جدول مواعيد الصلوات الخمسة في محافظات مصر غداً السبت 24 مايو 2025    وزير الشؤون النيابية يعلن موافقة الحكومة على مشروع قانون مجلس الشيوخ    وزير البترول: نسعى لتصنيع الفوسفات محليا بدلا من تصديره خاما لتعظيم القيمة المضافة    كلية الدراسات الإفريقية تطلق مؤتمرا دوليا حول فرص الاستثمار في القارة    "التخطيط" والمؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة تبحثان سبل تعزيز الشراكة الاستراتيجية    رئيس الوزراء اللبناني يرحب بقرار عباس تسوية السلاح الفلسطيني في المخيمات    خطوة انتقامية.. هارفارد تقاضي إدارة ترامب بسبب حظر تسجيل الطلاب الأجانب بالجامعة    أنشيلوتي يصف مودريتش ب" القدوة"    دفاع ضحية ابن محمد رمضان: موكلي حُبس داخل الحمام بأمر مباشر من الفنان    سيكو سيكو يحقق 526 ألف جنيه أمس.. ونجوم الساحل يبيع 99 تذكرة    عرض هاملت فات الميعاد على مسرح الأنفوشي    توجيهات بسرعة الانتهاء من تطوير شارع «سوهاج- أسيوط» بنهاية الشهر الجاري    انتهاء الاختبارات العملية والشفوية لطلاب كلية العلوم الرياضية    حريق هائل بمخزن كاوتش بأحد قرى الدقهلية    المجمعات الاستهلاكية تستقبل المواطنين اليوم الجمعة حتى هذا الموعد    جوارديولا: مواجهة فولهام معقدة.. وهدفنا حسم التأهل الأوروبى    علم الوثائق والأرشيف.. أحدث إصدارات هيئة الكتاب    لبحث الاستعدادات النهائية لانطلاق المنظومة.. قيادات «التأمين الشامل» في زيارة ميدانية لأسوان    ننشر مواصفات امتحان العلوم للصف السادس الابتدائي الترم الثاني    الأهلي يجهّز ملف شامل للرد على شكوى بيراميدز بالمحكمة الرياضية    بينها عيد الأضحى 2025.. 13 يوما إجازة تنتظر الموظفين الشهر المقبل (تفاصيل)    البريد المصري يحذر المواطنين من حملات احتيال إلكترونية جديدة    "طلعت من التورتة".. 25 صورة من حفل عيد ميلاد اسماء جلال    خطيب المسجد النبوى يوجه رسالة مؤثرة لحجاج بيت الله    وفاة موظفة بديوان عام محافظة المنيا صدمتها سيارة    القاهرة الإخبارية: الاحتلال استهدف أهالي حاولوا الوصول إلى شاحنات المساعدات    منها «استقبال القبلة وإخفاء آلة الذبح».. «الإفتاء» توضح آداب ذبح الأضحية    أخبار الطقس في السعودية اليوم الجمعة 23 مايو 2025    محافظ الجيزة: الانتهاء من إعداد المخططات الاستراتيجية العامة ل11 مدينة و160 قرية    "فيفا" يعلن استمرار إيقاف القيد عن 7 أندية مصرية.. ورفع العقوبة عن الزمالك بعد تسوية النزاعات    وزير الزراعة يعلن توريد 3.2 مليون طن من القمح المحلي    أسعار الحديد والأسمنت اليوم فى مصر 23-5-2025    شرطة الاحتلال تعتقل 4 متظاهرين ضد الحكومة بسبب فشل إتمام صفقة المحتجزين    أرني سلوت ينتقد ألكسندر أرنولد بسبب تراجع مستواه في التدريبات    انطلاق قافلة الواعظات للسيدات بمساجد مدينة طلخا في الدقهلية    وفد الصحة العالمية يزور معهد تيودور بلهارس لتعزيز التعاون    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 137 مخالفة لمحلات لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    رئيس "التنظيم والإدارة" يبحث مع "القومي للطفولة" تعزيز التعاون    "بئر غرس" بالمدينة المنورة.. ماء أحبه الرسول الكريم وأوصى أن يُغسَّل منه    للمرة الثالثة في يوم واحد.. الحوثيون يستهدفون مطار بن جوريون    صلاح يتوج بجائزة أفضل لاعب في البريميرليج من «بي بي سي»    غلق كلي لطريق الواحات بسبب أعمال كوبري زويل.. وتحويلات مرورية لمدة يومين    رئيس بعثة الحج الرسمية: وصول 9360 حاجا من بعثة القرعة إلى مكة المكرمة وسط استعدادات مكثفة (صور)    الدوري الإيطالي.. كونتي يقترب من تحقيق إنجاز تاريخي مع نابولي    ضبط 379 قضية مخدرات وتنفيذ 88 ألف حكم قضائى فى 24 ساعة    الهلال يفاوض أوسيمين    يدخل دخول رحمة.. عضو ب«الأزهر للفتوى»: يُستحب للإنسان البدء بالبسملة في كل أمر    بسمة وهبة ل مها الصغير: أفتكري أيامك الحلوة مع السقا عشان ولادك    رمضان يدفع الملايين.. تسوية قضائية بين الفنان وMBC    الخارجية: الاتحاد الأفريقى يعتمد ترشيح خالد العنانى لمنصب مدير عام يونسكو    رئيس الأركان الإسرائيلي يستدعي رئيس «الشاباك» الجديد    جامعة القاهرة تعلن عن النشر الدولى لأول دراسة بحثية مصرية كاملة بالطب الدقيق    زلزال بقوة 6.3 درجة يهز جزيرة سومطرة الإندونيسية    دينا فؤاد تبكي على الهواء.. ما السبب؟ (فيديو)    موعد نهائي كأس أفريقيا لليد بين الأهلي والزمالك    أدعية مستحبة في صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    خدمات عالمية.. أغلى مدارس انترناشيونال في مصر 2025    جانتس: نتنياهو تجاوز خطًا أحمر بتجاهله توجيهات المستشارة القضائية في تعيين رئيس الشاباك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتفاضة المنسية في شرق المملكة العربية السعودية (3 3)
نشر في البديل يوم 17 - 09 - 2013


التحوّل نحو القمع العنيف
لم تقلّل جهود رجال الدين من حماسة الناشطين الشباب. ولهذا السبب شنّت الحكومة مابدا أنه حملة أمنية منسّقة. ففي الوقت الذي كانت المفاوضات التي يقودها رجال الدين جارية، اعتقل النظام 120 من المحتجّين وأبقى على وجودٍ شبه دائمٍ لقوات الأمن والمروحيات والعربات المدرّعة في شوارع القطيف.
في 3 آب/أغسطس 2011، اعتُقِل رجل الدين الذي يحظى بشعبية كبيرة توفيق العامر من جديد، الأمر الذي أثار المزيد من التظاهرات خصوصاً بين أنصاره في الهفوف، وكان سبباً في ظهور عبارات التضامن على صفحة "ثورة المنطقة الشرقية" في موقع فايسبوك. في 3 تشرين الأول/أكتوبر 2011، أخذت الاحتجاجات منحًى أكثر عنفاً عندما اشتبكت قوات الأمن مع متظاهرين مسلحين في العوامية، الأمر الذي أسفر عن إصابة أحد عشر شرطيّاً وثلاثة مدنيين. وأظهر شريط فيديو نشر في موقع فايسبوك شباباً ملثّمين وهم يهاجمون أحد مراكز الشرطة. وقيل إن المواجهة اندلعت بعد أن حاولت الشرطة السعودية إلقاء القبض على رجل في الستّين من عمره، في محاولة لإجباره على تسليم ابنه الذي كان يشارك في الاحتجاجات المؤيِّدة للبحرين. 36
أثارت اشتباكات العوامية، عبر المدوّنات والمشهد الإعلامي السعودي، نقاشاً وتفكيراً متجدِّدَين حول الجذور الكامنة وراء العنف. وكما كان متوقَّعاً، ألقت وزارة الداخلية السعودية باللائمة في الاضطرابات على "أطراف خارجية"، وهدّدت بمواجهة المعارضة ب"قبضة من حديد". حضّ بيان الوزارة المحتجّين على أن يقرّروا "ما إذا كان ولاؤهم لله ووطنهم أو لتلك الدولة وسلطتها".37 وقد كرّرت الصحافة السعودية الرسمية هذا الأسلوب إلى حدّ كبير، حيث قال أحد المعلّقين البارزين إن يد إيران، لا التحيّز الطائفي، هي مايحرّك العنف.38
في المقابل، انتقدت أصوات شيعية وأخرى مؤيِّدة للإصلاح ردَّ النظام القاسي باعتباره يميط اللثام عن الطابع الحقيقي له. وقارن البعض اضطرابات العوامية بالاحتجاجات في سورية، قائلين إنها كانت نذيراً بعنفٍ أسوأ في جميع أنحاء المملكة.
وقعت الحوادث التي كان لها أكبر الأثر في تحفيز الشباب على النزول الى الشوارع في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر 2011، عندما قُتِل ناصر المحيشي ابن التسعة عشر عاماً بإطلاق الرصاص عليه عند نقطة تفتيش قرب القطيف. وقيل إن جثته تُرِكَت على الأرض لمدة ثلاث أو أربع ساعات لأن الحكومة رفضت السماح لعائلته بأخذها، الأمر الذي أثار احتجاجات في أنحاء المدينة. وبعد ذلك، قُتِل رجلٌ ثانٍ، هو علي الفلفل، على يد الشرطة. وبحلول نهاية الأسبوع، كان خمسة أشخاص، منهم طفلة تبلغ من العمر تسع سنوات، قد لقوا مصرعهم، وأصيب ستة آخرون برصاص الشرطة. هذا وأورد وزير الداخلية، في بيان صدر عنه، رواية الحكومة للأحداث، وربط الاحتجاجات بالتدخّل الإيراني: "تعرّض عدد من نقاط التفتيش والمركبات الأمنية منذ يوم الاثنين وبشكل متزايد إلى هجمات بإطلاق النار في منطقة القطيف من جانب مهاجمين مدفوعين بأوامر خارجية"، وهو ماكان يقصد به إيران.39
اعتباراً من هذه النقطة، أصبح حرق الإطارات وإطلاق النار من السيارات والمسيرات في الشوارع ومداهمات الشرطة حدَثاً يجري كل ليلة تقريباً. توقّف تقريباً وصول وسائل الإعلام الخارجية إلى العوامية، حيث امتلأت المدينة بنقاط التفتيش والعربات المدرّعة. كانت محاولات الحكومة لتفريق الاحتجاجات قمعية، وتواترت التقارير عن استخدام الذخيرة الحيّة ضد الحشود المسلحة.
في الوقت نفسه، حصلت اعتداءات مسلحة من الشباب الشيعة على مركبات الشرطة، وهي نتيجة غير مفاجئة نظراً إلى العدد الكبير من الأسلحة الصغيرة الموجودة في العوامية. وقد ولّدت وفاة المتظاهرين وسجنهم دوامةً لانهاية لها من الحداد والاحتجاجات التي تبعتها.
وتُقدِّم عطلة نهاية الأسبوع في 10 شباط/فبراير 2012 لمحةً توضيحيةً عن كيفية تجلّي هذا التصعيد. فقد تسبّب نمر النمر، رجل الدين المقيم في العوامية، في حدوث اضطرابات مرة أخرى، إذ ألقى خطبة طالب فيها بإنهاء النظام الملكي. ثم شقّ المحتجّون طريقهم في جميع أنحاء المدينة وراحوا يردّدون مطالبهم المنادية بالإصلاح والإفراج عن السجناء. رمى أحد المتظاهرين دمية تمثّل الأمير نايف، الذي كان قد أصبح ولياً للعهد، على رتلٍ من سيارات مكافحة الشغب المصفحة. وربما تم إطلاق النار على قوات الأمن وربما لم يتم. في الاشتباكات التي تلت ذلك، أطلقت الشرطة النار على زهير السعيد البالغ واحداً وعشرين عاماً من العمر، فتوفّي لاحقاً في المستشفى. وبحلول أواخر العام 2012، كان أكثر من ستة عشر شاباً، الغالبية العظمى منهم من منطقة العوامية، قد قُتِلوا على أيدي قوات الأمن في المنطقة الشرقية،.
اتجاهات جديدة في المعارضة الشيعية
مع مرور الوقت، أصبح المتظاهرون الشباب من العوامية والقطيف أكثر ضجراً وتبرّماً إزاء فشل الإصلاحيين في إجراء تحسينات ملموسة في الظروف المعيشية والوظائف ووضع حدّ للتمييز السائد.40 انتشرت شبكات الشباب في جميع أنحاء المنطقة الشرقية، وازدادت شعبية رجل الدين المثير للمشاكل نمر النمر. كما كثّف الناشطون الشيعة الحوار والتواصل مع الإصلاحيين والناشطين السنّة.
شبكات الشباب: الأهداف والتنظيم
تشبه أهداف المجموعات الشبابية الجديدة، في كثير من النواحي، أهداف الإصلاحيين من كبار السنّ، والتي تتمثّل في الإفراج عن السجناء السياسيين وإقامة نظام ملَكي دستوري. غير أن الاختلافات بين الطرفَين تتمحور حول الإطار الزمني والتكتيكات اللازمة لتحقيق ذلك. فقد قال ناشط قديم في مدينة العوامية في حديث مع الكاتب في العام 2013، إن "الشيوخ والشباب يختلفون في مقدار صبرهم". وفي خطبة ألقاها في العام 2012، بدا أن الزعيم الإصلاحي البارز حسن الصفار يعترف بذلك، إذ حذّر قائلاً إنه "رغم أن الأجيال السابقة تحمّلت المشاكل وتكيّفت معها، فإن الجيل الحالي مختلف".41
ثمة فرق آخر مهم يتمثّل في الازدراء العام الذي يبديه الناشطون الشباب تجاه المناقشات الأيديولوجية والقانونية التي حدّدت النشاط الشيعي منذ فترة طويلة. ففي المقابلات التي أُجريَت معهم، وصف هؤلاء الناشطون الشباب الجدد أنفسهم بأنهم "مابعد أيديولوجيين" وغير طائفيين في مطالبهم. وهناك العديد من الشباب الذين يتجنّبون الخلافات الغامضة بين مختلف مراجع الشيعة، بل إن البعض ذهب إلى حدّ القول إن الانقسامات الأيديولوجية في مابين خط الإمام الموالي لإيران والشيرازيين والتيارات الدينية الأخرى، لامعنى لها إلى حدّ كبير في صفوف الناشطين الشباب. واعتبر الكثيرون في أحاديثهم أن آية الله العظمى السيد علي السيستاني هو مرجعهم المفضّل على وجه التحديد لأنه بقي بعيداً عن الأمور السياسية، لابل إن أحدهم ذهب إلى ماهو أبعد من ذلك حيث وصفه بأنه "مرجع علماني".42
من الناحية التنظيمية، شكّل الناشطون الشباب مجموعات من الشبكات الخلوية التي لاقيادة لها، بأسماء مثل "ائتلاف الشباب الأحرار"، و"شباب الحراك الرسالي"، و"مجموعة التضامن الإسلامي"، و"أحرار سيهات"، و"أحرار تاروت"، و"قطيفيون"، إضافة إلى مجموعة نسائية وهي "زينبيات قطيفيات". ويبدو حتى الآن أن المجموعة الأكثر شعبية من بينها، على الأقل في حضورها على شبكة الإنترنت، هي "ثورة المنطقة الشرقية". وعلى غرار نظيرتها الشبابية في البحرين، تستغل هذه المجموعات وسائل الإعلام الاجتماعية بمهارة لتنسيق الاحتجاجات في الشوارع، والتواصل مع الناشطين من ذوي التوجّهات الفكرية المماثلة، ونشر الانتقادات للنظام. وتظهر الكثير من المجموعات في بياناتها احتراماً واضحاً لتعاليم نمر النمر.
في آذار/مارس 2012، اندمج العديد من هذه الشبكات في "ائتلاف الحرية والعدالة".43 يضطّلع الائتلاف بدور بارز في تنظيم التظاهرات في مختلف أنحاء المنطقة. ويظهر شعار الائتلاف بشكل بارز، والذي يتمثّل بقبضة مشدودة على اللافتات والرايات، في المسيرات التي تُنظَّم في القطيف والعوامية. ومع أن للائتلاف حضوراً قوياً على موقع فايسبوك، لم يرد ذكره إلا قليلاً في وسائل الإعلام المفتوحة، ورفض الكشف عن أي تفاصيل حول حجمه وعدد أعضائه وقيادته خوفاً من انتقام السلطات. ومع ذلك، كشف الائتلاف في أيلول/سبتمبر 2012، عن فرار أحد مؤسّسيه من البلاد، وهو الناشط القديم حمزة علوي الشاخوري. 44
أما الناشطون والمثقّفون الشيعة من كبار السنّ، فيبدون إعجابهم بحماسة المجموعات الشبابية ولكنهم ينتقدون سذاجتها في اعتقادها أن المعارضة المحلية من جانب أقلية طائفية يمكن أن تشعل شرارة حراكٍ على غرار ماجرى في ميدان التحرير في مصر. فقد قال إصلاحي عجوز في حديثٍ مع كاتب الورقة في أوائل العام 2013: "نحن أقلية، ونحن مجرّد محافظة ولايمكننا أن نشعل ثورة". وينتقد آخرون افتقار الشباب إلى برنامج وتنظيم، معتبرين أن ائتلاف الحرية والعدالة لم يستطِع أن يكون مظلة جامعة متماسكة، وأن العدد الكبير من صفحات الفايسبوك للمجموعات الأخرى يوحي بوجود درجة من التماسك والقدرة التي لاوجود لها في الواقع على الأرض.45
تجديد الدعم لنمر النمر
بينما تشتّت الشباب في تجمّعات مختلفة، ظلّ نمر النمر محطّ اهتمام. في صيف العام 2012، تجاوزت لغته الخطابية الجريئة خطاً أحمر. ففي أواخر حزيران/يونيو، ألقى النمر خطبة مطوَّلة مُحرِّضة ضد الأسرة الحاكمة. كان وزير الداخلية المُهاب، الأمير نايف، قد توفّي قبل أقل من أسبوعين، وفرح النمر بوفاته، وتضرّع إلى الله أن يودي بحياة "سلالة آل خليفة وآل سعود كلها".46 حاولت قوات الأمن السعودية إلقاء القبض عليه، ووفقاً لمصادر النظام أعقبت ذلك مطاردة بالسيارات ونشبت معركة بالأسلحة النارية. أصيب النمر في فخذه ثم اعتُقِل واقتيد إلى السجن.
وعوضاً عن إخماد المعارضة الشيعية، أسفر اعتقال نمر النمر عن مزيد من الاحتجاجات في المنطقة الشرقية. عارض الكثير من الشيعة هجوم النمر الشخصي للغاية على الأمير نايف. لكن ردّ النظام الوحشي، على مايبدو، والذي زادته سوءاً صورُ النمر وهو ممدّد وينزف في الجزء الخلفي من سيارة جرّاء إصابته بطلق ناري، حوّل رجل الدين الصريح في آرائه إلى رمزٍ بطوليٍّ للشباب في كل أنحاء المنطقة. بعد وقت قصير من إطلاق النار عليه، دعت صفحة "ثورة المنطقة الشرقية" على موقع فايسبوك إلى تنظيم احتجاجات ضد آل سعود في جميع أنحاء البلاد.47 في 12 تموز/يوليو، نشر موقع "الجزيرة العربية" السعودي المعارض بياناً من مجموعة معارضة غير معروفة حتى الآن، اسمها "حركة شباب الثورة بالقطيف"، هدّد ب"مهاجمة مراكز الشرطة وتفجير آبار النفط" إذا لم يُفرَج عن النمر.48 خرج المئات من المتظاهرين الشيعة إلى الشوارع، وأصبحت الاشتباكات مع قوات الأمن حدَثاً يجري كل ليلة تقريباً.49
وكما كانت الحال في السابق، وضع تصاعد العنف مزيداً من الضغوط على النهج التصالحي لرجال الدين والناشطين من كبار السنّ. في 14 تموز/يوليو، ناشد 40 رجل دين من جميع ألوان الطيف الأيديولوجي – من الشيرازيين إلى خط الإمام – الشبابَ الشيعةَ بالبقاء صامدين، ووقف جميع أعمال العنف لتجنّب تمكين "التحريض الطائفي" للنظام. وظهرت رسالة مماثلة في 19 آب/أغسطس، صادرة عن تسعة من رجال الدين الشيعة، جاء فيها: "نطلب من الناس في هذه البلدة الوقوف بحزم ضد العنف في جميع أشكاله، وإدانة التجاوزات ضد الأرواح والممتلكات".50 رأى العديد من الناشطين الشباب أن هذه البيانات ليست سوى حيلة يتبنّاها النظام لخنق الاحتجاجات من أي نوع. فقد قال أحد الناشطين الشباب: "كان بيانهم أشبه تماماً بخط الحكومة (أوقِفوا الاحتجاج، فأنتم تسبّبون فتنة)".51
كما أن اعتقال النمر لم يهدّئ السنّة أو يوقف موجة التظاهرات السنّية. فقد تميّز صيف وخريف العام 2012 باحتجاجات متواصلة أمام السجون في القصيم، معقل السلفية المحافظة. وبصرف النظر عن الغضب بشأن السجناء السياسيين، كان الغضب السنّي موجّهاً إلى سوء الإدارة الاقتصادية والفساد، خصوصاً في محافظات المملكة الغربية والجنوبية. ويقول الناشطون الشيعة الشباب إن هذه التظاهرات السنّية مستوحاة من ثقافة الاحتجاج في المنطقة الشرقية.
جهود الشيعة في الحوار العابر للطوائف
في محاولة للاستفادة من هذا التيار من النشاط السنّي، حاول الإصلاحيون في المنطقة الشرقية مجدداً بذل جهد لبدء حوار عابر للطوائف مع السنّة في جميع أنحاء البلاد. وكما كانت الحال في الماضي، يجري جزء كبير من الحوار خارج نطاق منتديات "الحوار" المُعتمَدة رسمياً من النظام، والتي يعتبرها العديد من الناشطين وسيلةً لتنظيم وتقييد أيّ نوع من التنسيق بشأن الإصلاح الفعلي.
وقد استغل جيلٌ أصغر سناً من الناشطين مواقع التواصل الاجتماعي للقيام بجهود التواصل. على سبيل المثال، أطلقت مجموعة من الشباب الشيعة، في أوائل العام 2013، حملةً على موقع تويتر لدعوة أهل السنّة من جدة إلى الاحتفال بليلة المولد النبوي.52 وقال أحد منظّمي البرنامج عن السنّة للكاتب مازحاً: "كلّهم يظنون أننا نتكلّم بالفارسية هنا".
على الرغم من هذه الجهود، ثبت أن قيام تعاون حقيقي أمر بعيد المنال بسبب الطائفية المتجذّرة في المجتمع السعودي.53 لايزال العديد من الإصلاحيين السلفيين يبدون فتوراً إزاء فكرة مخالطة الشيعة بصورة وثيقة جداً. ويتجلّى هذا الأمر على نحو أكثر وضوحاً في موقف رجل الدين السلفي والاستفزازي الذي يحظى بشعبية هائلة، الشيخ سلمان العودة، والذي ألمَحَ علناً إلى الإصلاحات الديمقراطية؛ وقد تخلّى العودة عن الخطاب الطائفي إلى حدّ كبير، واستقبل وفوداً من الشيعة.54 لكن السكان الشيعة المحليين يعبّرون عن أسفهم لأن العودة لم يصل إلى حدّ التعاون معهم خوفاً من استعداء قاعدته السنّية. فقد اعترف أحد الناشطين في القطيف لكاتب الورقة قائلاً: "لم يترجم الاحترام المتزايد بين السنّة والشيعة إلى عمل جماعي. لقد فعلنا كل ما في وسعنا، والأمر يتوقّف على الإصلاحيين السنّة الآن".
نحو سلام دائم في المنطقة الشرقية
تجاوزت المملكة العربية السعودية الذكرى السنوية الثانية للانتفاضات العربية، والمنطقة الشرقية عالقة بين بصيص من الأمل وخيبة الأمل الدائمة. في أوائل العام 2013، كانت هناك بعض المؤشّرات المشجّعة على أن الحكومة اتّخذت خطوات لمعالجة المظالم القائمة منذ وقت طويل. شملت هذه الخطوات إغلاق بعض القنوات التلفزيونية التي تشدّقت في الخطاب المعادي للشيعة، وتعيين عضو شيعي إضافي في مجلس الشورى، وبناء مركز للحوار بين الأديان – وإن كان خارج البلاد، في فيينا. إضافة إلى ذلك، فُصِل حاكم المنطقة الشرقية القديم، الأمير محمد بن فهد، عن منصبه الذي كان تولاه منذ العام 1985. لكن على الرغم من هذه الخطوة، ظلّ العديد من الناشطين متشائمين بشأن التغيير الحقيقي، مشيرين إلى أن السياسة الخاصة بالمنطقة الشرقية توجَّه مركزياً من الرياض، ولاسيما من وزارة الداخلية، وليس على مستوى المحافظة أو البلدية.
بحلول منتصف العام 2013، بدا أن سياسة الحكومة عادت لتصوّر النشاط في المنطقة الشرقية على أنه يتم وفقاً لتوجيهات من إيران. كان أبرز دليل على ذلك اعتقال ستة عشر سعودياً شيعياً في حملة تفتيش بتهمة التآمر للتجسّس لصالح إيران، وكان العديد منهم مهنيّين يقيمون في الجزء الغربي من البلاد.55 في الوقت نفسه تقريباً، دعا المدعي العام في المملكة العربية السعودية إلى إعدام نمر النمر بتطبيق حدّ الحرابة عليه (الصلب).56
يحتاج النظام في السعودية إلى تجاوز استراتيجية قائمة على القمع والانتقائية للتصدّي لدوافع المعارضة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. الأهم من ذلك هو أنه تمّت بالفعل بلورةُ الخطوات الأولية في هذا الاتجاه. في العام 2012، نشر مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية تحقيقاً شاملاً وموسَّعاً في اضطرابات المنطقة الشرقية، جرى بعد ذلك تسريبه إلى أحد مواقع المعارضة.57 ويُعَدّ التقرير الذي يتألّف من 125 صفحة، ويستند إلى مقابلات واسعة في تمت في المنطقة الشرقية، لافتاً للنظر بسبب موضوعيته وتوسّعه في تحديد جذور المعارضة في المنطقة الشرقية من حيث المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتجذّرة، بدلاً من الاعتماد على التفسيرات المعتادة من الإجرام أو التخريب بمساعدة إيرانية. فقال أحد الناشطين الشيعة في الصفوة، مشيراً إلى اللجنة البحرينية المستقلة لتقصّي الحقائق التي حقّقت في انتهاكات العام 2011 في ذلك البلد: "إنها النسخة السعودية من تقرير بسيوني".
وتشمل توصيات التقرير مايلي:
وقف الطائفية في وسائل الإعلام
سحب القوات السعودية من البحرين
إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، وخصوصاً "المنسيّين التسعة" الذين قضوا ستة عشر عاماً من دون محاكمة
تشكيل لجنة للتحقيق في ممارسات وزارة الداخلية في بلدة العوامية
إصلاح مركز الشرطة المحلي في العوامية وتعزيز التنمية في القطيف من خلال مشاريع الإسكان وتوفير مدارس أفضل ومرافق رياضية للشباب
وبصرف النظر عن تنفيذ هذه التدابير المحلية، ثمة المزيد مما يمكن أن يقوم به النظام على الصعيد الوطني. فالاعتقالات التعسّفية والقوانين الصارمة ضد "الفتنة" والرقابة هي التجاوزات التي لاتزال تؤجّج المعارضة الشبابية في المنطقة الشرقية، وهي التي شجّعت على الاحتجاجات في أماكن أخرى من البلاد. ولذا، ينبغي أن يكون وضعُ حدٍّ لهذه الممارسات أولويةً فورية. وفي مايخص المنطقة الشرقية تحديداً، ينبغي على النظام إضفاء الطابع الرسمي على الاعتراف بمجموعة قوانين الشيعة الجعفرية، وتطبيق تمثيل الشيعة في هيئة كبار العلماء ومجلس القضاء الأعلى. فهذه هي الخطوات الحاسمة التي سيكون لها تأثير تدريجي في المواقف الاجتماعية والإعلام والتعليم والإجراءات القضائية المحلية.
ففي المجال الاقتصادي، يُعتَبَر إنهاء التمييز في التوظيف بالنسبة إلى الشيعة تحدّياً طويل الأمد يتطلّب القيام بإصلاحات بيروقراطية وطنية في وزارة العمل، وفي ممارسات قطاع الأعمال في السعودية. هذا ويمثّل دمج الشيعة في قوات الشرطة المحلية ووزارة الداخلية نقطةَ الانطلاق الرئيسة في هذا المجال. والأهم من ذلك هو ضرورة أن تُعطى المجالس البلدية المُنتخَبة في جميع أنحاء البلاد قدراً أكبر من الرقابة والسلطة التنفيذية على ميزانياتها. فكثيراً مايذكر زعماء الشيعة في المنطقة الشرقية أن هذه السلطات سوف تُمكِّنهم من تعزيز البنية التحتية المحلية، وتحسين المرافق التعليمية والرياضية، وتنويع اقتصاد المنطقة في مجالات مثل السياحة، الأمر الذي يُعَدّ أساسياً لتجنّب مخاطر المعارضة التي يحرّكها الشباب.
وأخيراً، ينبغي على النظام وضع حدّ لسياساته، الرسمية منها والضمنية، التي تصوِّر أيَّ تعبيرٍ عن المعارضة في الشرق على أنه دليل على التخريب الإيراني. فهذا السلوك لايغذّي بيئة سياسية سامة وحسب، بل يساهم أيضاً في تنفيرِ جيلٍ شاب من الشيعة الذين يواجهون مستقبلاً مظلماً أكثر فأكثر، ودَفعِهِ إلى التشدّد. وفي حين تُظهِر الغالبية العظمى من هؤلاء الشباب بعض التعاطف مع إيران، ألمح البعض إلى أن إصرار النظام على إظهار الشيعة بمظهر الشيطان يمكن أن يصبح نبوءة ذاتية التحقّق، خصوصاً بالنظر إلى الآثار المتبقّية في المنطقة الشرقية لجماعة "حزب الله الحجاز" المتشدّدة المدعومة من إيران. في ضوء ذلك، فإن القيام بإصلاحات موضوعية في المنطقة الشرقية يمكن أن يدعم أحد الأهداف الاستراتيجية الشاملة للحكومة السعودية: التصدّي للنفوذ الإيراني في الداخل والخارج.
هوامش
36. Patrick Cockburn, "Saudi Police ‘Open Fire on Civilians' as Protests Gain Momentum," Independent, October 5, 2011.
37. موقع وزارة الداخلية: www.moi.gov.sa
أنظر أيضاً:
Foreign Elements Blamed for Qatif Riots," Arab News, October 5, 2011.
38. مشاري الذايدي، "العوامية: القصة ليست طائفية"، الشرق الأوسط، 11 تشرين الأول/أكتوبر 2011.
39. Patrick Cockburn, "Saudi Arabia: Four Men Killed as Shia Protests Against the State Intensify," Independent, November 25, 2011.
40. بشير، "ثوار سعوديون: مقابلة".
41. يمكن الاطلاع على الخطبة التي ألقاها الصفار في 21 تموز/يوليو على الموقع التالي: www.saffar.org/?act=artc&id=3007
أنظر أيضاً المقابلة مع توفيق السيف الذي يكرّر هذه النقطة. "قال الشباب للقادة: (عليكم أن تتوقفوا. فأنتم لم تقدّموا ماوعدتم به. الآن سنبذل كل ما في وسعنا)".
Anonymous, "Saudi Shiite Protests Show Rise of Radical Generation: Authorities Accuse Iran of Stirring Unrest," Kuwait Times, July 21, 2012.
42. مقابلة شخصية مع ناشط شيعي شاب، تاروت، المملكة العربية السعودية، 24 كانون الثاني/يناير 2013.
43. أنظر صفحة الائتلاف على موقع فايسبوك: www.facebook.com/cofaj
أنظر أيضاً مراسلات الكاتب مع أحد أعضاء الائتلاف، 12 شباط/فبراير 2013، ومقابلات مع شباب المنطقة الشرقية، المملكة العربية السعودية، كانون الثاني/يناير 2013.
44. مراسلات الكاتب بواسطة البريد الإلكتروني مع أحد أعضاء الائتلاف، 12 شباط/فبراير 2013.
45. مقابلة شخصية مع مثقّف سعودي شيعي، القطيف، المملكة العربية السعودية، 20 كانون الثاني/يناير 2013.
46. الفيديو متوفّر على الموقع التالي:
www.youtube.com/watch?v=4x358ZGNgeA
47. أنظر صفحة "ثورة المنطقة الشرقية" على موقع فايسبوك، 12 تموز/يوليو 2012: www.facebook.com/rev.east
48. البيان موجود على موقع الجزيرة العربية على الإنترنت، 12 تموز/يوليو 2012:
http://shmsaljazereh.blogspot.com/2012/07/5.html
49. Anonymous, "Shia Cleric Arrested in Saudi After Shootout," Al Jazeera, July 18, 2012.
50. Anonymous., "Saudi Shiite Clerics Condemn Violence in Restive Qatif," al-Arabiya (English), 21 August 21, 2012,http://english.alarabiya.net/articles/2012/08/21/233432.html.
وفي تكرار لهذا التحذير، حذّرت خطبة ألقاها حسن الصفار، في 31 آب/أغسطس، من أن شبكات التواصل الاجتماعي يمكن أن تُستغَلّ لنشر الإشاعات الكاذبة التي "تهدم جسور الثقة بين الناس وتتسبّب في إثارة الفتنة والمشاكل". الكاتب مجهول، "الشيخ الصفار يحذر من فوضى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي"، موقع حسن الصفار، http://saffar.org/?act=artc&id=3042.
51. مقابلة شخصية مع ناشطين سعوديين شباب من الشيعة، العوامية، المملكة العربية السعودية، 20 كانون الثاني/يناير 2013.
52. يمكن الاطلاع على حساب البرنامج على موقع تويتر: https://twitter.com/tawasul_qatif
53. للحصول على معلومات خلفية عن جهود الإصلاحيين في مجال الحوار، أنظر توفيق السيف، "أن تكون شيعياً في السعودية: إشكالات المواطنة والهوية في مجتمع تقليدي"، كانون الثاني/يناير 2013. http://talsaif.blogspot.com/2012/12/view-to-be-shia-in-saudi-arabia-on_25.html
54. يمكن الاطلاع على مثال توضيحي لآراء العودة حول الديمقراطية على الموقع التالي:https://twitter.com/salman_alodah/status/280321067069865984
55. "Saudi Says Detained ‘Spy Ring' Linked to Iran," Al Jazeera, March 26, 2013.
56. Anonymous, "Saudi: Sheikh Nimr's Crucified Fate," al-Akhbar (Lebanon), March 30, 2013.
57. عبدالرحمن محمد عمرو العقيل، "أحداث العوامية والقطيف"، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، 10 شباط/فبراير 2012. التقرير الكامل متوفّر على الموقع التالي: http://t.co/wltovJtn
فريدريك ويري
المصدر: مركز كارنيغي للشرق الأوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.