الحقيقة أننى لم أكن أتابع أعمال لجنة إعداد الدستور خلال الفترة السابقة إعمالاً لمبدأ انتظار المنتج الذى كان يردده العديد من السادة أعضاء اللجنة وأمس الأول أهدانى اللواء محمد يوسف نسخة من المسودة الأولية الصادرة عن اللجنة وكتب على غلافها «مسودة مرحلية تحت التعديل والتنقيح» وعليها توقيع أحسبه للمستشار حسام الغريانى رئيس اللجنة ومؤرخة 14/10/2012. وعكفت على قراءة المنتج الأولى وهالنى ما قرأت، وأرصد فى هذا المقال ملاحظاتى على البابين الأول والثانى، الدولة والمجتمع والحقوق والحريات والواجبات العامة على أن نستتبع باقى الملاحظات فى مقالات قادمة لضيق المساحة. وأولى هذه الملاحظات أن المادة الثانية بقيت كما هى دون تعديل كما ورد فى دستور 1971 وتنص على أن «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادىء الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع». وهذا ما كنا نطالب به بأن تبقى المادة دون تعديل ولكن واضعى المشروع لإرضاء التيار السلفى -فيما يبدو- وضعوا نصاً فى الأحكام العامة وهو نص المادة 221 التى تنص على أن «مبادىء الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة» وهذا النص هو التفاف واضح على نص المادة الثانية بل هو بمثابة إلغاء لنص المادة، فكلمة مبادئ الشريعة الإسلامية -وعملاً بتفسير المحكمة الدستورية العليا- هى الأحكام قطعية الثبوت قطعية الدلالة أما إقحام الأدلة الكلية والقواعد الأصولية والفقهية والمصادر المعتبرة فى مذاهب -لاحظ كلمة «مذاهب»- أهل السنة والجماعة فذلك يعنى فتح الباب واسعاً لتفسيرات متعددة بل ولصراعات حول التفسير لن يكفل أى استقرار بالتأكيد. وثانية الملاحظات أن العديد من النصوص كانت عبارات إنشائية لايمكن الإمساك بها لتقدير أحكام محددة، على سبيل المثال نص المادة 11 التى تنص على أن «تحمى الدولة الوحدة الثقافية والحضارية واللغوية للمجتمع المصرى، وتعمل على تعريب العلوم والمعارف» ما هذا الكلام؟ وهل للثقافة والحضارة وحدة؟ إن تنوع بل واختلاف الثقافات والحضارات هو الذى يكفل تقدم البشرية والتفاعل مع الثقافات والحضارات لكافة الشعوب هو ما يضمن ويكفل تقدم الشعب المصرى بل وكل الشعوب وخذ مثالاً آخر ما ورد فى المادة 14 من أن «الزراعة مقوم أساسى للاقتصاد» وكأن ذلك اكتشاف حديث يستحق أن يدرج فى الدستور وما ورد أيضاً فى المادة 17 التى تنص على أن «تلتزم الدولة بحماية شواطئها وبحارها وبحيراتها، وصيانة الآثار والمحميات الطبيعية، وإزالة ما يقع عليها من تعديات» وهل حماية الشواطئ والبحار والبحيرات يحتاج لنص دستورى، بعبارة أخرى هل لو لم يرد هذا النص فى الدستور لن تلتزم الدولة بحماية شواطئها وبحارها؟ وثالثة هذه الملاحظات هى الخلط بين ما يجب أن يتضمنه الدستور وما يجب أن يتضمنه القانون، فالقاعدة الدستورية تقرر مبادئ عامة وتترك التفاصيل للقانون وخذ مثالاً على ذلك ما ورد بنص المادة 32 التى تنص على أن «فيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد ولا تفتيشه ولا حبسه ولا منعه من التنقل ولا تقييد حريته بأى قيد آخر إلا بأمر مسبب من القاضى المختص» إلى هنا والنص الدستورى يقر مبادئ عامة وهذا صحيح أما ما ورد فى باقى الفقرات من ذات المادة من أنه «يجب أن يبلغ كل من تقيد حريته بأسباب ذلك كتابة خلال اثنتى عشرة ساعة، وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من تقييد حريته، ولا يجرى التحقيق معه إلا فى حضور محاميه، فإن لم يكن ندب له محام، ولكل من تقيد حريته، ولغيره، حق التظلم أمام القضاء من ذلك الإجراء والفصل فيه خلال أسبوع، وإلا وجب الإفراج حتماً» كل هذه إجراءات تفصيلية لا شأن للدستور بها. ونعالج باقى المواد فى مقالات قادمة