في إحدى عمارات وسط البلد العتيقة، حيث مقر الاتحاد العام للعمال الفلسطينيين، وفي حجرة اتسعت مساحتها لتحوي 4 مكاتب، يجلس على أحدها الفلسطيني "عيد النامولي" الذي هُجّرت أسرته قبل 67 عامًا في أحداث النكبة الفلسطينية ليستقر به الحال في مصر، بعد أن عادت عائلة "آل نامول" إلى نصفها الآخر في مدينة الشرقية. "لا عودة عن حق العودة".. هكذا بدأ النامولي حديثه ل"الوطن"، بعد أن عرف نفسه وعائلته التي كانت من أعيان فلسطين، وجده النامولي "مختار" - أي عمدة - آل نامول، ويؤكد في بداية الحديث أن حق فلسطين مقدس وأصيل تكفله جميع القوانين، موجهًا الشكر إلى "مصر" التي وصفها ب"عمود الخيمة" الذي إذا تأثر تأثرت الخيمة كلها، مضيفًا: "فهي عمود الأمان للقضية والأمة العربية والإسلامية، وهي السند لنا في الماضي والحاضر". بعينين واهنتين، بدا عليها استعداد الدموع التي منعها بابتسامة عندما نظر إلى خريطة فلسطين المعلقة في كل مكان يقيم فيه فلسطينيون، بدأ النامولي يروي قصة الأسرة في الانتهاكات الإسرائيلية أثناء الإبادة قائلًا: "كشريط تلفزيوني أمامي، أبي وأمي يعاصرون الهجرات الأولى من فلسطين قبل 1948 وأثناءها، حيث المآسي التي رأوها بعينيهما، لدرجة أن امرأة من عائلتنا تركت ابنها من وهلة ما يحدث وأخذت الوسادة بدلًا منه، ولم تكتشف ذلك إلا على حدود العريش، ليعود 8 رجال من آل نامول لإحضاره، ولكن لم يعد منهم إلا واحدًا فقط وبدون الطفل". "بقر بطون الأمهات".. جملة قالها النامولي ردًا على سؤال عما هو أصعب ما جرى في النكبة الفلسطينية، مشيرًا إلى أن الاحتلال كان يهاجم القرى الفلسطينية بطريقة "كماشة" حيث كان يحيط بقواته من ثلاث جهات تاركًا جهة واحدة للهروب، مستطردًا: "حرقوا البيارات.. قضوا على الأخضر واليابس، ولم يكن هناك نجدة إلا مصر الحبيبة". يضيف النامولي، أن الأسرة كانت في حدود 40 شخصًا وهاجروا باتجاه العريش المصرية ليستقر بهم الحال في محافظة الشرقية، مشيرًا إلى أن عائلة النامولي بهذه الهجرة عادت إلى جذورها، لأن الهجرات الأولى كانت من شبه الجزيرة العربية، واستوطنوا القليوبيةوالشرقية، مضيفًا أنهم استقروا في جزيرة "فاضل" حيث المنطقة الصحراوية التي عملوا فيها في رعي الإبل، واستصلحوا الأراضي في كنف الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الذي قال عنه "المحبوب إلى القلوب"، والذي عامل الفلسطيني معاملة المصري. تابع النامولي، أن القبيلة كثرت وتناثرت، حتى وصل إلى ما يقرب من 30000 نسمة، مضيفًا: "نعلم أطفالنا خريطة فلسطين حتى نرضعهم العودة، سنرجع يومًا من الأيام إن آجلا أو عاجلاً". "جدي احتفظ ببذر المانجة المصرية لزراعتها في بيارات فلسطين وقت العودة، وأبي أيضًا حرص على جمع البذور لبعض الثمار لنزين فلسطين بها".. بهذه الكلمات وصف النامولي شعور مهاجري الفلسطينيين بعد النكبة في ثقتهم بالعودة القريبة. واختتم النامولي حديثته قائلًا: "لا غنى عن دور مصر في القضية الفلسطينية، لما مصر بتصحى بتصحى معاهم الأمة العربية كلها"، مشيرًا إلى أنه يتمنى لمصر التطور والنهضة في كل الجوانب.