لم يحالفنى الحظ ولو مرة لمتابعة عرض مسرحى يحمل الاسم نفسه لكن بتصرف «1980 وانت طالع»، ربما لأن أياً من أبنائه لم يغادر مكانه، ولم يطلع من أساسه سوى فى السن، وفى هذه الحالة، أقترح على مبدعى العمل تغيير اسمه إلى «1980 وانت طاعن فى السن لا مؤاخذة».. ولماذا أتابع هذا العرض؟ وأنا أعيشه، فقد شرفت بأننى أحد هؤلاء المساكين، الضائعين، خائبى الرجا، الجيل الذى رقص على كل السلالم، لم يحظ بشرف الانضمام لجيل السبعينات بجماله وشياكته وهمومه، ولم يشرف بكونه أحد أبناء جيل الآى باد، فما زلت مثل غيرى كثيرين لا نعلم معنى «النكز» على الفيس بوك، ولا غيره من تطبيقات الهواتف المحمولة والتكنولوجيا المتطورة، ما زلت أحن للتليفون أبوزارير والنوكيا البنانا، ومرحلة السعى وراء الأصدقاء، وودهم «صوت وصورة»، وليس بمجرد لايك وشير لصفحاتهم الإلكترونية. أشاهد وأقرانى برنامج الرائعة إسعاد يونس، لن أخفى أننى لم أتحمس له بداية، قبل أن أنبهر بأفكاره، يلعب فريق العمل على وتر الحنين الذى يسيطر علينا، فمثلنا بلا إنجاز على أرض الواقع، سوى أننا حيينا ما يقرب من 35 عاماً، منها 30 عاماً مغلقة مع نظام واحد، و5 مع ثورتين وما تبعهما من أنظمة مختلفة، لتشهد السنوات الخمس الأخيرة حراكاً لم يشهده هذا الجيل الساكن على مدار 30 عاماً كاملة. وبحسبة الأطباء والنفسيين والعقليين، وكل من يملكون حسابات المنطق، فإنك عزيزى مولود ال1980، الآن فى قمة النضج، النفسى والعمرى، أنت فى أجمل مراحل حياتك، لهذه الأسباب: * أنت فى منتصف العمر الحقيقى، إذ لن يكمل أحدنا ال70 عاماً فى ظل الرعاية الصحية الفائقة التى نلقاها فى مصر، حتى وإن أكملها لأن الأعمار بيد الله، فسيكملها مصاباً بأحد عضال هذا العصر، أو مرتكناً إلى عصا لا يقوى على السير دونها، أو رهين الفراش لا يغادره حتى لقضاء حاجته. * لن يصل أكثرنا مهارة إلى أكثر مما وصل إليه -باعتباره وصل يعنى- رغم أن الدولة انتبهت أخيراً إلى الشباب، ولكنه انتباه بفهم قاصر، إذ انحصر فهمها لمرحلة الشباب على أنها تلك المحشورة فى الفئة العمرية من 18 إلى 25 سنة، فهؤلاء أصحاب التأثير، على المواقع والمنتديات، القادرون على السخرية من كل حدث وحديث، والفاعلون فى الواقع الافتراضى، دون أن يكون لأحدهم أدنى فعالية فى الواقع الأصلى. * لن يأتى على أحدنا عصور أزهى من تلك التى عاشها، تعليم بالمجان لأنه ليس تعليماً، وفرص عمل تتاح للمجتهد المحظوظ ولصاحب الواسطة على السواء، نضال حقيقى كان يؤدى بصاحبه إلى ما وراء الشمس -حرفياً وليس تعبيراً مجازياً- وليس نضال الكيبورد، نضال مبنىّ على مبدأ وليس على مصلحة، نضال هدفه مصر وليس «هتاخد إيه من مصر»، نضال توقف حقيقة حين أصبح له ثمن، وهو بالمناسبة ليس ثمناً بخساً. أعتز جداً بكونى من أبناء هذه المرحلة، أعتز أيضاً بما حققته فيها، وبما لم تحققه لى، وسأنتظر كغيرى أن يكتب أحدهم ويوثق تاريخ جيل بلا هوية، بلا حقيقة، بلا لزمة، سوى أنه «ضايع».