يعيش "الشيعة" على هامش النظام السياسي في المملكة العربية السعودية، منذ تأسيس المملكة عام 1932، إلا أن انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، شكَّل لحظة فارقة في العلاقة بين الشيعة والنظام الحاكم في السعودية، حيث ألهمت الثورة الإيرانية الشيعة السعوديين التمرد على حكم "آل سعود"، الأمر الذي أثار مخاوف عميقة لدى النظام السعودي من ولاء الشيعة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومن هنا بدأت المخاوف السعودية تجاه الشأن الإيراني. يرتكز الشيعة بشكل كبير في مناطق مختلفة في المنطقة الشرقية بالسعودية، وفي الجنوب، يرتكزون في عسي وجيزان ونجران، وفي الغرب، في جدة ينبع، وتتنوع انتماءاتهم المذهبية ما بين الإمامية وهو مذهب الغالبية، والإسماعيلية، والزيدية علماً بأنهم لا يتبعون مرجعية دينية واحدة، فمنهم من يقلّد آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومنهم من يقلد آية الله علي السيستاني في العراق، ومنهم من يقلد آية الله صادق الشزيراي في قُم، أو آية الله محمد تقي المدرسي في كربلاء، أو آية الله محمد حسن فضل الله في لبنان. وعن تاريخ العلاقات بين الشيعة والسلطات السعودية شهد العديد من الأحداث التاريخية الفارقة بدءًا من أحداث نوفمبر 1979، التي وقعت فيها صدامات عنيفة مع قوات الأمن السعودية أسفرت عن عشرات القتلى والجرحى ومئات المعتقلين، وملاحقة النظام للناشطين السياسيين الشيعة، مما دفعهم إلى اللجوء إلى المنفى، حتى إعلان التمرد على نظام الحكم. واستمرت الشيعة في مواجهة النظام السعودي حتي أدركت في أواخر الثمانينيات أن هذه المعارضة لم تحقق نتائج ملموسة كما أدرك النظام أن الأفضل هو احتواء المعارضة الشيعية، ولذا فمنذ فترة الثمانينات تمثّل النشاط الشيعي في محاولات التصالح والمشاركة في الانتخابات والمشاركة في المجتمع المدني، وتجنب المصادمات مع السلطة الحاكمة. وفي حقبة التسعينات اتبعت الشيعة نهج التصالح مع النظام ومهادنته، مقابل إيقاف المعارضة الشيعية نشاطها في الخارج، والسماح بعودة المئات من المنفى، وإطلاق المعتقلين السياسيين الشيعة. وفي الألفية الثانية وتحديداً في عام 2003، رفع الشيعة برفع عريضة بعنوان "شركاء في الوطن" تدعو إلى ضرورة تحقيق المواطنة الكاملة، والاعتراف بحقوقهم، والمساواة مع أبناء الوطن الواحد، وفي عام 2005 وبعد ارتقاء الملك عبدالله إلى العرش، تبنّى الملك عدّة مبادرات تعمل على تهدئة الانقسامات الطائفية وزيادة المشاركة في الحياة السياسية، اتضح جليًا في إنشاء مبادرة تعترف بالتنوع الطائفي في المملكة، ومشاركة الشيعة في الانتخابات البلدية. وتحول الأمر تدريجيًا ففي عام 2009 شهدت المدينةالمنورة أعمال شغب، بعد أن تم إقصاء عدد من قياداتهم من المناصب الحكومية، فاندلعت اشتباكات بين حجاج شيعة وأفراد من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التابعة للنظام، بعدها دخلت قوات الأمن إلى الأحياء الشيعية في المدينة، وضربت السكان واعتقلتهم، حتى ظهرت انقسامات في الصف الشيعي وتم تشكيل "حركة خلاص في الجزيرة العربية" المناهضة لسياسات الحكومة السعودية. وفي عام 2011 أي مع بدء ثورات الربيع العربي، اندلعت الاحتجاجات الشيعية في السعودية ونظم مجموعة من الشباب ما عرف باسم "ائتلاف الشباب الأحرار"، مطالبين بالإفراج عن السجناء السياسيين، وساهم التدخّل العسكري السعودي ضد الانتفاضة الشيعية في البحرين في إثارة الاحتجاجات في السعودية ضد هذا التدخل، حتى توصّل النظام السعودي إلى عدة نتائج منها الإفراج عن جميع السجناء السياسيين، ووضع حد لعمليات الاعتقال التعسّفي، والاعتراف بالقوانين الشرعية للشيعة الجعفرية، ومنح الشيعة تمثيلًا في هيئة كبار العلماء، وغيرها من النتائج التي استطاع بها النظام السعودي احتواء الأزمة. وتعود أسباب المعارضة الشيعية في المنطقة الشرقية عادة إلى عدة أسباب حسب مركز "كارنيجي" للشرق الأوسط وهي "التمييز الطائفي الذي يمارسه النظام ضد الشيعة، والإهمال الاقتصادي، والتهميش السياسي". أما عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والدينية للشيعة في السعودية فيتهم الشيعة الحكومة بأنها تعمدت إهمال مناطقهم على مدى عقود من الزمن، فالبنية التحتية فيها والخدمات الصحية والتعليمية وغيرها تعد متدنية. ويواجه الشيعة بالسعودية أزمة التمييز في الوظائف العامة ورغم أن قطاعًا من شيعة المنطقة الشرقية يعملون في شركة "أرامكو" السعودية الحكومية، إلا أنهم يشيرون إلى حرمانهم من الترقي إلى الوظائف العليا في الشركة. أما عن الحياة الاقتصادية، فبالرغم من أن المنطقة الشرقية من أكثر المناطق الغنية بالنفط، يشتكي الشيعة من التوزيع غير المتكافئ للموارد، إضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر في مناطق معينة هناك. وعن الحياة الدينية نجد أنه وفقاً للنظام الأساسي للحكم الذي تم إقراره عام 1992، أصبح الإسلام السني هو مصدر السلطة في الدولة، ورغم أن الحكومة تسمح بالتجمعات الدينية، إلا أن الشيعة يواجهون صعوبات في الحصول على التراخيص العامة والاعتراف بالمساجد وبيوت العزاء. ومن مساجد الشيعة في المملكة، مسجد الإمام الحسين بصفوي، ومساجد الأئمة على والعباس والحسن في القطيف، إضافة إلى الأماكن التي تقام فيها مراسم قراءة السير الحسينية، والاحتفالات الدينية، ومآتم الوفيات وتسمى حسينية ومنها: "حسينية الإمام المنتظر بسيهات، والزهراء في القطيف، والإمام زين العابدين في المدينةالمنورة". وكانت شبكة "بي بي سي" البريطانية تمكنت من إنتاج فيلم وثائقي تاريخي عن الحراك السري للشيعة بالمنطقة الشرقية من المملكة، آثار جدلًا واسعًا في المواقع الاجتماعية والمواقع السعودية التي اعتبرت الفيلم طائفيًا. وتمكنت "بي بي سي" من الاتصال، ببعض النشطاء المناهضين للحكومة السعودية في المنطقة الشرقية للمملكة، وقدمت الإعلامية السعودية صفاء الأحمد فيلماً وثائقياً عنونته ب"الحراك السري في السعودية"، وبتمويل من قناة ال"بي بي سي"، إذ استطاعت الوصول إلى أبرز المطلوبين للأمن من الشيعة، وقدمتهم على أنهم نشطاء يطالبون بالعيش الكريم والكرامة ودخلت داخل أحياء وأزقة لبعض الأحياء القديمة في القطيف والعوامية، كما أشارت إلى الخطوات التي اتخذتها الحكومة السعودية للقضاء على المعارضة الشيعية، الأمر الذي أثار غضب السلطات السعودية واعتبرته فيلمًا طائفيًا.