مع اقتراب عقارب الساعة من التاسعة صباحا، تقودهم أقدامهم يوميا نحو المقهى المستقر بقلب المدينة، يجلسون فيه حتى يرحل آخر شعاع للشمس، حديث متقطع يفرض نفسه على جلستهم بينما تتابع عيونهم حركة المارة وتنصت آذانهم لوقع خطواتهم. منذ نحو 20 عاما ونجارو الباركيه يترددون على مقهى "نادي الفردوس" بمنطقة وسط البلد، نهار طويل يقضونه في المكان الذي يعتبرونه "باب رزقهم" كما يقول "عم إبراهيم"، أقدمهم في المهنة، يجلسون وحالة من الترقب تلازمهم كلما رأوا من يقترب من المقهى، أملا في أن يوكل إلى أحدهم مهمة تركيب "الباركيه" في شقته ، أو فيلته إن كانوا أوفر حظا. يقول (عم إبراهيم): "إحنا أرزقية على باب الله، بنعّد نستنى الرزق، جه بنطلع نشتغل، مجاش بنفضل قاعدين على القهوة"، ويكمل بنبرة رضا لا تلبث أن تمتزج ببعض من اليأس "ساعات مبيجيش زباين، وفلوسنا بتخلص فبنضطر نروّح، ما هو مش معقول حنصرف 20 جنيه على القهوة كل يوم وإحنا قاعدين من غير شغل". الجلوس على المقهى في انتظار الرزق أصبح رفاهية يعجز "الصنايعية" عنها أحيانا، فانتظارهم للزبائن قد يطول لأيام وأسابيع ، يقول النجار الستيني "زمان كان ممكن كل عامل فينا يطلع 3 شغلانات في اليوم، دلوقتي لو طلعنا شغلانة مرتين في الأسبوع يبقى كويس". ""انتكاسة" أصابت المهنة التي يرثها عمالها أبا عن جد، بعد أن عرفت الأسواق المصرية "الإتش دي إف"، والسيراميك الذي يشبه الباركيه في تصميمه ، فوفقا ل(عم إبراهيم) فإن السعر المنخفض للمنتجات الجديدة جعلها بديلا عن الباركيه ، موضحا "إذا كان متر الباركيه ب300 جنيه فمتر الإتش دي إف مبيعديش ال70 جنيه، عشان كده الناس بقت تشتريه وبعدت عن الباركيه لحد ما بقينا إحنا من غير شغل" عم إبراهيم يرى أن المهنة لم تتأثر بسبب (الإتش دي إف) والسيراميك فقط ، فعلى مقربة من المقهى فتحت العديد من مكاتب المقاولات والديكور أبوابها أمام الزبائن لتزاحم عمال الباركيه على رزقهم، فالزبون حسبما يقول النجار العجوز "تخدعه المظاهر"، ويفضل التعامل مع أحد هذه المكاتب الأنيقة التي تورد له العمال، على أن يأتي إلى المقهى ليختار "صنايعي فرداني". وشرحا للواقع الذي بات يعيشه العم إبراهيم وغيره من "الصنايعية "، وبقناعةٍ مؤلمة، يكمل عم إبراهيم "الزبون اللي عنده عمارة أو فيلا دلوقتي حيروح على المكاتب مش حييجي على القهوة، والمكاتب بتاخد منه بالغالي وتدينا رخيص". في الماضي القريب كانت مهِن "صنايعية مقهى الفردوس" تلاقي تقديرا من الجميع، وفي ظل تراجع الإقبال عليهم لازالوا يجلسون يوميا في نفس المقهى، فخورين ببصماتهم المطبوعة على أرضيات الباركيه في النوادي الكبرى كالجزيرة ووادي دجلة والصيد والعديد من فِلل الأغنياء والفنادق الكبرى، تلك البصمات التي تركوها قبل أن يتبدل بهم الحال ويصبح أقصى طموحهم تركيب أرضية غرفة أو غرفتين في إحدى الوحدات السكنية الصغيرة، ويبقى المقهى باب رزقهم الذي يفخرون به حتى وإن كان بابا ضيقا.