يسحب كرسيه الخاص، متجهاً إلى شرفة شقته المطلة على بحر الإسكندرية، المدينة التى كان يعشقها ويفضلها على سائر المدن، هنا دائماً ما تكون البدايات الأولى فى الكتابة، كلما جاءت إلى أذهان عقله فكرة تصلح لكتابة عمل جديد، يذهب بمفرده حتى يستقل بنفسه، فيبدأ الكاتب الكبير فى وضع سطور جديدة لعمل فنى، يلتف حوله الناس أمام الشاشات فى شهر رمضان. «أسامة أنور عكاشة» الكاتب الراحل، الذى تعلق اسمه وأعماله الفنية بالشهر الكريم، من «ليالى الحلمية»، «زيزينيا» و«المصراوية» وغيرها من مجموع 43 مسلسلاً، تكون لدى الجمهور المصرى والعربى، عملاً فنياً مكتملاً يفرض نفسه على الناس. بدأت علاقة «عكاشة» بالدراما التليفزيونية عندما قام الأديب سليمان فياض بتحويل إحدى القصص القصيرة التى كتبها «عكاشة» إلى سهرة درامية، ومن ذلك الحين توالت كتابة الأعمال الدرامية ل«عكاشة» التى حققت نجاحاً كبيراً فيما بعد. كان مولده عام 1941 فى مدينة طنطا ثم انتقل إلى العيش مع عائلته فى كفر الشيخ، لكن منذ العام السادس من عمره توفيت والدته، كان ذلك بمثابة الحرمان من الحب، الحب الذى تحدث دوماً عنه قائلاً «أنا قلبى زى الموبايل، والحب هو بطارية الشحن، بدونها يتوقف عن العمل، فأنا لا أستطيع الحياة دون حب، فهو شعور يعنى لى البقاء»، دائماً كان هو الباحث عن الحب والحنية، حتى خلق حرمانه من والدته طاقة من الحب لجميع الناس من حوله، تروى الإذاعية نسرين عكاشة ابنة، الكاتب الكبير، عن علاقته بوالدتها قائلة «هو دائماً كان بيقول إن وفاة أمى هى اللى عملت أسامة أنور عكاشة، دى كانت السبب الأساسى فى تشكيل شخصيته ودماغه». تقول «نسرين»: كان أسامة أنور عكاشة شخصية حالمة طوال الوقت، وكانت له حالة خاصة عند كتابة عمل جديد، يجلس بمفرده ولا يحب الإزعاج، يحاول قبل الكتابة أن يعطى لنفسه جرعة من المرح، قائلة «كان يفتح نفسه على الشغل، يلعب مع أحفاده أو يتفرج على التليفزيون، وبمجرد ما دخل فى مود الكتابة، يدخل مكتبه ومعاه الشاى ويبدأ يكتب، وفى هذه اللحظة، يذهب وحده إلى عالم منفرد بنفسه، وخيال لا يحب أن يعود منه، بصحبة صوت «فيروز» الذى كان يعشقه». فى أحد الحوارات الصحفية قال «من الصعب على المؤلف أن يكتب مسلسلاً خالياً من السياسة، وإذا حدث فهو مسلسل خال من الموضوع وخال من الدسم، لا يوجد شىء بعيد عن السياسة، فعندما يكتب المؤلف عن قصة حب رومانسية جمعت بين ولد وبنت، فهذا من صميم السياسة». كان المخرج الراحل إسماعيل عبدالحافظ هو أقرب أصدقائه من الوسط الفنى، والفنان الراحل عمار الشريعى، فيما كان معظم أصدقائه المقربين منه من خارج الوسط الفنى، وارتبط بصداقة مع عدد من الفنانين مثل «يحيى الفخرانى، نبيل الحلفاوى، سيد عبدالكريم» وبعض من الصحفيين. فى آخر برنامج تليفزيونى للراحل أسامة أنور عكاشة سأله الناقد طارق الشناوى «لو أنك مسافر إلى رحلة الخلود ووضعت فى حقيبتك كل مسلسلاتك البالغ عددها 43 مسلسلاً، ولكن المسئول عن إنهاء الإجراءات طلب أن تتخلص من ثلاثة لأن الوزن زائد» فأجاب «عكاشة» إنه سوف يترك الحقيبة كلها ويصعد إلى الطائرة غير مثقل بهذه الأحمال، ويكتب هناك فى عالم الخلود من أول وجديد. تقول «نسرين» إحنا 3 بنات وأخينا المخرج الراحل «هشام عكاشة»، كان والدى يحبنا ويحب والدتى حباً شديداً، كان رجلاً شرقياً، وفى بعض الأحيان «سى السيد»، وفى الأيام الأخيرة من حياته كان يشعر أنه سوف يذهب إلى عالم آخر، لم يكن يخاف من الموت، فكان قوياً وعنيداً، لكنه كان يخاف من ألم الفراق.