قالت المستشارة هايدي فاروق عبدالحميد، خبيرة الحدود الدولية، إن واحة الجغبوب الليبية الغنية بالنفط أرض مصرية، تنازلت السلطات المصرية عن جزء كبير منها لليبيين في 1925، مقابل تنازل ليبيا عن منطقة «بئر الرملة» ومنطقة من الأرض وممر يكفى لإيصال البئر بشمال «السلوم»، لكن في غفلة من الزمن راحت الجغبوب كلها، ومعها «بئر الرملة» التي تحولت إلى ميناء البردية الآن وعن توصلها للاتفاقية التي توضح أحقية مصر في واحة "الجعبوب" التي لم تتوافر للحكومات المصرية المتتابعة منذ ثورة يوليو، قالت ل"الوطن": "هذه قصة طويلة، بدايتها فى عام 2004، عندما كُلفت من القيادة السياسية فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، بالبحث عن هذه الاتفاقية وأي وثائق أخرى ذات صلة. وبدأت بالبحث محلياً على الفور، ونجحت فى العثور على مكتبة الجغرافى المصرى أحمد حسنين باشا الذى كلفه الملك فؤاد فى العشرينات برسم حدودنا الغربية.. وهو ما أنجزه بالفعل من خلال خريطة واضحة للحدود عام 1922. ووجدت هذه الخريطة الفريدة التى رسمها والتى انتهى منها حسنين باشا بعد عدة رحلات للحدود الغربية. وأهمية هذه الخريطة أنها تُظهر بوضوح فى هذا الوقت المبكر وقوع كامل واحة الجغبوب فى العمق المصرى. وبالمناسبة حسنين باشا قضى خمسة أيام هناك فى الواحة، وحضر صلاة جمعة للشريف الإدريسى، الذى دعا فى الخطبة للملك فؤاد، كما ورد فى مذكرات حسنين باشا، مما يُعد قرينة مهمة على ولاية مصر على أرض الجغبوب وقتها. وحوت المكتبة أيضاً كل الاتفاقات التى حدّدت بموجبها حدود ليبيا الحالية، التى كانت كالتالى: 1) اتفاق «فرنسا - تركيا» عام 1910 (الحدود الليبية - التونسية حوالى 840 كيلومتراً). 2) اتفاق «فرنسا - إيطاليا» عام 1919 حول 1200 كيلومتر جنوباً (الحدود الليبية الجنوبية مع تشاد والنيجر). 3) اتفاق «فرنسا - إيطاليا» عام 1919 حول 1350 كيلومتراً جنوباً (تعديل للاتفاق السابق والخاص بالحدود الليبية الجنوبية مع تشاد والنيجر). 4) اتفاق «مصر - إيطاليا» عام 1925 حول 11000 كيلومتر (وهو الاتفاق الخاص بالحدود المصرية - الليبية). 5) اتفاق «مصر وبريطانيا - إيطاليا» عام 1934 (حول الحدود المصرية - السودانية - الليبية المشتركة). 6) اتفاق «ليبيا - فرنسا» عام 1955، للعمل بأحكام اتفاق 1919. وعن الوثائق وعدم كفايتها لإثبات حق مصر في "الجغبوب"، قالت: "صحيح، إذ كان لا بد من الحصول على أصل اتفاقية عام 1925، ولهذا ذهبت فى عدة رحلات إلى الخارج، بهدف مطاردة هذه الوثيقة النادرة وأى وثائق أخرى ذى صلة. وبالمناسبة فى يوليو 2007، وحينما قمت أنا والسفير مدحت القاضى بتلبية دعوة رسمية من الجانب الليبى لتقديم المساعدة، لحل مشكلة ألغام الحرب العالمية الثانية من خلال ما توافر لدينا من خرائط أصلية خاصة بهذه المشكلة، وذلك بعد استئذان وتنسيق مسبق من الحكومة المصرية وقتها، لفت انتباهي أن خرائط المعارك التى حدثت فى الشرق الليبى وثّقت بجلاء إلى وقوع منطقة غير قليلة إلى الشمال من بئر الرملة ضمن الحدود المصرية، خلافاً للوضع القائم على الأرض اليوم، وهى الخرائط التى رُسمت عقب اتفاق 1925، الذى رسم خط الحدود المصرى مع ليبيا وتنازلت فيه مصر عن جزء غنى جداً بالثروات النفطية كما تقدم، لأن هذه الخرائط الحربية رسمت إثناء الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945).". والذى يحزننى أن الكثير من قضايا القبض على الصيادين المصريين بحجة جنوحهم إلى المياه الإقليمية الليبية، يتم القبض عليهم فى حقيقة الأمر فى مياه هى فى الأصل مصرية لو احترمت المعاهدات والاتفاقات، ولو تم إيقاظ ذاكرة هذا الوطن.. لذا فإننى أضع بين أيدى محامى هؤلاء الأبرياء هذه المعطيات، لعلهم يتحرّكون لحماية حقوق موكليهم. وعن الظرف التاريخي الذي قاد مصر للتنازل جزئياً عن منطقة الجغبوب فى اتفاقية 1925، أوضحت "المسألة بإيجاز شديد أن الاحتلال الإيطالي لليبيا الذي بدأ في عام 1911 أشعل مقاومة ليبيا التي دعمتها مصر، لكن هذه المقاومة وبتشجيع من التيار الإسلامى الذى كان، وما زال، يؤمن أن «الحدود مجرد تراب والنضال واحد»، احتلوا مناطق مصرية، من بينها واحة الجغبوب التى تحولت إلى مركز دعم وتموين للمقاومة الليبية، مما أدى إلى إزعاج شديد للطليان. ولم تكن الحكومة المصرية راضية عن سيطرة الليبيين على الحدود المصرية، بحجة المقاومة، فتحرّك الجيش المصرى مع القوات البريطانية لطرد الليبيين الذين احتلوا السلوم أكثر من مرة، لكن مع تطور الأحداث، استقر رأى قادة المقاومة، وعلى رأسهم السيد «أحمد الشريف» على الانتقال إلى منطقة (إمساعد) المصرية، لتكون مقراً للقيادة الوطنية، وبرر «الشريف» وقتها ببساطة ب«أن مصر تشكل عمقاً استراتيجياً لقوات أحمد الشريف، بالرغم من الحماية البريطانية، فإذا ما هوجمت قوات المجاهدين انتقلوا إلى الأراضى المصرية، فلا تجرؤ القوات الإيطالية على مطاردتهم داخل الأراضى المصرية»، وهو منطق يتطابق تقريباً من المنطق نفسه الذى أرادت «حماس» أن تفرضه على مصر بعد عام 2007 ورفضته الحكومة المصرية، لأنه يستبيح حدودها، ويجعل من قرار اندلاع حرب جديدة مع إسرائيل قراراً فى يد «حماس»، فرع «الإخوان» الفلسطينى، وليس مصر.