محلل اقتصادي: محاسبة المتسببين في البنزين المغشوش توجه من الدولة لمكافحة الفساد    الأونروا: غزة تحتاج 500-600 شاحنة مساعدات يوميًا والكميات الواصلة "إبرة في كومة قش"    عاجل.. إنتر ميلان يخسر لقب الدوري الإيطالي رغم فوزه على كومو    حميد الشاعرى يغنى مع تامر حسنى "عينى" والأخير يعلق: غيّر شكل الأغنية فى مصر    سمية عبدالمنعم تكتب: تشكلات الزمن ودلالة العناوين في روايات صنع الله إبراهيم    السفيرة نبيلة مكرم: هناك سر في رقم 7 عند المسلمين والمسيحيين    غرق شاب داخل حمام سباحة بالشيخ زايد    المركز الثقافي بكفر الشيخ يشهد عرض ملحمة السراب لفرقة دمياط    يد الأهلي بطلا لكأس الكؤوس الأفريقية بعد الفوز على الزمالك    مستقبل وطن يعقد اجتماعا مع أمنائه في المحافظات لمناقشة خطة عمل المرحلة المقبلة    إنقاذ شاب مصاب بطعنة نافذة بالقلب فى المستشفى الجامعى بسوهاج الجديدة    لتصحيح المفاهيم الخاطئة، الأوقاف تسير قوافل دعوية للمحافظات الحدودية    تشكيل إنتر ميلان ضد كومو في ختام الدوري الإيطالي    سبورت: خطوة أخرى على طريق ميسي.. يامال سيرتدي الرقم 10 في برشلونة    «الوزير» يتفقد الخط الثاني للقطار الكهربائي السريع في المسافة من القاهرة حتى المنيا    وفقا للحسابات الفلكية.. موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى 2025    انخفاض القيمة السوقية لشركة آبل دون مستوى 3 تريليونات دولار    أسعار مواد البناء مساء اليوم الجمعة 23 مايو 2025    بسبب توتنهام.. مدرب كريستال بالاس يكشف حقيقة رحيله نهاية الموسم    اليونيسيف: الأزمة الإنسانية فى غزة تعصف بالطفولة وتتطلب تدخلاً عاجلاً    ما حكم الكلام فى الهاتف المحمول أثناء الطواف؟.. شوقى علام يجيب    «مكنتش بتفرج عليها».. تعليق مفاجئ من الدماطي على تتويج سيدات الأهلي    عاجل|بوتين: مستقبل صناعة السلاح الروسية واعد.. واهتمام عالمي متزايد بتجربتنا العسكرية    العلمين الجديدة.. أبرز مميزات المدينة بعد تتويجها بلقب عاصمة المصايف العربية 2025    كم تبلغ قيمة جوائز كأس العرب 2025؟    من مصر إلى إفريقيا.. بعثات تجارية تفتح آفاق التعاون الاقتصادي    انطلاق امتحانات العام الجامعي 2024–2025 بجامعة قناة السويس    محافظ البحيرة: إزالة 16 حالة تعدي على أملاك الدولة بالموجة ال 26    مستشفى الحوض المرصود يطلق يوما علميآ بمشاركة 200 طبيب.. و5 عيادات تجميلية جديدة    بين الفرص والمخاطر| هل الدعم النفسي بالذكاء الاصطناعي آمن؟    القاهرة 36 درجة.. الأرصاد تحذر من موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد غدًا    رئيس "التنظيم والإدارة" يبحث مع "القومي للطفولة" تعزيز التعاون    هل يحرم على المُضحّي قصّ شعره وأظافره في العشر الأوائل؟.. أمين الفتوى يوضح    أمين اتحاد دول حوض النيل يدعو للاستثمار في أفريقيا |خاص    مدير جمعية الإغاثة الطبية في غزة: لا عودة للمستشفيات دون ضمانات أممية    إيفاد قافلتين طبيتين لمرضى الغسيل الكلوي في جيبوتي    تقديم الخدمة الطبية ل 1460 مواطنًا وتحويل 3 حالات للمستشفيات بدمياط    الزمالك يعلن جاهزيته للرد على المحكمة الرياضية بعدم تطبيق اللوائح فى أزمة مباراة القمة    صفاء الطوخي: أمينة خليل راقية وذكية.. والسعدني يمتلك قماشة فنية مميزة    جوارديولا: مواجهة فولهام معقدة.. وهدفنا حسم التأهل الأوروبى    ضمن رؤية مصر 2030.. تفاصيل مشاركة جامعة العريش بالندوة التثقيفية المجمعة لجامعات أقليم القناة وسيناء (صور)    بدون خبرة.. "الكهرباء" تُعلن عن تعيينات جديدة -(تفاصيل)    خطيب المسجد النبوى يوجه رسالة مؤثرة لحجاج بيت الله    ضبط مدير مسئول عن شركة إنتاج فنى "بدون ترخيص" بالجيزة    ننشر مواصفات امتحان العلوم للصف السادس الابتدائي الترم الثاني    "طلعت من التورتة".. 25 صورة من حفل عيد ميلاد اسماء جلال    البريد المصري يحذر المواطنين من حملات احتيال إلكترونية جديدة    محافظ الجيزة: الانتهاء من إعداد المخططات الاستراتيجية العامة ل11 مدينة و160 قرية    وزير الزراعة يعلن توريد 3.2 مليون طن من القمح المحلي    زلزال بقوة 5.7 درجة يدمر 140 منزلا فى جزيرة سومطرة الإندونيسية    رئيس بعثة الحج الرسمية: وصول 9360 حاجا من بعثة القرعة إلى مكة المكرمة وسط استعدادات مكثفة (صور)    المشروع x ل كريم عبد العزيز يتجاوز ال8 ملايين جنيه فى يومى عرض    ترامب وهارفارد.. كواليس مواجهة محتدمة تهدد مستقبل الطلاب الدوليين    يدخل دخول رحمة.. عضو ب«الأزهر للفتوى»: يُستحب للإنسان البدء بالبسملة في كل أمر    ضبط 379 قضية مخدرات وتنفيذ 88 ألف حكم قضائى فى 24 ساعة    مصادر عسكرية يمينة: مقتل وإصابة العشرات فى انفجارات في صنعاء وسط تكتّم الحوثيين    دينا فؤاد تبكي على الهواء.. ما السبب؟ (فيديو)    خدمات عالمية.. أغلى مدارس انترناشيونال في مصر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتفاضة المنسية في شرق المملكة العربية السعودية (2 3)
نشر في البديل يوم 15 - 09 - 2013

على مدى العقدَين الماضيَين، لم تُسفِر محاولات الإصلاحيين على صعيد النشاط السلمي إلا عن نتائج مخيّبة للآمال. في نهاية المطاف، تحوّل تصاعد مشاعر الإحباط مع غياب الإصلاح إلى غضب جماعي. وإن كان هناك من حدثٍ يمكنه تحديد هذا التحوّل بدقة، فهو أعمال الشغب التي وقعت في المدينة المنورة في شباط/فبراير 2009، وهي مدينة يبجّلها الشيعة لأنها تضمّ قبور أئمة الشيعة. فقد اندلعت اشتباكات بين الحجاج الشيعة الذين كانوا يزورون المقبرة وأفراد من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التابعة للنظام. ومع أن الروايات الخاصة بالحادث تختلف، يبدو أن شرارة الاضطرابات انطلقت عندما قامت الشرطة الدينية بتصوير إناث من الحجّاج الشيعة. بعد ذلك، دخلت قوات الأمن إلى الأحياء الشيعية في المدينة حيث قامت بضرب السكان واعتقالهم، وأُصيب العشرات نتيجة لذلك.9
راوغ الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود، وهو الثاني في تسلسل ولاية العرش الذي كان قد عُيِّن حديثاً، وأثار اللبس في سياق إدانته للحادث، الأمر الذي أثار حفيظة الشيعة. وفي مقابلة صحافية لاحقة، بدا أن نايف يبرّر ردَّ الشرطة الدينية الوحشي، حيث قال إن المملكة العربية السعودية تتّبع "مذهب أهل السنّة"، وإنه رغم أن بعض المواطنين "يتبعون مدارس فكرية أخرى… فإن على عقلائهم أن يحترموا هذا المذهب".10 بالنسبة إلى الشيعة في المنطقة الشرقية، بدا أن ردّ النظام يؤكّد الشكوك المتزايدة بشأن وقف تواصل العائلة الحاكمة مع الشيعة أو التراجع عنه. وسرعان ما اندلعت التظاهرات في القطيف والعوامية والصفوة، الأمر الذي شكّل علامة على أخطر انفجار للمعارضة الشيعية منذ العام 1979.
أدّت أعمال الشغب في المدينة المنورة والإجراءات الصارمة التي تلتها، إلى تزايد حدّة الانقسامات داخل الطائفة الشيعية بشأن وتيرة الإصلاح ونطاقه. في أوائل آذار/مارس، أعلن حمزة الحسن، أحد أوائل منظّري منظمة الثورة الإسلامية الذي يقيم الآن في لندن، تشكيل "حركة خلاص في الجزيرة العربية" وقد رفضت الحركة صراحةً، مستشهدة ببطء وتيرة الإصلاح باعتباره المُحرِّك الرئيس وراء تشكيلها، النهجَ التدريجي والتشاركي للإصلاحيين، قائلةً إن تقرير المصير هو "حقّ مشروع" لأي جماعة مضطّهدة.11
بيد أن التأثير الأكثر ديمومة للاشتباكات تمثَّلَ في زيادة شعبية آية الله نمر باقر النمر، وهو رجل دين شيعي صريح في التعبير عن آرائه رفضَ أيضاً النهج التشاركي للإصلاحيين، والذي كان تأييده يقتصر على مسقط رأسه في العوامية.12 في خطبة الجمعة التي ألقاها يوم 13 آذار/مارس، انتقد النمر النظام وحذّر من أن انفصال المنطقة الشرقية عن بقية البلاد هو الخيار الوحيد المتبقّي. كان أداء النمر نارياً وجذب أعداداً غير مسبوقة من الشبان المُحبَطين، وسرعان ما اكتسبت الخطبة شهرة واسعة على شبكة الإنترنت بوصفها "خطاب الكرامة". إلا أن الخطبة أثبتت في صفاقتها ورفضها القاسي للحوار أنها مربكة جداً للشخصيات الأكثر واقعية في حركة الإصلاحيين. ولذا لم يكن مفاجئاً أن تثير إشارة الخطاب إلى الانفصال حفيظةَ النظام، الذي تصرّف بسرعة واعتقل النمر وعدداً من أنصاره وفرض حظر التجوّل على العوامية.
وبدلاً من خنق المعارضة، أدّت موجة الاعتقالات إلى إطلاق نداءات واسعة للتضامن مع النمر، الأمر الذي أدّى، على عكس ماهو مُتوقَّع، إلى تعزيز مكانة هذه الشخصية الشيعية التي كان النظام يتمنّى تهميشها. نظّم الناشطون في أنحاء المنطقة الشرقية اعتصامات للمطالبة بالإفراج عن متظاهري العوامية. في نيسان/أبريل، أصدرت مجموعة من 60 شخصية شيعية، منها ثمانية عشر من رجال الدين البارزين، بياناً أعربت فيه عن التضامن مع سكان العوامية، وطالبت بوضع حدّ للتمييز الطائفي، في حين نأت بنفسها أيضاً عن دعوات النمر إلى الانفصال.13
بحلول أواخر العام 2010، بدأت مجموعة شابة وأكثر نشاطاً من الشيعة السعوديين تدرك أكثر فأكثر أن العائلة المالكة تمكّنت من استلحاق الكوادر القديمة من الإصلاحيين، وأن هذه الكوادر فشلت في تحقيق أي تحسينات ذات مغزى. كان هذا الجيل الأصغر سنّاً عرضةً إلى رياح التغيير التي تجتاح المنطقة. وأصبحت الخلافات حول استراتيجيات الإصلاح تتمّ شيئاً فشيئاً على أساس صراع الأجيال. وتزايدت تلك الفجوة لتصل إلى ذروتها في نهاية المطاف في أعقاب الانتفاضات في تونس والقاهرة.
في أعقاب سقوط الرئيس المصري حسني مبارك والتغيّرات الهائلة التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط في العام 2011، كانت الفئة الأكبر سنّاً من الناشطين والإصلاحيين هي التي بادرت أولاً إلى الضغط من أجل التغيير في المملكة العربية السعودية. وقّع الإصلاحيون الذين يفضّلون أسلوب الاحتجاج السلمي رسالةً إلى العائلة المالكة تطالب بملَكية دستورية. شملت قائمة الموقّعين ال119 على الوثيقة التي أُطلِق عليها اسم "إعلان وطني للإصلاح"، مجموعة واسعة من الناشطين من مختلف ألوان الطيف الأيديولوجي والطائفي. حثّت الوثيقة على إجراء مجموعة واسعة من الإصلاحات السياسية والمدنية، بما في ذلك إنشاء جمعية وطنية مُنتخَبة، وحماية حقوق الإنسان، والأهمّ من ذلك، تأسيس نظام فدرالي من شأنه أن يعطي سلطة أكبر لحكومات المحافظات. وكان المطلب الأخير ذا أهمية خاصة باعتباره الشكوى التي وحّدت السنّة والشيعة.14
لكن بالنسبة إلى الناشطين الشباب في الشرق، الذين ألهمتهم حشود المتظاهرين في تونس وميدان التحرير وبنغازي ودوار اللؤلؤة، كانت العريضة رمزاً لنهج قديم وبالٍ ثبت فشلُه. اشترك العديد من هؤلاء الناشطين في التخطيط لتظاهرات على مستوى البلاد، تقرّر القيام بها في 11 آذار/مارس، ووُصِفَت بأنها "يوم الغضب"، و"يوم حنين"، وأكثر فأكثر بأنها "ثورة حنين"، في إشارة تاريخية إلى معركة حنين التي جرت بين النبي محمد وأتباعه وبين قبيلة بدوية، قرب الطائف في العام 630 ميلادي.
في أوائل آذار/مارس، بدا أن مجموعات شبابية متباينة في جميع أنحاء البلاد قد اندمجت تحت مظلّة حركة عابرة للطوائف أُطلِق عليها اسم "ائتلاف الشباب الأحرار". أصدر الائتلاف مجموعة مطوّلة من المطالب تتألّف من 24 مطلباً، بما في ذلك الإفراج عن السجناء السياسيين، ووضع حدّ للفساد، وإلغاء جميع "الديون والضرائب غير المبرّرة"، وانتخاب مجلس للشورى، وإنشاء سلطة قضائية مستقلة.15 لكن المحاولة فشلت في نهاية المطاف بسبب الشكوك المتبادلة بين السنّة والشيعة في المنطقة الشرقية حول أهداف الاحتجاجات وتسلسلها.
سرعان ماظهرت التوترات داخل الحركة الاحتجاجية بشأن تحديد أولويات الأجندات المحلية أو الوطنية. بدأ الشيعة على وجه الخصوص بالتركيز أكثر على مطالب وإصلاحات محدّدة حول التمييز في المنطقة الشرقية، بدلاً من التركيز على أهداف وطنية شاملة مثل القضاء على الفساد وصياغة دستور. ظهرت صفحات الفايسبوك الأولى التي تركّز بشكل خاص على المنطقة الشرقية في 3 آذار/مارس، بما في ذلك الصفحة التي تتمتعّ بشعبية واسعة، "ثورة المنطقة الشرقية". لاتزال الصفحة نشطة وفيها روابط لمقاطع الفيديو والمنشورات.
أوضح منظّمو صفحة "ثورة المنطقة الشرقية" أن أجندتهم مختلفة عن أجندة "ثورة حنين". وقد جعل الموقع من الإفراج عن تسعةٍ من السجناء الشيعة "المنسيين" الذين اعتُقِلوا لمدة ستة عشر عاماً من دون محاكمة بسبب تورّطهم المزعوم في تفجير أبراج الخبر، مطلبَه الأساسي، وكذلك إطلاق سراح توفيق العامر، وهو رجل دين شعبي من الهفوف كان اعتُقِل بسبب دعوته إلى قيام ملَكية دستورية.16
وقد عمد الشيعة إلى جدولة احتجاجاتهم إضافة إلى التعبير عن المطالب المحلية الخاصة بهم. فجرت أول تظاهرة يوم 3 آذار/مارس، قبل ثمانية أيام من "يوم الغضب"، عندما سار نحو 100 متظاهر في العوامية والقطيف تضامناً مع المعتقلين "المنسيّين". حصلت احتجاجات مماثلة في اليوم التالي بعد صلاة الجمعة في القطيف والهفوف والصفوة والعوامية. ردّ النظام باعتقال مايقرب من أربعة وعشرين متظاهراً، بمَن فيهم مثقّفون بارزون، في شوارع القطيف. كما وقع العديد من الجرحى بحسب ماذكرت التقارير. في 6 آذار/مارس، أفرجت السلطات السعودية عن العامر إلى جانب متظاهرين آخرين كانوا مُحتجَزين في لفتة واضحة للمصالحة.17
كما دعت صفحة "ثورة المنطقة الشرقية" إلى بدء اعتصامات يوم 9 آذار/مارس في القطيف. وأكّد المنظّمون، في سياق تبريرهم لتحديد هذا التاريخ، أن قضية السجناء الذين لايزالون طيّ النسيان ستضيع "وسط كل الشعارات الأخرى التي سيتم إطلاقها يوم [11 مارس]". كما أكّدوا أن "ثورتنا تمثّل إدانة للجرائم البشعة التي ارتكبها [أمير المنطقة الشرقية] محمد بن فهد". 18
جاء ردّ فعل الأصوات المعارضة الأخرى سريعاً. فقد قالت إحدى المعلِّقات على شبكة الإنترنت، وتُدعى سلمى الشهاب، إن صفحة "ثورة المنطقة الشرقية" مناطقية وطائفية، وأشارت إلى أن القائمين عليها أنفسهم ينتقدون مثل هذه التقسيمات.19 وقال آخرون يزعمون أنهم يمثّلون الجهات الراعية ل"يوم الغضب" الرئيس، إن أشخاصاً من السنّة هم الذين أسّسوا الصفحة ويشرفون عليها، وإن الاحتجاجات الشيعية تهدّد باستقطاب الحركة الوطنية الأوسع وتقسيمها.
اتّخذت الاحتجاجات منعطفاً أكثر دراميةً في 17 آذار/مارس، عندما تدخّلت القوات السعودية والإماراتية في البحرين لمساعدة النظام الملَكي البحريني السنّي في قمع الاحتجاجات المستمرة من جانب الأغلبية الشيعية في البلاد. وكان نشر القوات السعودية في البحرين قد أعاد تحريك احتجاجات الشيعة في المنطقة الشرقية بسبب وجود صلات عميقة بين الشيعة في كلا البلدين. ركّزت شعارات مسيرات الشيعة في المملكة العربية السعودية بشكل متزايد على انسحاب القوات السعودية وإطلاق عبارات التضامن مع المحتجّين في البحرين، وهو مايشكّل مثالاً مهماً على تعزيز المعارضتَين في البلدين إحداهما الأخرى.
في نهاية المطاف، فشلت الاحتجاجات في المملكة العربية السعودية في تلبية التوقّعات العالية لمنظّميها. عزا العديد من الناشطين في المنطقة الشرقية، في مداولاتهم التي أعقبت الصدمة حول سبب فشل الاحتجاجات، فشلَ التظاهرات في استقطاب تأييد شعبي واسع إلى لامبالاة السنّة والنفور التاريخي لوسط منطقة نجد من بدء أي نوع من المعارضة ضد الوضع الراهن. من جانبهم، اتّهم الناشطون السنّةُ الشيعةَ بأنهم بدأوا احتجاجاتهم بصورة مبكّرة. في المقابل، اعتبرت وسائل الإعلام الرسمية غياب الاحتجاجات على الصعيد الوطني تأكيداً على تسامح أسرة آل سعود وشرعيتها. فقد كتب رئيس تحرير صحيفة الشرق الشرق، طارق الحميد قائلاً: "فوجئ الجميع عندما تحوّل يوم الغضب هذا إلى بيعة صامتة عبّر فيها الجمهور السعودي بصمتٍ عن دعمه للقيادة".20 وكانت تلك هي السمة التي برزت بوضوح في حملة التعبئة المضادة التي قامت بها الحكومة.
ردّاً على الاحتجاجات، طبّق النظام السعودي نموذجاً طالما استخدمه لإدارة المعارضة الداخلية واحتوائها، ولاسيما في المنطقة الشرقية. لكن النتيجة النهائية لكلّ هذه الإجراءات لم تسفر عن شيء يُذكَر لمعالجة الأسباب الجذرية للمعارضة.
من بين أهم التدابير التي اتّخذها النظام لاحتواء المعارضة تقديمُ الإعانات الضخمة للسكان. في شباط/فبارير 2011، وبعد غياب دام ثلاثة أشهر في الخارج لتلقي العلاج، أعلن الملك عبدالله حزمة اقتصادية تبلغ في مجموعها 130 مليار دولار. وقد أوردت البيانات الصحافية اللاحقة تفاصيل البرنامج بوصفه يهدف إلى التخفيف من أثر التضخّم، وتقديم إعانة بطالة (امتياز خاص بارز لشيعة المنطقة الشرقية)، وتوفير برنامج المنح الدراسية الخارجية للسعوديين الذين يدرسون في الخارج، والإبقاء على "بدل التضخّم" لموظّفي الدولة السعوديين.21
في 22 آذار/مارس، أعلنت وزارة الشؤون البلدية والقروية أن المرحلة الأولى من انتخابات المجالس البلدية ال219 في المملكة ستُعقَد يوم 23 نيسان/أبريل. وكانت الانتخابات التي كان من المُقرَّر أصلاً أن تتم في تشرين الأول/أكتوبر 2009، تأجّلت مراراً وتكراراً، وبدا أن تسريع إجرائها المفاجئ جرى توقيته لتهدئة الاحتجاجات الآخذة بالنمو.22 لم يُدرَج أحد المطالب الرئيسة للإصلاح، وهو مشاركة المرأة في التصويت، في الإعلان الأولي، مع أن الملك عبدالله كان أعلن في وقت لاحق أنه سيُسمَح للنساء بالفعل بالمشاركة في الانتخابات المقبلة.23
إضافة إلى ذلك، وسّعت الحكومة القطاع العام بصورة مدهشة. بحلول أيلول/سبتمبر 2012، كان قد جرى التعاقد مع أكثر من 299 ألف رجل وامرأة سعوديين في الوظائف العامة في غضون عام واحد، وهو رقم يساوي تقريباً تعيينات القطاع العام على مدى العقد السابق بأكمله.24
لكن معدّلات البطالة لاتزال مرتفعة، والعوامية لاتزال تعاني من التمييز الطائفي. لذا، سيحتاج حلّ مشاكل المنطقة الشرقية إلى ماهو أكثر بكثير من إيجاد فرص العمل.
شنَّ النظام السعودي أيضاً حملة إعلامية لتشويه الاحتجاجات وتقويضها، وذلك باستخدام مجموعة واسعة من المواضيع. فقد شدّد على الطبيعة التدميرية للاحتجاجات، ونزع شرعيتها مستنداً إلى الشريعة الإسلامية، والأهم من ذلك، أنه صوّر الاحتجاجات على أنها تخدم المصالح الضيّقة للشيعة. وقامت مجموعة من المؤسّسات بنقل هذه الرسائل، مستخدمة وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية، بما في ذلك وزارة الداخلية، وهيئة كبار العلماء، والصحف المحافظة والإصلاحية، وصفحات الفايسبوك التي أكّدت على التضامن مع النظام.
أصدرت وزارة الداخلية، في 5 آذار/مارس، بياناً قوياً أكّدت فيه أن الاحتجاجات غير قانونية، وأن مَن يشاركون فيها سيخضعون إلى المحاكمة.25 وقد دُعِم هذا الخطاب بفتوى صادرة عن هيئة كبار العلماء، حظّرت الاحتجاجات مستشهدةً بالمبادئ القانونية الإسلامية ضد بثّ الفتنة.26 وسرعان ماتبعتها سلسلةٌ من الفتاوى الأخرى التي انتقدت تجاوزات الاحتجاجات ضد الشريعة الإسلامية.
رعى النظام، وإن بصورة غير مباشرة، إنشاء صفحات الفايسبوك التي حاولت تشويه سمعة منظّمي "يوم الغضب" وعزلهم، ومن أبرز هذه الصفحات "معاً ضد ثورة حنين" و"سوّد الله وجوههم". وكما هي الحال في عدد كبير من أشرطة الفيديو على موقع يوتيوب، كانت هناك إشارات متكرّرة إلى الشيعة وإيران، على كلتا الصفحتَين، بوصفهم المحرّضين الخفيين وراء احتجاجات "يوم الغضب".27 ردّاً على ذلك، أصدر ائتلاف الشباب الأحرار بياناً جاء فيه أن "جميع منظّمي [يوم الغضب] هم من السنّة".28 ويعتقد بعض المراقبين، على الأقل، أن دعاية النظام تفسّر جزئياً فشل الاحتجاجات في كسب تأييد شعبي واسع، ولاسيما بين السنّة.29
اتّخذ النظام بإجراءات أكثر قمعيةً في مايختصّ بوسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية. ففي شباط/فبراير الماضي، أقرّ النظام قانوناً جديداً يُلزِم الصُحُف الإلكترونية بأن تكون مُرخَّصةً من وزارة الداخلية. واشتكى ناشطون من أن القانون غامض إلى حدّ أنه يختزل العديد من أشكال الخطاب على الإنترنت، مثل الفيديو والرسائل النصّية.30 واتّخذ النظام تدابير إضافية لحظر قنوات على موقع يوتيوب، تنشر مقاطع فيديو الاحتجاجات في المنطقة الشرقية.31
كما أعلن متحدث باسم وزارة الداخلية السعودية في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر أن الشرطة في المنطقة الشرقية سيكون لها حضور على موقع فايسبوك، وستعيّن فريقاً خاصاً لمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي في المنطقة. كان الهدف من إنشاء صفحة الفايسبوك تشجيع الحصول على النصائح والمعلومات من مصادر مجهولة في مايتعلّق بالنشاط "المحظور" في المنطقة الشرقية.32 وفي الوقت نفسه تقريباً، عمد النظام إلى إغلاق عدد من المواقع في المنطقة الشرقية. 33
في موازاة هذه الاستراتيجية الإعلامية، اعتمدت الحكومة على محاوِرين محليين من رجال الدين الشيعة في المنطقة الشرقية لإخماد الاحتجاجات، وقد جرى ذلك في جزء كبير منه عبر مفاوضات وراء الكواليس مع حاكم المنطقة الشرقية الأمير محمد بن فهد، وحوارات مع الشباب. شارك في المفاوضات والحوارات رجال دين من مختلف ألوان الطيف الأيديولوجي.34
كانت النتائج النهائية لهذه الجهود مختلطة. في بعض الحالات كان لها تأثير، ولكن في حالات أخرى وضعت رجال الدين في صراع مباشر مع الشباب. كان انتقاد الشباب على أشدّه عندما كان موجَّهاً إلى شخصيتين دينيّتين تعتبران من المحافظين أو التقليديين، وهما منصور الجشي وعبدالله الخنيزي. فقد حاول الاثنان تسهيل الإفراج عن السجناء السياسيين، إلا أنهما تعرّضا إلى سخرية الناشطين الشباب بوصفهما متعاونَين مع النظام. وفي تعليقات على موقعَي تويتر ويوتيوب وفي الصحافة، سخر الناشطون منهما بوصفهما "عميلين للمخابرات" يتآمران مع بلطجية النظام أو يظهران "انعدام الخبرة والوعي الذاتي".35
9. Habib Trabelsi, "Heightened Shiite–Sunni Tension in Medina," Middle East Online, February 24, 2009,
www.middle-east-online.com/english/?id=30601.
10. Caryle Murphy, "Shiite Bias Claim Laid Bare After Showdown," National, April 26, 2009.
11. "إعلان تأسيس حركة خلاص في الجزيرة العربية"، موقع مركز القدس، 20 آذار/مارس 2009.
http://alqudscenter.org/arabic/pages.php?local_type=128&local_details=2&id1=748&menu_id=10&cat_id=2
أنظر أيضاً الإعلان من منظور سنّي، شبكة الدفاع عن السنّة، 12 آذار/مارس 2009:
http://www.dd-sunnah.net/news/view/action/view/id/825/
12. أنظر السيرة الذاتية لنمر النمر على الموقع التالي:
www.alnemer.ws/?act=artc&id=90
13. "رجال دين ومثقفون شيعة في السعودية يرفضون (تهديد وحدة الوطن)"، الراصد، 6 نيسان/أبريل 2009.
http://hajrnet.net/hajrvb/showthread.php?t=402974154
14. يمكن الاطلاع على العريضة على الموقع التالي:
www.metransparent.com/spip.php?article13117&lang=ar&id_forum=19643
وُقِّعَت عريضة ثانية، نحو دولة الحقوق والمؤسسات، من جانب 22 شخصية، معظمهم إسلاميون، ومنهم سلمان العودة.
www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=247642
أنظر أيضاً:
Madawi al-Rasheed, "Saudi Arabia: Local and Regional Challenges," Contemporary Arab Affairs 6, no. 1 (2013): 29.
15. "بيان من ائتلاف السباب الأحرار"، فايسبوك، 1 آذار/مارس 2011.
www.facebook.com/ksa1Freedom1day
16. "ثورة المنطقة الشرقية"، فايسبوك.
www.facebook.com/Revolution.East
17. "السلطات السعودية تطلق سراح داعية حقوق الإنسان الشيخ توفيق العامر"، مركز الحرمين للعالم الإسلامي، (موقع حزب الله الحجاز)، 7 آذار/مارس 2011،www.taghribnews.com/vdcjhaex.uqevazf3fu.html.
أنظر أيضاً:
Ian Black, "Middle East Crisis: Saudi Arabia: Expectations High Before ‘Day of Rage' with Modest Aims," Guardian, March 10, 2011;
"تظاهرات في الأحساء للإفراج عن الشيخ توفيق العامر"، الراصد، 3 آذار/مارس2011.
www.rasid.com/?act=artc&id=43190
18. "ثورة المنطقة الشرقية"، فايسبوك:
www.facebook.com/rev.east
19. المصدر السابق.
20. Rashid Abul-Samh, "Saudi Smoulders But Is Not on Fire," Al-Ahram, March 17–23, 2011.
21. For a good overview, Robert Danin, "Is Saudi Arabia Next?"Atlantic Monthly, December 4, 2011.
22. عابد السحيمي، "السعودية تعلن بدء الموسم الانتخابي للمجلس البلدي 22 أبريل المقبل"، الشرق الأوسط، 23 آذار/مارس 2011،
http://aawsat.com/details.asp?section=43&article=613770&issueno=11803#.UTubgNY9. في الواقع، لم تجرِ الانتخابات في نيسان/أبريل بل في أيلول/سبتمبر.
23. Walaa Hawari, "Women Launch Facebook Campaign To Participate in Municipal Elections," Arab News, February 7, 2011.
24. "299,000 Saudis Join Civil Service," Arab News, September 18, 2012,
www.arabnews.com/saudi-arabia/299000-saudis-join-civil-service.
25. موقع وزارة الداخلية السعودية: www.moi.gov.sa
26. Anonymous, "Saudi Grand Mufti: Nation's ‘Foes Use Protests To Create Sedition,'" Saudi Gazette, March 10, 2011.
27. Muhammad al-Sulami, "Calls Mount for Prosecution of ‘Day of Rage Dissidents,'" Arab News, March 15, 2011.
28. صفحة "ائتلاف الشباب الأحرار" على موقع فايسبوك، 7 آذار/مارس 2011.
http://ar-ar.facebook.com/ksa1Freedom1day
29. مقابلة شخصية مع ناشط سنّي، الرياض، المملكة العربية السعودية، 18 كانون الثاني/يناير 2013.
30. Abeer Allam, "Online Law Curbs Saudi Freedom of Expression,"Financial Times, April 6, 2011.
31. مثال على ذلك:
Revolution2East: www.youtube.com/user/Revolution2East?ob=0&feature=results_main
أنظر:
"Leila," "Saudi Arabia: The Shia of al-Sharqiyya," Muftah, April 20, 2012.
32. "شرطة الشرقية تتلقّى بلاغاتها على فايسبوك"، صحيفة اليوم، 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2011. www.alyaum.com/News/art/35133.html
33. أنظر على سبيل المثال صفحة الفايسبوك، http://ar-ar.facebook.com/qatifterritory، وهناك موقع آخر هو "الأحساء تريد تغيير الأمير"،www.facebook.com/home.php?sk=group_138668152864845.
34. شملت هذه المفاوضات وجهاء من التيار الشيرازي مثل حسن الصفار، إضافة إلى زعماء من خط الإمام (حسن النمر وعبدالكريم الحبيل) وأتباع خط المدرّسي (محمد حسن حبيب)، ومحافظين/تقليديين (منير الخباز ومنصور الجشي وعبدالله الخنيزي).
35. أنظر، على سبيل المثال، مقابلة مع أحد أعضاء ثورة المنطقة الشرقية، روزي بشير، "ثوار سعوديون: مقابلة"، جدلية، 21 حزيران/يونيو 2012. أنظر أيضاً محمد قبسي، "تعليقاً على البيان المخزي للشيخ الخنيزي"، الوطن، 17 تموز/يوليو 2013،https://www.facebook.com/Wnews/posts/390245821032231?comment_id=3961498&offset=0&total_comments=4
، وتعليقات حركة أحرار العوامية،www.facebook.com/Rasadnews.net/posts/247827875257847?utm_medium=twitter&utm_source=twitterfeed.
فريدريك ويري المصدر: مركز كارنيغي للشرق الأوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.