هنا لوس أنجلوس. «سيطرقون الباب بعد برهة ولم نستعدّ لهم بقطع الحلوى والشيكولاتة!» تهاتف صديقتى زوجَها وتستحثّه على الإسراع بالحلوى وإلا نفّذ الأطفال «وعيدَهم» بعمل الخدع والشقاوات أمام باب البيت. يتنكّر الأطفالُ فى ملابس غريبة تتدرّج من أجنحة الفراشات الشفيفة، وحتى أسمال السَّحرة الأشرار الغلاظ، ويضعون الأقنعة التى تتدرّج من الملائكة حتى الشياطين، يتنقّلون من بيت إلى بيت. يطرقون الأبواب قائلين:?Trick or Treat، أى: «هل ستعطوننا بعض الحلوى، أم نطلق عليكم ألاعيبنا الصغيرة وحِيلنا الماكرة؟»، حاملين أكياساً فارغة من القماش وأوعية على شكل ثمرة «القرع» وهو رمز هذا العيد، لكى يجمعوا فيها غنائمهم الحلوة. إنه عيد الهالويين. أصل العيد هو تزامن نهاية نوفمبر مع موعد الحصاد الأخير، وبداية فصل الشتاء الذى تكثر فيه المجاعات، وبالتالى يزيد عدد الموتى. واعتقد الأيرلنديون القدامى أنه فى يوم 31 أكتوبر، يشفُّ الحاجزُ بين عالم الأحياء وعالم الموتى، فتخرج الأرواحُ المتوفاة من القبور وتتجول فى أمكنة معيشتها الأولى. لهذا يضع الأطفال أقنعة تعبر عن تلك الأرواح طارقين الأبواب طالبين الحلوى، من أجل تكريم أولئك الذين قضوا نحبهم جوعاً. ما يعنينى هنا هو الحرص على كتابة «الكود الإنسانى» لدى الأطفال فى الغرب. ينشأ الطفل وقد تعلّم أن أولئك الناس خلف الأبواب، رغم أنه لا يعرفهم، إلا أنهم أهله وأقرباؤه فى الإنسانية. يفتحون له الباب، يبتسمون فى وجهه، يمنحونه الحلوى، ويتمنون له عاماً طيباً. فيكبر الطفل وقد اكتسب مناعة طبيعية ضد أمراض تصيب بعض المجتمعات الرجعية مثل البغضاء والخوف من «الآخر». بتاريخ 10 فبراير 2009، كتبتُ ب«اليوم السابع» مقالا عنوانه «رُدّ لى ابتسامتى»، تساءلتُ فيه عن سرّ توجّسنا من «الآخر». فى الغرب، مستحيل أن تلتقى عيناك بعينى شخص آخر فى الشارع دون أن يبتسم لك، ويومئ لك برأسه كتحية. شخصان غريبان لا يعرفُ أحدُهما الآخر، يسيران فوق كوكب الأرض، تصادفَ أن التقت عيونهما للمرة الأولى، وربما الأخيرة، فى لحظة زمنية بعينها؛ فلمَ لا يبتسمان لبعضهما البعض؟! أحبُّ هذه اللفتة الإنسانية فحاولتُ أن أطبقَّها فى مصر. هالنى أن الناس لا ترد الابتسامة! بل ينظرون لك بتوجّس وقلق! أبتسمُ لرجلٍ، فيُسىء فهمى! أبتسمُ لامرأةٍ فترتابُ فى نواياى. قلتُ لنفسى «بلاها» رجال ونساء؛ «خلينا» فى الأطفال، ملائكةِ الله على الأرض. فهالنى أيضاً أن الأطفال لا يردّون ابتسامتى! ربما لأن أهلهم علموهم أن البشرَ ذئابٌ تخطفُ الصغار. أمرٌ محزن أننا لم نكتب «كود أطفالنا» على النحو الطيب الصحىّ. كان الأطفال قديماً يدورون فى رمضان على البيوت قائلين «ادونا العادة»، التى هى «العيدية». اختفى من أجيالنا هذا الطقس الطيب، لتحلّ محله معان تضرب الإنسانية فى مقتل. متى نعيد كتابة كود أطفالنا على النحو الإنسانى السليم؟