سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
خبراء المياه: عشوائية التعامل وغياب الرؤية سبب فشل السيطرة على البقعة الزيتية د. مغاورى دياب: غياب التنسيق بين الجهات المسئولة أفقدهم إحكام القبضة عليها
بقعة زيتية تجاوزت مساحتها خمسة كيلومترات.. تفترش مياه نهر النيل، يقف الجميع حائرين.. لا أحد يمتلك استراتيجية لمواجهة تلك الكوارث، ولا أحد باستطاعته أن يغير شيئاً فى قدر النهر، فالبقعة تفترش المياه بكل قوتها، تحركها التيارات يمينا ويسارا، تأخذها الرياح فى طريقها للأمام، فتعبر البلاد والمحافظات والقرى بسرعة غير مسبوقة، يقف معها المسئولون موقف المتفرج، جميعهم تمتلكهم فكرة واحدة لمواجهة البقعة وسطوتها، وهى غلق محطات المياه الرئيسية طوال فترة وجود البقعة، لحين عبورها بسلام، وتخطى الأزمة بقطع المياه أفضل من تجاوزها بوسائل غير مضمونة، ترتجف الأيادى فى كل مرة لكنها فى كل بلدة تكتب نفس النهاية لتلك البقعة «تنقطع المياه لتمر البقعة دون أدنى خسائر». تصرف عام توحدت عليه كل الجهات المسئولة فى مواجهة الأزمة وهو ما وصفه الخبراء ب«العشوائية»، مشيرين إلى أن الأزمة الحقيقية تكمن فى كيفية التعامل مع تلك المواقف، خاصة أن تكرار حدوثها وارد، بخلاف أنها ليست المرة الأولى التى تحدث فيها تسريبات لبقع زيتية فى نهر النيل، ويؤكد الخبراء أن «بقعة الزيت» كشفت أن شيئاً لم يختلف عن تعامل النظام السابق مع الأزمات، فاتسمت بالعشوائية وغياب الرؤية، على حد تعبيرهم. يقول الدكتور مغاورى دياب، رئيس الجمعية العربية للمياه الصحية: «لا يزال ينقصنا فن التعامل مع تلك الأزمات، خاصة فيما يتعلق بالبقع البترولية فى مياه نهر النيل»، واصفاً التعامل معها ب«البسيط»، مشيراً إلى أنه لا توجد آلية للتعامل مع تلك المواقف بصورة منظمة ومدروسة، وذكر «دياب» أن «الأزمة الحقيقية التى جسدتها بقعة الزيت، هى تعدد الجهات المسئولة وتفرقها فى آن واحد، فالقرارات تصدر بصورة فردية، ولم يحدث أن خرج مجلس الوزراء يشرح لنا ماذا حدث، أو كيف جرى التعامل معه، وإنما يأتى التعامل معها بشكل إعلامى ودعائى، أكثر من اتباع الأسلوب العلمى». وتابع دياب قائلاً: «هناك مواد كيماوية تستعمل لتتحول البقعة على شكل «بوليمرات» يتم تجميعها وانتشالها، وهى غير ضارة، ولكنهم لم يتعاملوا بهذه الطريقة، ولجأوا إلى وزارة البترول مؤخرا، فازدادت البقعة اتساعا وتفرقا فى النيل»، واعتبر دياب الأزمة الحقيقية التى تسيطر على أسلوب الإدارة بشكل عام فى إلقاء المسئولية على الجهات الأخرى، بصورة بدا معها المسئولون «أكثر ارتباكاً»، وتدل على عدم وجود مخطط علمى لمواجهة الأزمات. من جانبه، قال الدكتور عبدالفتاح مطاوع، الباحث بمركز بحوث المياه: «إن مثل تلك الأزمة حدثت من قبل، وسيتكرر حدوثها طالما أن هناك مصانع تلقى بصرفها فى النهر، وشاحنات ومراكب تمر عبر النهر ذهاباً وإياباً»، لافتاً إلى أنه لا توجد دراسات للتنبؤ بمثل تلك الأزمات، كما أنه لا توجد مخططات لمواجهتها، وإن وجدت «لا يتم تفعيلها»، مشيراً إلى أن الأجهزة المعنية تعمل «بكفاءة منخفضة» وهو ما جسده وصول بقعة الزيت من أسوان إلى الجيزةوالقاهرة دون السيطرة عليها، أو التخلص منها، وذكر مطاوع أن «هناك جهات رقابية تراقب المسئولين عن حدوث مثل تلك الأزمات، من خلال مراقبة الجهات التى تحدث تسريبات بترولية أو تلقى مخلفاتها فى النهر، الأمر الذى يجعلنا نتساءل، أين هذه الجهات، وأين دورها فى التحقق من أسباب تلك البقعة، خاصة أنه لم يخرج تصريح رسمى يثبت تورط جهة بعينها فى هذا الأمر»، وأكد مطاوع أنه تم تشكيل لجنة لحماية مياه النيل فى عام 2006، وحتى الآن لم تعقد اجتماعا واحدا، وهو ما يدل على «اللامبالاة المتفشية فى كافة القطاعات» -على حد تعبيره-، وأضاف مطاوع: «المحليات غير مؤهلة للتعامل مع تلك المواقف خاصة أن البقعة كان من الممكن السيطرة عليها فى بداية ظهورها، ولكن الواقع أثبت أنهم غير مؤهلين، بصورة افترشت معها البقعة الزيتية سطح النهر، وانتشرت فى كافة جوانبه، وعلى امتداد طوله». وقال الدكتور أحمد فوزى دياب، كبير خبراء المياه فى الأممالمتحدة إن التخلص من البقع الزيتية فى المياه يتم عبر 3 طرق مختلفة أولهما، الحل الميكانيكى، حيث تحوط البقعة، وتحشر المواد البترولية فى مكان معين حتى لا تتحرك، ثم تشفط المواد الهيدروكربونية ميكانيكياً عن طريق شفاط خاص لذلك، وهناك طريقة كيميائية للتخلص منها، إذ تُحاصر فى مكان محدد، وترش بمادة كيميائية غير مؤثرة على البيئة، تذوب معها المكونات دون التأثير على خصائص المياه، وآخر تلك الطرق هى الطريقة البيولوجية، إذ يلقى بكائنات حية تتغذى عليها، ولكن اختفاءها سيأخذ وقته، ولهذا ينبغى أن تُحاصر البقعة فى مكان ضعيف التيارات المائية بعيداً عن مجرى النهر». ولفت دياب أنه كان ينبغى التعامل مع البقعة الزيتية بأسلوب جماعى بين الجهات المسئولة، وأن ينسقوا فيما بينهم منذ بداية ظهورها، وهو ما لم يحدث، خاصة أن جميع المهندسين فى وزارة البترول لديهم قدرة على التعامل مع تلك الأزمة، واصفاً الطريقة التى أعلنها معهد بحوث البترول للتخلص من البقعة بإلقاء النشارة عليها ثم انتشالها، ب«الطريقة البدائية والأكثر بطئاً فى التخلص من البقعة»، مشيراً إلى أن كافة الطرق آمنة ولن تؤثر على المياه فى شىء. الوسائل والإمكانات المتاحة لدى أجهزة الإدارة المحلية للتعامل مع تلك البقعة، كانت كفيلة لتوضيح السبب الحقيقى لوصول بقعة الزيت إلى القاهرة بسلام، إذ أكد عادل عبدالحافظ، رئيس مركز ومدينة البدارى بأسيوط، أنهم تعاملوا مع البقعة مثل باقى الإدارات المحلية، بترقب حركة سيرها، ثم غلق المحطات الرئيسية، وتفعيل دور المحطات البديلة، لحين عبور البقعة من المنطقة، وتجاوزها للمدينة، مضيفاً أن الإمكانات اللازمة للتخلص من مثل تلك البقع غير موجودة بالإدارة المحلية، وبحاجة إلى إمكانات أكبر، مثل ماكينات الشفط وغيرها من الوسائل الحديثة، وهو ما لم يتوفر لديهم، وبحسب حديثه، فإن كافة الإدارات كانت تنتظر البقعة من أجل غلق محطات المياه؛ لأن الأساس لديهم هو الحفاظ على صحة المواطنين من التعرض للخطر، بسبب تلك البقع، وهو ما تم تنفيذه على أكمل وجه، وأشار عبدالحميد إلى أن أزمة البقعة كان يجب التخلص منها من المنبع، حيث المكان الذى ظهرت به، وهو ما لم يحدث، وفشل التعامل معها، مما جعل باقى الأماكن تتبع سياسة غلق المحطات الرئيسية لحين عبور البقعة.