اهتمامنا بقضية محو الأمية قلّ عن زمان حين كان الاستاذ عبدالبديع قمحاوى الله يرحمه نجما إذاعيا تخصص فى برامج محو الأمية وكان هناك برنامج شهير لنفس الغرض ينادى «ياللى اتحرمتوا من التعليم إذاعتنا ناوية تعلمكوا من خلال ورقة وقلم ومراية» ويبدو أننا قد قضينا على هذه المشكلة العويصة والحقيقة أنها زادت حدة وكثر عدد الأميين فى بلدنا على 16,5 مليون وبنسبة 26% من مجموع الأفراد الذين يبلغ أعمارهم عشر سنوات فأكثر 18,8 بين الذكور و33,6 بين الإناث وقد تسرب من التعليم هذا العالم 21 ألف تلميذ وتلميذة فى محافظة أسيوط وحدها!. ويسعى المجلس القومى للمرأة لإنشاء فصول لمحو الأمية ومنع التسرب من التعليم فى المحافظات ولكى ينجح فى تحقيق الهدف لابد أن يشعر المجتمع المدنى بمسئوليته فى هذا المجال وعلى الجمعيات الأهلية أن تساند الأجهزة التنفيذية فى المحافظات فى مجال تطوير العشوائيات وفتح المدارس لمحو الأمية. وتحاول هيئة محو الأمية وتعليم الكبار أن تقلل أعداد الأميين لنصل للقضاء على هذه الظاهرة فتتبع التعاقد الحر مع مدرسين من داخل القرى لمحو أمية أهاليهم وأقاربهم لكنها تضع العقدة فى المنشار، فالمتقدم لمحو أمية يجب ألا يقل عمره عن 16 سنة ولايزيد على 35 ولا أعرف لماذا هذا الشرط إذا كان 65,1 من الأميين فى مصر فوق سن الستين وتشترط الهيئة ألا يقل عدد المتقدمين لمحو أميتهم عن مائة شخص ولايزيد على 200 ولا أعرف سببا لذلك أيضاً ولو أن قرية صغيرة فيها 90 أميا فهل يستحيل محو أميتهم؟!.. وتشترط الهيئة عدم عقد الامتحانات فى المنازل وإلا حرم المدرس من المكافأة إذا كانت الهيئة تصرح بأن المدرس يمكن أن يمحو أمية أقربائه وأهله. وفى الريف من الصعب أن تختلط المرأة بالرجل فى فصل مدرسى فما المانع من أن تتم العملية التعليمية كلها فى البيت؟ والعبرة بالنتائج، ومن المؤكد أن المرأة الريفية فى حاجة أشد إلى مجهود ونشاط هيئة محو الأمية وتعليم الكبار لأن41% من عددهن تعانين من الأمية مقابل 24,2% فقط من نساء الحضر. وفى مصر عدد من كليات التربية تابعة للجامعات الحكومية يدرس طلبتها مادة «تعليم الكبار» بجانبيها النظرى والتطبيقى فلماذا لايكون التدريب العملى لطلاب السنوات النهائية مخصصا للتدريس فى فصول محو الأمية ؟! وتحسب لهم كأعمال سنة عن هذا النشاط؟ ولماذا لا تعود سنة «الخدمة العامة» ليمحو شباب الخريجين أمية المصريين؟. والأميات ثلاث هجائية وثقافية ومعلوماتية، والأميون فى الهجاء تتعدى نسبتهم 40%. أما عن الأمية الثقافية فحدث عنها ولا حرج، فالكل - إلا من هدى ربى - قاطع القراءة واستسهل متابعة القنوات الملونة والثقافة لاتكون إلا بالقراءة الدائمة والمستمرة والمتجددة. أما الأمية المعلوماتية فهى نتيجة لعدم معرفة التعامل مع الكمبيوتر، فالحاسب الآلى يقضى على الأمية الحاسوبية. محو الأمية قضية قومية ملحة وعلينا أن ندرس تجارب الدول التى نجحت فى القضاء عليها مثل ماليزيا والصين وتونس وغيرها ومحو الأمية قضية شرعية عند المسلمين فعندما انتصروا فى يوم بدر أسروا 70 من المشركين وعدوا من أغنياء قريش وكان فداء الأسير 120 دينارا. أما العباس بن عبد المطلب - عم الرسول علية الصلاة والسلام فكان فداؤه الضعف أى 220 دينارا فقد كان أغنى أغنياء قريش، أما من لم يستطيع أن يفدى نفسه لفقره وكان يعرف القراءة والكتابة فقد فرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلّم عشرة من أهل المدينة. فأول من استشعر خطر الأمية على المجتمع كان رسولنا الكريم وسعى للقضاء عليها فهى قضية شرعية أولى أن يهتم بها الداعون لتطبيق الشريعة من تيار الإسلام السياسى وخاصة من منهم عضو باللجنة التأسيسية للدستور، إنها قضية تهم المجتمع المسلم اكثرمن قضايا زواج القاصرات والصبايا أو تحريم الفنون. الأمية سبب أساسى فى أن تتخلف مصر عن ركب الحضارة.