قال بكرى فى الحلقة الثانية من كتابه «لغز المشير» (تحت الطبع)، إنه عندما وصل الفريق سامى عنان إلى القاهرة فى صباح يوم السبت 29 يناير توجه على الفور إلى مبنى وزارة الدفاع والتقى المشير طنطاوى، وبعد مناقشات حول أبعاد ما جرى، طرح الفريق عنان على المشير طنطاوى حسم الموقف والقيام بانقلاب عسكرى للحيلولة دون تدهور الأوضاع، ثم يتلو ذلك إجراء انتخابات رئاسية جديدة بعد الانتهاء من الفترة الانتقالية التى يجب ألا تزيد على عام واحد، لكن المشير طنطاوى رفض ذلك، وقال: «إن زمن الانقلابات العسكرية ولى، وإن القوات المسلحة ستترك الخيار للشعب، هو الذى يقرّر مصيره بنفسه، وكل دورنا هو حماية هذا الشعب ومنع استخدام أى عنف يمارَس ضده». اقتنع الفريق سامى عنان بوجهة نظر المشير، وتم صرف النظر عن هذا الاقتراح، خاصة أن الرئيس مبارك كان قد عيّن السيد عمر سليمان، مدير المخابرات العامة، فى منصب نائب رئيس الجمهورية، بعد أن رفض المشير طنطاوى تولى المنصب رغم الإلحاح الشديد من الرئيس مبارك، وفضّل أن يظل فى منصبه وزيراً للدفاع وقائداً عاماً للقوات المسلحة، وقال له لا يصح أن تبقى وزيراً وعضواً فى حكومة يترأسها الفريق أحمد شفيق، الذى هو أقل منك فى الرتبة العسكرية»، إلا أن المشير طنطاوى قال إن هذا ليس مهماً، المهم هو أن يؤدى كل منا دوره فى حماية البلد من الانهيار، حاول «مبارك» كثيراً، لكن المشير كان يقول للمقربين، «إنه لا يريد شيئاً، ويوم أن يترك وزارة الدفاع فلن يذهب إلا إلى منزله، ولن يقبل بأى منصب آخر». قبل أن يعرض «مبارك» المنصب على المشير طنطاوى كان قد خرج فى ليلة الجمعة 28 يناير بخطاب لم يلقَ تجاوباً جماهيرياً كما توقع، رغم أنه أقال الحكومة فى هذا الخطاب ووعد بتكليف حكومة جديدة. فى اليوم التالى تجدّدت المظاهرات، وقدّمت الحكومة استقالتها وأصدر الرئيس قراراً باستمرارها فى تسيير الأعمال، لحين تشكيل الحكومة الجديدة، برئاسة الفريق أحمد شفيق. كان المشير يتابع الموقف عن كثب، وقد انزعج كثيراً من المحاولة التى استهدفت حياة اللواء عمر سليمان نائب الرئيس، مساء 30 يناير، وأصبحت لديه قناعة بأن هناك من لا يريد حدوث أى تغيير فى البلاد، وعندما حضر الاجتماع الذى عُقد برئاسة الرئيس مبارك يوم الاثنين 31 يناير للحكومة الجديدة، أدرك أن الرئيس مصمم على المضى فى الطريق ذاته، وأن الأحداث التى تمر بها البلاد، لم تدفعه إلى مراجعة مواقفه، وأنه يتعامل مع الأحداث الجارية دون اكتراث، واعتقد أن المظاهرات سرعان ما ستنفض ويعود المتظاهرون إلى ديارهم.. كان المشير طنطاوى يتحسّب لاحتمالية صدور أمر من القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الجمهورية إلى الجيش بالتصدى للاحتجاجات الشعبية، ولذلك قرر أن يعلن موقف الجيش مبكراً.. فى صباح الأول من فبراير 2011، دعا المشير إلى اجتماع للقيادة العامة للقوات المسلحة برئاسته، وبحضور الفريق سامى عنان، رئيس الأركان ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، وقادة الجيوش الرئيسية ومدير المخابرات الحربية وبعض القادة الآخرين. فى هذا اللقاء تحدّث المشير مطولاً عن المخاطر التى تمر بها البلاد، وقال: إن «الجيش المصرى أخذ على نفسه عهداً منذ زمن طويل، باحترام إرادة الشعب المصرى، باعتباره أصل الشرعية». وقال: إن «المرحلة التاريخية التى تمر بها مصر.. والاحتجاجات التى شهدتها البلاد هى تعبير عن مطالب شعبية مشروعة، وإن الجيش المصرى لا يمكن أن يقف فى مواجهة هذه المطالب». وقال المشير: إن القوات المسلحة حسمت خيارها وانحازت إلى الشعب منذ اللحظة الأولى، ونحن لن نسمح أبداً باستخدام القوة أو أى شكل من أشكال العنف ضد المتظاهرين. وقال المشير إن جماعة الإخوان نجحت فى احتواء المظاهرات وقيادتها من خلف ستار، وإن أحداث العنف التى شهدتها مصر خلال الأيام القليلة الماضية أكدت أننا أمام تنظيم مسلح. وقال إن الحل ليس فى الصدام مع المتظاهرين، بغض النظر عن مخطط الإخوان، لكن تحركنا فى المرحلة الأولى يجب أن يضع نظره على الشعب وحماية الدولة من مخطط السقوط المعد لها.