباط وضبط المنظومة الدعوية    محافظ قنا يترأس الاجتماع التأسيسي الأول للمجلس الاقتصادي الاجتماعي لتعزيز التنمية المحلية    سعر الحديد اليوم الجمعة 16 -5-2025 الطن ب 40 ألف جنيه    سفيرة الاتحاد الأوروبي تشيد بدور مصر في القضية الفلسطينية    توريد 499769 طنا من الأقماح المحلية لشون وصوامع محافظة الشرقية    وزير الخارجية: توافق عربي بالقمة ال34 ودعم لخطة إعمار غزة    الإمارات تهدي ترامب "قطرة نفط واحدة".. والأخير ساخرا: لست سعيد بذلك    الاتحاد الأوروبي يعد حزمة جديدة من العقوبات ضد روسيا    استطلاع صادم ل نتنياهو.. تراجع حاد في شعبية الليكود والمعارضة تتقدم ب62 مقعدا    لابورتا: اقتربنا من تجديد عقد فليك.. ويامال عبقري    «10 مليون دولار!».. مدرب الزمالك السابق يكشف مفاجأة بشأن عدم بيع زيزو    تأكيدًا ل أهل مصر.. الزمالك يُعلن حل أزمة القيد    ضبط 8 قضايا مخدرات وتنفيذ 610 أحكام قضائية في حملات أمنية بدمياط وأسوان    مصرع وإصابة 23 عاملًا بينهم أطفال في انقلاب سيارة بالوادى الجديد    سوهاج.. إصابة 5 أشخاص بينهم طفلان وسيدة في تصادم سيارة بتوكتوك    فيلم مصري يفاجىء أبطاله.. حقق إيرادات 171.4 مليون جنيه في 44 يوم    رئيس مهرجان Sitfy poland للمونودراما يجتمع بأعضاء لجنة التحكيم.. صور    وفد القومي لحقوق الإنسان يتفقد مستشفى الصحة النفسية والعصبية بالعباسية    تحركات خارجية بارزة.. زيارتا اليونان وروسيا تتصدران نشاط الرئيس السيسي في مايو (فيديو)    الشعبة العامة للمستلزمات الطبية تناقش الإثنين المقبل مشكلات القطاع مع هيئتي الشراء الموحد والدواء المصرية    منازل الإسرائيليين تحترق.. النيران تمتد للمبانى فى وادى القدس    وفاة طفل وإصابة اثنين آخرين نتيجة انهيار جزئي لعقار في المنيا    الأمن الاقتصادي يضبط 4323 قضية سرقة تيار كهربائي    بث مباشر.. نقل شعائر صلاة الجمعة من الجامع الأزهر    موعد بدء إجازة نهاية العام الدراسي لصفوف النقل والشهادة الإعدادية في القليوبية    عبدالناصر فى «تجليات» الغيطانى    بسنت شوقي تكشف عن حلم حياتها الذي تتمنى تحقيقه    رامي جمال بعد الانتهاء من ألبومه: محتار في الاسم وعايز رأيكم    كاف يكشف عن تصميم جديد لكأس لدوري أبطال إفريقيا    وزير النقل يتابع تنفيذ خط السكك الحديدية "بئر العبد - العريش"    فحص 1259 مواطنا في قافلة طبية ببني سويف    الإسكان: قرارات إزالة لتعديات ومخالفات بناء بالساحل الشمالي وملوي الجديدة    أسعار الأسماك في بورسعيد اليوم الجمعة 16 مايو 2025    عدوان متواصل على سلفيت.. الاحتلال والمستوطنون يحرقون منازل ومركبات ويعتقلون السكان    شبكة عالمية تحدد ترتيب الأهلي ضمن المرشحين للفوز بكأس العالم للأندية    جماهير برشلونة تحتل الشوارع احتفالا بلقب الليجا    بعد استثنائها من الدخول المجاني.. أسعار تذاكر زيارة متاحف «التحرير والكبير والحضارة»    مفتى الجمهورية: الحج دون تصريح رسمي مخالفة شرعية ومن يفعل ذلك "آثم شرعا"    حبس متهم بالتعدى على طفلة فى مدينة نصر    حال الاستئناف، 3 سيناريوهات تنتظر نجل الفنان محمد رمضان بعد الحكم بإيداعه في دار رعاية    مواصفات امتحان اللغة العربية للصف الأول الإعدادي الترم الثاني 2025    الصحة: خبير من جامعة جنيف يُحاضر أطباء العيون برمد أسيوط    طريقة عمل السمك السنجاري فى البيت، أحلى وأوفر من الجاهز    هل يجوز تخصيص يوم الجمعة بزيارة المقابر؟ «الإفتاء» تُجيب    بكلمات مؤثرة.. خالد الذهبي يحتفل بعيد ميلاد والدته أصالة    راشفورد لن يواجه مانشستر يونايتد    رئيس رابطة محترفات التنس يحدد موعد تقاعده    لاعب المغرب: نسعى لكتابة التاريخ والتتويج بأمم إفريقيا للشباب    البلشي: 40% من نقابة الصحفيين "سيدات".. وسنقر مدونة سلوك    د. محروس بريك يكتب: منازل الصبر    توقفوا فورا.. طلب عاجل من السعودية إلى إسرائيل (تفاصيل)    نشرة التوك شو| حجم خسائر قناة السويس خلال عام ونصف وتحذير من موجة شديدة الحرارة    هل الصلاة على النبي تحقق المعجزات..دار الإفتاء توضح    هل يمكن للذكاء الاصطناعي إلغاء دور الأب والأم والمدرسة؟    25 صورة من عقد قران منة عدلي القيعي ويوسف حشيش    دعمًا للمبادرة الرئاسية.. «حماة الوطن» بالمنيا يشارك في حملة التبرع بالدم| صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«آمال».. دفعها جهل والدتها ل«تعليم الكبار»
نشر في الوطن يوم 27 - 06 - 2015

أوقفوا عقارب ساعاتهم ليقف قطار العمر عند سن السابعة، وقت بداية تعلم الأشياء، وتحسّس المواقف، والاطلاع على لغة البشر، بعيداً عن كتب سُطرت فيها معلومات غير ملمين بتفاصيلها، فلا يقدرون على نطق أحرفها أو تقدير معناها، بالكاد يتعرّفون على الحياة من خلال خبرات ارتسمت على تجاعيد وجوههم وتشققات كفوفهم المرتجفة حين تمسك بالقلم والورقة، محاولين رسم ملامح مستقبل سنوات قليلة متبقية فى حياتهم، بالحصول على شهادات تفيد باجتيازهم عهود الظلام إلى رحابة النور. فى صراع مع الزمن، يبدو أنهم، رغم تجاوز أعمارهم الستين بسنوات، لا يلتفتون إلى ما فاتهم، يحاولون عبور جسور العلم بعد أن ارتمت عليهم الحياة بجهلها، ولكل منهم علته، فهذه امرأة فاتها قطار العمر والتعليم، وكانت بالأمس القريب أمّاً ثم جدّة، فبحثت عن عائل من نوع آخر، وكان الكتاب الذى استندت إليه من غدر الدهر بعد انعزال الأبناء عنها، وانطوت على نفسها منغمسة فى عبادات كانت محرومة منها فى ظل أميتها السابقة، وهذا رجل كهل خاض تجارب قاسية مع الجهل، كان رب أسرة يتخبّط فى مشقات الحياة، يتوارى وراء عضلات يستخدمها لكسب الرزق وإنجاب أبناء يكملون المصير نفسه ويتخذون الجهل ميراثاً.
سنوات ثقيلة مرت على «فاتن عبده» تتألم من ضنك العيشة، فالزوج الذى كان يعمل فى شركة رحلات، أصابه مرض أقعده فى المنزل، قوت السيدة، التى أتمت ال60 منذ أيام، من صدقات الجيران والأقارب، نظراً لحرمانها من فرصة استكمال التعليم: «خرجت من سنة أولى ابتدائى علشان ماحبتش المدرسة، وعيلتى فرحت، همّ واتشال من عليهم»، الأيام قست عليها وأحكمت قبضتها، فتمنت الموت ألف مرة، عاشت فى منزل يسكنه عائل مريض بالكبد وحفنة أبناء أشقياء تمنت ألا يلقوا مصيراً مماثلاً لها: «عيالى طلعوا مش متعلمين بسبب قلة الفلوس».
جهل الأم وقف حائلاً أمام احتياجها إلى العمل فى ظل رغبتها فى الإنفاق على الأبناء «كل ما أطلب شغلانة فى وقتها من 35 سنة، يقولوا لازم الشهادة، أنا باعرف أفك الخط»، شعور بالضيق والمهانة انتهى بقرار الرضا بما تيسر، كبر الأبناء واستقل كل منهم بحياتهم وتوفى الزوج، وبقيت رهينة الجهل: «خلاص مش عايزة أشتغل، بس على الأقل معايا شهادة، علشان محدش يضحك على».
«آمال صالح قطب» تطوعت بإحدى الجمعيات الخيرية بفصول الهيئة القومية لتعليم الكبار، خاضت معارك فى منزلها للتفرّغ لهذه المهمة التى اقتطعت لها 8 ساعات يومياً: «أمى كانت غير متعلمة وعانيت من المأساة دى، فقررت أعلمها فى فصول محو الأمية، وأنزل معاها أعلم الناس اللى فى سنها»، الفتاة التى حصلت بالكاد على دبلوم التجارة غيّرت مسار حياتها: «نحمد ربنا، بقيت مدرسة فى فصول محو الأمية».
الفتاة جالسة على مقربة من منضدة خشبية، تشرد محاولة استرجاع صورة والدتها الكادحة التى كانت تعمل نهاراً وتعود فى المساء لتتولى مسئولية حثهم على الاستذكار، «أمى كانت جاهلة صحيح بس أنا أهوه برد لها الجميل، بتتعلم على إيدى زى ما علمتنى فى صغرى»، يكتنف خلجاتها الفخر كلما قطعت والدتها شوطاً فى التعليم على يدها، «مش هخليها تسيب التعليم غير لما تاخد الإعدادية، دلوقت بتقرا وتكتب بشكل جيد».
للعام الثانى على التوالى تخرج من فصلها عشرات العجائز سناً، والشباب قلباً، ممن تسلموا شهاداتهم فى فصول محو أمية بالجمعية التى تنتمى إليها، «دى تانى سنة لى، اتخرج حوالى 34 شخص سنهم من 60 إلى 87 سنة، كلهم يواظبوا فى الحضور والامتحان، ولكل واحد هدف فى التعليم فى السن دى».
«كل دورة على غرار الفصل الدراسى لها مناهج مختلفة تخلو من الحساب واللغات» بحسب آمال، مضيفة «الفصل الواحد فيه عدد من 8 إلى 12 طالباً تخطوا السن أو من المتسربين من التعليم، 4 دورات كل سنة، فى نهاية كل واحدة امتحان شفهى وتحريرى تابع لهيئة تعليم الكبار، والمناهج فى منتهى السهولة»، وأبدت حزنها من عدم اهتمام الوزارة بتطوير المناهج، «الكتب أغلبها تافهة فى المواد التعليمية، محتاجة تعديل وتجويد».
الالتحاق بفصل محو الأمية وتعليم الكبار كان حصنها ضد عوز الزمان، لم تخل من معاناة أخرى مع أبنائها لرفضهم التعليم، «هما اللى اتعلموا أخدوا إيه؟»، وجهة نظر فلذات أكبادها التى أصابتها بالصدمة، فقررت أن تلقنهم درساً فى أهمية التعليم، «قلت أذاكر معاهم فى البيت علشان يتشجعوا هما كمان وياخدوا لهم شهادة»، «زينب هاشم» سيدة خمسينية، التحقت بقطار التعليم مؤخراً، بعد يئسها من أبنائها غير الراغبين فى التعليم، «نفسى أحمد يطلع دكتور، ومحمد يطلع مهندس»، دعوات الأم المكلومة «ابنى الكبير فى تانية إعدادى والصغيرة فى أولى إعدادى، بياخدوا السنة فى سنتين، ومش ملتفتين لشهاداتهم».
يحدث نفسه عن عمر مضى فى جهل وظلام، لم يحرص على إلحاق أبنائه بالمدارس، «البلد كلها فلاحين»، لم يشعر الرجل الستينى بالندم إلا حين عاش حياة مشابهة لكل أهالى قريته فى سمالوط بمحافظة المنيا، تزوج فأنجب، زرع وحصد، لم يخطر بباله أن العلم قوة، ودرع وسيف للزمان، تتردد هذه العبارات فى التلفاز فيأخذها بمأخذ المزاح.
«بعرف أبصم، وأعد من 1 ل10»، بصوت صعيدى جهورى، يتباهى الرجل الستينى بما تيسر له من التعليم، لكن محاولة الاحتيال عليه تبقى الغصة التى عكرت عليه صفو حياته، «رحت قسم الشرطة وبلغت عن النصاب لكن بعد فوات الأوان»، ومثلما حدث مع الفنان الراحل إسماعيل ياسين فى فيلم «العتبة الخضرا» أعاد «محمد الطيب» التجربة إلى قريته «كان هيبيع لى حتة الأرض اللى حيلتى، بتمن قيراطين».
وبما أن القانون لا يحمى المغفلين فإنه لا يعترف أيضاً بالجهلاء، «علشان ببصم أقضى بقية حياتى فى السجن، أخدت 6 شهور وطلعت بكفالة، وضاعت الأرض»، السبب الذى دفعه للتوجه إلى فصول محو الأمية التابعة لجمعية «صناع الحياة»، ولم يكتف بذلك بل حث أبناءه على اتخاذ نفس المسلك مع الأحفاد، «عندى 16 حفيد، لحقوا المدرسة فى الآخر، علشان ما يتنصبش عليهم».
بدا الجميع داخل أحد فصول محو الأمية مجتمعين على هدف واحد، «اقرأ» أول كلمات القرآن الكريم، الذى يحفظه عم «على حسن» عن ظهر قلب، لكنه وحتى هذه اللحظة لا يعلم معنى معظم الآيات التى وردت فيه، يرددها ويتلوها بصوته العذب الملىء بالشجن، تدمع عيناه، يعاود محاولة فهمها، «ماليش ذنب أهلى خرجونى من المدرسة قبل ما آخد الابتدائية، وعلى أيامنا التعليم فى الفلاحين كان على ما تفرج».
الرجل السبعينى يدرك سنوات عمره بصعوبة بالغة، «هو أنا مواليد الأربعينات، بس مش عارف إمتى بالضبط، الناس زمان كانوا جاهلين ما بيحبوش يسجلوا العيال بشهادات ميلادهم»، الجهل يورث فى القرى، وفيما يذكر كان سبباً فى إصابة شقيقين له بأمراض مختلفة، «اتولدت فى مركز أبوكبير الشرقية، وعشت فيه طول عمرى، لكن معرفش إيه اللى خلانى أفكر فى تعليم عيالى اللى اتحرمت منه زمان»، يسترجع عم «على» وقت أن كان فى الثامنة من عمره، وإلحاحه على والده لحفظ القرآن والوقوف فى مسجد قريتهم للخطبة فى الناس، «أول ما اتفتحت فصول محو الأمية فى البلد رحت على طول قدمت فيها».
ووسط نماذج من عتمة الجهل وتبعاته على المجتمع، من فقر وتراجع فى معدلات التنمية، تتبنى الدولة والأفراد والمؤسسات الاجتماعية مبادرات وحملات قومية لمحو أمية الكبار، محاولات حثيثة تمخض عنها جهل وراء جهل، إذ بلغت نسبة الأمية، بحسب إحصائيات حديثة للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، 17 مليون نسمة بإجمالى 24% من سكان مصر، معظمهم ممن تجاوزوا سن الستين.
«ياسمين حسن» متطوعة بإحدى الجمعيات المجتمعية المهتمة بمحو أمية الكبار، تعتبر أهم أسباب الفقر وقلة الحيلة فى المجتمع هو الجهل فى المقام الأول «لو كل أم حصلت على قسط كافى من التعليم، من الطبيعى إنها هتكون حريصة على تعليم أولادها»، الفتاة التى لم تتجاوز ال17 بعد، تمسك بالطبشور وتخط الحروف الأبجدية على السبورة، وتحيط بها طالبات العلم فى الستين من أبناء مناطق شعبية وقادمات من قرى بعيدة، «موجود فى الجمعية 5 فصول محو الأمية، من 10 إلى 15 شخص، نصفهم قدموا بشهاداتهم للحصول على الإعدادية، منهم والدتى، وعدد من أقاربى».
«الإمكانيات اللى توفرها وزارة التربية والتعليم محدودة جداً» قالها «ثابت بشير» رئيس إحدى الجمعيات الاجتماعية، مطالباً بتهيئة ظروف الفصول والمدرسين الذين يتقاضون أجوراً رمزية علاوة على الكتب، بحسبه «باقى المستلزمات فى الفصول بنجمعها بصورة تطوعية من أهالى المنطقة، بنوفر الأقلام والكشاكيل ونشرات التوضيح للكتب، وكل سنة الهيئة بتفتح مدرسة جديدة فى إحدى المناطق الشعبية أو النائية، لكن بالطبع غير كافى لاستيعاب العدد الإجمالى، خاصة فى ظل قلة عدد الميسرين، أى المدرسين القائمين على إنجاح عملية محو الأمية».
ووفقاً لبروتوكول تعاون بين الجمعية وهيئة تعليم الكبار، تم افتتاح 6 فصول للمتسربين من التعليم، تبلغ نسبة المتقدمين فيها ممن تجاوزوا الستين حوالى 10%، لأسباب يعللها «نظرة المجتمع للرجال أو النساء من كبار السن الراغبين فى الالتحاق بالفصول مخجلة فى معظم الأحيان، والحالات تحاول التعلم وفقاً لظروف طرأت على حياتها فجأة، أو الفراغ أو عقدة نفسية من التعليم فى الصغر، يتداركونها فى كبرهم».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.