في البدء وحتى لا يصير المقال سببًا للمزايدات: أنا صحفي، ولست نقابيًا، ولم أسع يومًا إلى طلب التعيين في الجرائد والمواقع التي اشتغلت بها من أي شخص كان، لإيماني أن الصحفي يصنع نفسه، وليس النقابة أو الجريدة، وإن كان لهما مميزات لا يمكن إنكارها. خلال الأيام الماضية تابعت حملة - أنا صحفي إلكتروني - دشنها زملاء لأسباب مشروعة تحمل وعودًا براقة لكنها خاوية على عروشها من حيث الشكل، وعند النظر لمضمون وأصل الدعوة تبدو كأنها أعجاز نخل منقعر. في السطور التالية سأعدد ملاحظاتي على الدعوة، والداعين، ليس للرفض بقدر ما هو إثبات حالة من الجهل المهني، والاضمحلال المعلوماتي، والإنكار الحقائقي الذي أصاب الكثيرين، ومنهم أعضاء بمجلس نقابة الصحفيين، الأمر الذي أصبح مدعاة للسخرية. أولًا: حق لنا نحن شباب الصحفيين كيان نقابي نستظل في حماه ضد أي مؤسسة أو نظام يحاول التعدي أو التطاول ليكون بمثابة درع وسيف، وذلك عملًا وتحقيقًا لمقولة: "من ليس له ظهر ينضرب على بطنه"، لكن من غير المقبول أن يكون هناك كيان غير نقابة الصحفيين. ثانيًا: حاول البعض تمرير مصطلح غريب، ودخيل من خلال الحملة، وجاء تحت مسمى: صحفي إلكتروني، ثم حاولوا جاهدين وضع تعريف لهذا المسمى فخرج مشوهًا يفتقر لأركان أساسية يجب توافرها بالمشتغل في مهنة الصحافة. وكأن آخر علاقة بين واضغي التعريف والصحافة المطبوعة تتمثل في: "ورق الدشت"، وتناسوا سهوا أو عن قصد أن كل المؤسسات الصحفية المطبوعة سواء يومية أو أسبوعية أو نصف شهرية أو حتى دورية تمتلك مواقعا إلكترونية يعمل فيها ويقوم بها زملاء متميزين. ثالثًا: بدا واضحًا الخلط والالتباس، لن أقول الجهل، بمواد الدستور والقانون إذ حاول البعض إقناع الزملاء بأن الدستور نص على أحقيتنا في إنشاء نقابة للصحفيين الإلكترونيين، وأنه فرق بين الصحافة "الورقية والإلكترونية" ! وجاء ذلك على طريقة "لاتقربوا الصلاة"، فاقتطع الزميل ما سبق من نص تعريف "حرية الصحافة" بالدستور، والذي ينص على: "حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقي والمرئي والمسموع والإلكتروني مكفول، وللمصريين من أشخاص طبيعية أو اعتبارية، عامة أو خاصة، حق ملكية وإصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ووسائط الإعلام الرقمي". أي أن الدستور كفل حق إنشاء الوسيلة سواء جريدة أو موقع، ولم يذكر من قريب أو بعيد النقابات، وعندما تطرق في المواد التالية لإنشاء النقابات قال نصًا: "لا تُنشأ لتنظيم المهنة سوى (نقابة واحدة). ولا يجوز فرض الحراسة عليها أو تدخل الجهات الإدارية فى شئونها، كما لا يجوز حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائى، ويؤخذ رأيها في مشروعات القوانين المتعلقة بها".. وهنا مات الكلام. رابعًا: روج البعض إلى وهم تغيير قانون النقابة، ومنهم أعضاء بمجلسها، وهم يعلمون استحالة الموافقة أو التغيير لأنه يتطلب موافقة البرلمان أو الرئيس السيسي شخصيًا، وأن أي تعديل باللائحة الداخلية يتطلب موافقة الجمعية العمومية للصحفيين، والتي ذاق الصحفيين الحنظل من أجل اكتمالها في الانتخابات السابقة. ثم إن هناك قطاعًا كبيرًا من أعضاء الجمعية يعارضون ضم شباب المواقع الإلكترونية ليس لسبب سوى لأنهم من أنصار: "هات باب النقابة في إيدك وامنع الدخول". خامسًا: دلس البعض في المقارنات، وأسرف في التشبيهات عندما أشاروا إلى أن للأطباء أكثر من نقابة، قائلين: "هناك نقابة الأطباء، والبيطريين، وأطباء الأسنان" وتناسوا أن كل مما ذكروه نتاج علم مستقل لايربطه شيئًا بالآخر. وتغافل الزملاء عن قصد أو سهو أن سر قوة "الصحفيين" يكمن في وحدة وتماسك نقابتهم، وأن ما يفعلونه، ويشارك فيه مراهقي مجلس النقابة، يؤسس بصورة أو أخرى للنسخة النقابية من "سايكس – بيكو"، على قاعدة فرق تسد. سادسًا: قبل الحملة بيومين كان وفد من ما يسمى نقابة الصحفيين الإلكترونيين التقى يحي قلاش، وناقشوا معه مطالب الصحفيين، والرجل من جانبه صارحهم بالمعوقات التي ستواجهه، وأبدوا تفهمًا ومنحوه فرصة لتحقيق مطالبهم. ثم فجأة بعدها ب 48 ساعة انقلبوا، وقرروا تدشين الهاشتاج، فلا الرجل استطاع طرح الأمر على المجلس، ولا حتى بحثه، لذلك أسباب التحول والانقلاب تحتاج لإجابات واضحة من الطرفين، والأستاذ يحي قبل الزملاء. سابعًا: ضخم الزملاء من قصة "أنا صحفي إلكتروني" حتى صار رقمًا مفزعًا، ويؤسس ما فعلوه لسؤال أهم هو: بأي مؤسسة إلكترونية تعمل أنت ؟!، يعني ما أعرفه أن المؤسسات الإلكترونية التي يستحق الزملاء العاملين فيها الالتحاق بالنقابة عن جدارة هي: "مصراوي" و"دوت مصر" و"صدى البلد"، وهم في أغلب الأحوال لن يزيدوا عن ألف صحفي. غير ذلك من المؤسسات كل موقع لديه مطبوعة ورقية، وبالتالي يحق للعاملين فيها الالتحاق بالنقابة، فمن أين جاء رقم ال26 ألفًا الذي تحدث عنه أحد الزملاء متفاخرًا؟، وهنا سنضطر لنفتح الحديث عن مواقع بير السلم الإلكترونية، وأنه يجب وضع معايير لضبط الالتحاق والعمل بها وهو ما لا يمكن التحكم فيه بفعل الانفتاح الإلكتروني الرهيب! ثامنًا: تعامل أعضاء بمجلس النقابة مع الدعوة بمراهقة صبيانية، وكشف ذلك عن مصالحية العمل النقابي، لدرجة أنا عضوًا أخذ من اسم لجنته منطلقًا لتأييد الدعوة دون دراسة أو نقاش، وكأن "الحريات" في الالتحاق مكفولة للجميع. تاسعًا: أوافق على التحاق كل من امتهن مهنة الصحافة بنقابة الصحفيين، وأن ينال كل حقوقه المشروعة، وأن لا يكون مجرد منتسب، ويتأتى الالتحاق بعد اختبارات جادة وحقيقية تطبق بحزم على الجميع، ولكن عندما سألت عن ذلك عرفت أن أحد متزعمي الدعوة يرفض قصة الاختبار ! عاشرًا: بالمواقع الإلكترونية الجادة زملاء أفضل صحفيًا ومهنيًا من رؤساء تحرير بعض المطبوعات، ولأجل ذلك وكله: الحل لا يكمن في إنشاء نقابة أخرى للصحفيين الإلكترونيين تساعد على التشتت والتفرق، ولا في فتح الباب على مصرعيه حتى يختلط الحابل بالنابل، والصحفي بعامل البوفيه - (مع احترامنا للجميع) - وحفاظًا على المهنة، وكينونة ومكانة النقابة اقترح التالي: {أ} - تنقية جدول نقابة الصحفيين من العاملين بالمهنة، والذين تركوها وامتهنوا مهن أخرى لكن مازالوا يتقاضون البدل، ومن هم أعضاء لكنهم لا يقدمون أعمالًا صحفية منتظمة، وممن أخذ الكارنيه ثم افتتح بالقرض مشروعًا له وقام عليه تاركًا الصحافة. يعني لا يصح أن يكون هناك زملاء أعضاء بالنقابة تركوا الصحافة ومصر وسافروا إلى الخارج، في الوقت الذي يُقتل فيه شباب الصحفيين في الشوارع دون أن يلتحق بالنقابة. {ب} - المواقع الإلكترونية الجادة القائمة بذاتها، والتي تقدم خدمة صحفية مكتملة ومنتظمة، يحق لها إلحاق أعضاء بالنقابة، بعد وضع مالكيها وديعة بنكية معينة تحت تصرف النقابة، لحفظ حقوق الزملاء في حال إغلاقها أو تعثرها. {ج} - الصحافة مهنة مقدسة لا تدنسوها، ومن لا يعرف قيمتها لا يستحق شرف العمل فيها، فمنذ ثورة 25 يناير ومع الانفتاح الإلكتروني الرهيب التحقت شريحة ضخمة بقطار الصحافة دون تحقق أو اختبار. لدرجة أنه أثناء حديث ودي مع صاحب كشك بقالة عن عمله أخرج لنا كارنيه إحدى النقابات قائلًا: أنا صحفي. فهل هذا يصح؟! هل يصح أن تكون هناك نقابات موازية تدفع 20 جنيها، وتأخذ كارنيه "صحفي" ! {د} - حتى وإن تم إنشاء نقابة للصحفيين الإلكترونيين، وهذا ما أرفضه، سيبقى لدى الزملاء عقدة وحلم الالتحاق بالنقابة القديمة العريقة - الصحفيين - فمازال الصحفيون بالجرائد الخاصة والحزبية ينظرون إلى فرصة الالتحاق كمحرر ب"الأهرام" وكأنه حلم. {ج} - خلاصة الأمر أننا بصدد إشكالية هي أكبر من مجرد هاشتاج، كما يصورها القائمين على الدعوة، "ويلا بقى علشان نبقى ترند"، أو تضامن طفولي من أعضاء بمجلس النقابة، يجلسون كالفأران لحظة طرح تعديل قانوني على الجمعية العمومية، والسابقة تشهد رفض مهين لتعديل قانون الانتخاب. كما أن الدعوة أكبر من ارتباك النقيب خوفًا من أن تطاله سهام النقد من شباب الصحفيين الثائرين.. الموضوع أبعد من هذا بكثير، ويهدد وجود كيان نقابي ومستقبل مهنة إن سار على هذا النحو.