كان الإذاعى القدير على فايق زغلول، رحمه الله، من أحب أصوات الإذاعيين إلى قلبى فى البرنامج العام، وكان يقدم يوم الجمعة من كل أسبوع برنامجين: أولهما برنامج «الغلط فين؟» وهو من برامج المنوعات الشهيرة التى كان الناس ينتظرونها بعد انتهاء صلاة الجمعة، وبرنامج «على الناصية» الذى كانت تقدمه الإذاعية والإعلامية القديرة آمال فهمى، وكان يقدم برنامجه من على مسارح الكليات والجامعات والتجمعات الشبابية فى كل مدن مصر من الإسكندرية حتى أسوان، وكانت فكرة البرنامج بسيطة ولكنها مبهجة، فقد كان رحمه الله يأتى بنجوم الصف الأول فى الفن والتمثيل والغناء ليقدموا ثلاث فقرات تمثيلية وفقرة غنائية، كل فقرة تحتوى على أربعة أخطاء، والذى يجيب عن خطأ واحد لا يأخذ شيئاً، والخطأين ب75 قرشاً، والثلاثة بجنيهين، أما الذى يجيب عن الأخطاء الأربعة فيأخذ الجائزة الكبرى: خمسة جنيهات! وكانت جملته الشهيرة «غلطة تانية وتاخد 75 قرش» من الجمل المأثورة التى يتندر بها الناس فى حديثهم. أما البرنامج الثانى الذى كان يقدمه على فايق زغلول فقد كان يذاع بعد منتصف الليل بعنوان «برامجنا فى الميزان»، وكان يستضيف خلاله ضيفاً له ثقله ومصداقيته، ويخبره باستضافته قبل الحلقة بأسبوع، ويتفق معه على متابعة برامج البرنامج العام ونقدها حسب رؤيته خلال هذا الأسبوع، بحيث يستطيع مناقشة البرامج التى يختارها الضيف معه سواء بالسلب أو الإيجاب، وكانت خريطة البرنامج العام التى تتعدل كل ثلاثة شهور تأخذ بالنقد الذى يقال فى هذا البرنامج، فكانت بعض البرامج تستمر، وبعضها يعدل مساره والهدف منه، والبعض الآخر يلغى نهائياً. تذكرت هذا البرنامج وأنا أتابع بعض فقرات التوك شو التى توقفت عن متابعتها تماماً، بعد أن وجدت أن معظمها قد فقد مصداقيته، وتحول مقدموها إلى «أصحاب الكورة» الذين يملكون الحقيقة المطلقة دون غيرهم، يصرخون فى وجوه مشاهديهم، ويخاطبونهم كأنهم تلاميذ فى مدرسة حكومية ينبغى أن يسمعوا الكلام، لأن الأستاذ المذيع يرى ما لا يراه الآخرون، وبعض رجال الأعمال من أصحاب المحطات الخاصة يخدِّمون على مصالحهم ومصالح أصدقائهم، فتجد أن البعض الذى يؤيد إنما يؤيد بشراسة ويتهم كل من يختلف معه إما بالجهل أو العمالة، أما الذى يعارض فقد ارتدى نظارة إحسان عبدالقدوس السوداء حتى يكسو السواد كل ما تراه عينه، فلا يرى أى إنجاز، ويريد أن يصعد إلى السماء بسلم والآن وليس غداً، والقليل منهم الذى لا تزال له بعض المصداقية والمنطقية يضيع بين هذا الكم من الصراخ المتبادل بين أصحاب المحلات -أقصد البرامج- لأن هذا الأسلوب هو الذى يضمن زيادة نسبة المشاهدة، وبالتالى الإعلانات. ربما كان هذا الكلام قاسياً بعض الشىء، خاصة إذا كان معظم مقدمى هذه البرامج من أصدقائى، والبعض الآخر أعرفه وأعرف أسرة برنامجه، ولكننى أشعر أن الإعلام يحتاج إلى وقفة مهنية من أصحاب البيت، بحيث توضع القواعد التى ينبغى أن يكون عليها الإعلام سواء فى السياسة أو الاقتصاد أو الفن أو الدين أو الرياضة أو الثقافة أو التربية والتعليم. وحتى يوضع هذا الميثاق، ينبغى أن يكون هناك برنامج «إعلامنا فى الميزان» ليستضيف أساتذة الإعلام والصحافة والشخصيات العامة التى لها مصداقية -بعيداً عن المصالح والمجاملات والغيرة المهنية- لكى يقيموا ما يراه المشاهد العادى على أساس علمى فى كل القنوات كل أسبوع، وهل ما يذاع يوافق بحق مقاييس الإعلام المحترم، وماذا عن أداء مقدمى البرامج علمياً، والتأثير السياسى والمعنوى والنفسى لما يذاع عبر هذه الشاشات كل فى مجاله وحسب تخصصه، حتى نساعد المواطن العادى على تقييم هذه البرامج التقييم الصحيح والعادل والحكم عليها من أجل بناء ما ننشده من وطن نستحقه.