شاءت الظروف أن أرى الكثير من أصحاب الجاه والسلطان وسيدات المجتمع، الذين كان الناس يصمتون حين يتكلمون، وتفتح لهم الأبواب المغلقة، وتسبقهم الهيبة والسلطان فى كل مكان يوجدون فيه، بعد أن أصيبوا بمرض «ألزهايمر» وتقدمت بهم السن، وهاجمهم الخرف، فأصبحوا بدون ذاكرة حديثة، على الرغم من سلامة أجسادهم، فلا يعرفون أزواجهم ولا أولادهم، ولا يميزون الوقت أو الليل من النهار، وما ينبغى أن يفعل فى كل منهما، فتجد أحدهم يرتدى ملابسه فى منتصف الليل ليذهب إلى عمله الذى تركه منذ عدة سنوات، وربما حاول النزول بدون ملابس، ويضع الأشياء فى غير أماكنها فلا يعرف أحد كيفية استردادها، وربما ينسى اسمه وعنوانه فلا يستطيع حتى العودة إلى منزله إذا استطاع أن ينزل وحده، تحدثه عن الرئيس السيسى فيذكر لك الملك فاروق أو جمال عبدالناصر، ويذكر لك وقائع حقيقية بتفاصيلها، ويعيد ويزيد فيها حتى يمل من حوله ويرهقوا. ومع ارتفاع معدل الأعمار بين البشر نتيجة التقدم العلمى والطبى مع عوامل أخرى تشمل التلوث والموجات الكهرومغناطيسية الموجودة فى المحمول وغيره من نتاج التكنولوجيا الحديثة، زادت معدلات المرض حتى وصلت إلى أن الدول المتقدمة، التى زادت فيها المعدلات العمرية، قد أصبحت معدلات الإصابة بألزهايمر فيها واحداً من بين كل 8 أشخاص ممن تجاوزوا سن الخامسة والستين. ومع الأسف الشديد فإن المرض فى بداياته قد لا ينتبه له الشخص نفسه أو أهله الذين يعيشون معه أو أصدقاؤه، إلا أن هناك بعض علامات للإنذار المبكر ينبغى أن ننتبه إليها، وأولى هذه العلامات هى تلك التى تتعلق بالذاكرة الحديثة والكلام، ففى المراحل الأولى من المرض تظل الذاكرة بعيدة الأجل سليمة، فى حين تتأثر الذاكرة قصيرة الأجل تدريجياً، فتجد الشخص المصاب ينسى المحادثات التى تمت بينه وبين الآخرين، وما تم خلالها من مواعيد أو اتفاقات مهمة، وأثناء المحادثة يروى لك حكاية، وبعد عدة دقائق يعيد حكايتها وكأنه يقولها للمرة الأولى، ويسألك السؤال فتجيب عنه، ثم يعيده عليك ويلومك على أنك لم تجبه، وتجد المريض يضع أشياءه المهمة فى أماكن غير متوقعة، وينسى أين وضعها، كأن يضع مثلاً مفاتيح سيارته فى الثلاجة أثناء شربه، وكثرة ضياع أشيائه المهمة مثل المحفظة ودفتر الشيكات.. إلخ، ومن العلامات المبكرة أيضاً التى يحدثها المرض أنه يعطل الكلام، فتجد الشخص يجد معاناة ويناضل من أجل أن يتذكر كلمات شائعة ومعروفة لديه. ويعقب هذا التغير فى الذاكرة والكلام تغير فى السلوك، فتجد الشخص المصاب يتوه ويضل الطريق فى أماكن اعتاد على الذهاب إليها وحده، ويحدث له تغير فى المزاج والسلوك، وأحياناً يمر بفترات صمت طويلة، وهفوات فى الحكم على الأشياء وتقييمها أو اتخاذ قرار بشأنها، وتقل عنايته بنظافته الشخصية وأناقته بشكل عام. والحقيقة أنه لا يجب تجاهل مثل هذه الأعراض، خاصة أن الكثير منا يرفض الاعتراف بأن الشخص الذى يحبه والقريب منه مصاب بهذا المرض، كما أنه يمكن أن تكون هذه الأعراض ناتجة عن مرض آخر يستطيع الطبيب المتخصص سواء طبيب الأعصاب أو النفسى تشخيصه وعلاجه، بالإضافة إلى أن تناول العلاج المتاح الآن فى مرحلة مبكرة من المرض يمنع تدهور الحالة ويحجم مضاعفاتها. كما أن تشخيص المرض فى مرحلة مبكرة والمريض لا يزال قادراً على اتخاذ قرارات مهمة، يتيح له التحدث مع محام حول صياغة التوجيهات المسبقة والوثائق القانونية التى تحدد ما يريده من حيث العلاج الطبى والرعاية، ومعرفة اسم شخص ما من أجل اتخاذ قرارات الرعاية الصحية وإدارة الشئون المالية بالنيابة عنه، وهذا يساعد على تجنب الارتباك فى وقت لاحق إذا أصبح غير قادر على التعبير عن رغباته. ومرض ألزهايمر يسبب تلف وموت الخلايا العصبية وفقدان الأنسجة فى جميع أنحاء الدماغ، وكلما تطور المرض تصبح أنسجة المخ أكثر انكماشاً، وربما أتى من هذا تعبير «مخه اتلحس»، وتزداد مساحة المناطق التى تحتوى على السائل النخاعى والمخى الشوكى لتصبح أكبر، وأكثر الضرر يقع فى المناطق المسئولة عن الذاكرة والكلام والفهم. ومرض ألزهايمر يؤثر على التركيز، لذلك فالمريض أو المريضة قد لا تكون قادرة على القيام بالمهام العادية مثل الطبخ أو دفع الفواتير والحساب، أو استخدام أدوات فى غير استخدامها الصحيح، مثل تمشيط الشعر بالشوكة، وسلس البول، ومشاكل فى التوازن، وغيرها. ويختلف مسار مرض ألزهايمر من شخص لآخر. ففى بعض الأحيان تزداد الأعراض سوءاً بسرعة وتؤدى إلى فقدان الذاكرة والارتباك الشديدة فى غضون بضع سنوات، إلا أن هناك أشخاصاً آخرين تحدث لديهم هذه التغيرات بصورة تدريجية، بحيث يمكن أن تستغرق 20 عاماً لكى تأخذ مجراها، إلا أن الإحصائيات تشير إلى أن معظم الناس يعيشون لفترة تتراوح ما بين 3-9 سنوات بعد التشخيص.