كان هذا بالضبط هو عنوان الرسالة التى أعددتها للحصول على درجة الدكتوراه منذ سبعة وثلاثين عاماً بالتمام والكمال، إلى أن جلس السياسى اليمنى البارز أحمد نعمان إلى جوار مشرفى الأستاذ الجليل بطرس غالى فى رحلة جوية متجهة إلى القاهرة، فحدّثه عن رسالتى وأقنعه الأستاذ نعمان بأن هذا العنوان سيمثل كارثة سياسية، لأنه اعتبر أن مفهوم التدخل ينطوى على معنى الإكراه، وهو رأى لا أساس له من الصحة، لأن المفهوم لا يعنى سوى سلوك خارج عن المألوف من دولة يتضمن محاولة للتأثير فى بنية السلطة فى دولة أخرى، ومع ذلك فقد اضطررت إلى تغيير العنوان إلى «الدور المصرى فى اليمن» على الرغم من تناقض العنوان الجديد مع المنهج المتبع فى الرسالة، وقلت لأستاذى مازحاً إننى سوف أعطيه الكلمة ليدافع عنى إن انتقدنى أحد فى لجنة المناقشة. كان موضوع الرسالة يتناول التجربة المصرية فى دعم الثورة اليمنية عسكرياً فى ستينات القرن الماضى، وهى تجربة مظلومة فى الذاكرة الجمعية المصرية لأسباب مفهومة يأتى على رأسها الأسباب الإنسانية بسبب آلاف الشهداء الذين سقطوا على أرض اليمن دفاعاً عن ثورتها، لكن القرارات السياسية لا تقيّم انطلاقاً من الاعتبارات الإنسانية وحدها، وإنما تبنى على الهدف منها والمصلحة التى تحققها، ولم يكن ممكناً لعبدالناصر أن يثابر على تحفظه على التدخل بعد مناشدة الثوار له أن يحميهم ضد التدخل الخارجى فى وقت بدا فيه أن منحنى السياسة العربية لمصر ينكسر فى أعقاب الانفصال السورى فى 1961 ومثل تصحيح هذا الانكسار بعمل جسور فى بلد يلاصق قواعد الاحتلال البريطانى فى الجزيرة العربية فرصة ذهبية آنذاك، وبعد ست سنوات من انتهاء التدخل ظهرت آثاره الإيجابية الواضحة فى إغلاق البحرية المصرية مضيق باب المندب فى حرب أكتوبر 1973 بالتعاون مع السلطات فى اليمن التى كانت ثورتها قد استقرت. عادت اليمن فى الأيام القليلة الأخيرة لتقتحم الساحة السياسية المصرية بعد أن صعّد الحوثيون محاولاتهم المستميتة لاستكمال السيطرة على اليمن قبل قمة شرم الشيخ لإفقاد الرئيس اليمنى أى مقوم للشرعية، وما أدى إليه ذلك من قرار سعودى غير مسبوق فى السياسة الخارجية السعودية بالمبادرة بعملية عسكرية ضد الحوثيين استجابة لطلب من الرئيس اليمنى، وبعدها قررت مصر المشاركة فى العملية بقوات جوية وبحرية وربما برية. وأعلم أن هذا القرار قد يسبب قلقاً لدى الرأى العام والنخبة فى مصر استدعاءً لذكريات الماضى وحرصاً على استقرار الحاضر، بمعنى أن مصر لديها تجربة فى اليمن يراها البعض أو حتى الكثيرون سلبية، كما أن الجبهة الداخلية أولى بالتركيز، ولا بد من أن تناقش هذه الأمور بمنتهى الصراحة، فما يجرى فى اليمن يمثل تهديداً لأمن مصر كما يمثل إرهاب الداخل بدوره تهديداً مع فارق فى الدرجة بطبيعة الحال، وهناك أولاً أن السيطرة المعادية على باب المندب تهدد أمن مصر وبالذات من منظور استقرار الملاحة فى قناة السويس، كما أنه ليس من مصلحة مصر أن يسيطر الحوثيون التابعون لإيران على اليمن كخطوة من خطوات استكمال المخطط الإيرانى للسيطرة على الوطن العربى، ومن ناحية أخرى فإن السعودية قد قررت أن تطورات اليمن تمثل تهديداً لأمنها يستوجب التدخل العسكرى، وهو قرار غير مسبوق كما سبقت الإشارة، وليكن معلوماً للرأى العام المصرى أنه لا يمكن لشريك فى تحالف أن يكتفى بالحصول على مزايا التحالف ويتقاعس عن تحمل التزاماته، خاصة أن الرئيس السيسى منذ ما قبل انتخابه قد رفع شعار «مسافة السكة» وأكد أن أمن الخليج خط أحمر بالنسبة لمصر، ودعا فى 22 فبراير الماضى تحديداً إلى إنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة تواجه تهديدات الأمن العربى. وسوف يتعين على الرأى العام المصرى أن يدرك أن للقرارات الصعبة ثمنها، ومسئولية القيادة أن تعمل على تقليل هذا الثمن إلى الحد الأدنى بحسن التدبير، وسوف نكون بحاجة إلى خطاب إعلامى ناضج يوعى الرأى العام ولا يخدعه. ويتصور البعض أن العملية العسكرية فى اليمن يمكن أن تكون محدودة، وبالذات من المنظور الزمنى، وهو ما أتمناه، لكن المسئولية العلمية تحتم الإشارة إلى أن احتمال الاستطالة الزمنية للصراع وارد، ولا أريد أن أقول مرجحاً، فخبرة اليمن فى الصراعات الممتدة لا تخفى على أحد، ويرجع ذلك إلى مزيج من الاعتبارات الجغرافية والاجتماعية، فوعورة التضاريس فى اليمن وتعقد خريطة الولاءات القبلية تسببا كثيراً فى طول أمد الصراعات، وقد عجز نظام على عبدالله صالح عن كسر شوكة الحوثيين عبر سبع سنوات، فما بالنا الآن وقد سال اللعاب الإيرانى للسيطرة على اليمن، وسوف تساند إيران الحوثيين بكل ما أوتيت من قوة، ونعلم أن مقاتليها يقومون الآن بمهام قتالية فى كل من سورياوالعراق، ومن ثم يجب أن يكون معلوماً أننا قد نكون مقبلين على صراع حقيقى وليس رحلة ترفيهية، ومن حسن الحظ أن ثمة غطاءً عربياً للعملية العسكرية فيما عدا أصدقاء إيران فى العراقوسوريا ولبنان بطبيعة الحال، كما أن الممانعة على الصعيد الدولى تبدو فى حدها المعقول، خاصة وقد هدى الله الإدارة الأمريكية فدعمت العملية العسكرية ووعدت بمساعدات لوجيستية. حفظ الله مصر ووطنها العربى.