مدينة (أون) أو مدينة الشمس، هليوبوليس، أو ضاحية مصر الجديدة، كلها أسماء لحى مصر الجديدة، أحد أرقى أحياء القاهرة، الحى ذو الطابع المميز والرونق الفريد بجماله الهادئ وطرازه المعمارى الساحر تتلاقى فيه عدة ثقافات مختلفة. أسسها البلجيكى البارون إمبان عام 1905 لتكون وبحق مدينة للصفوة والجمال، استوحى تخطيطها من المدن الحدائقية التى نشأت فى أوروبا تحت شعار مجتمع صحى ونظيف فى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين نتيجة تدهور البيئة العمرانية للمجتمعات القائمة إثر قيام الثورة الصناعية. عند تأسيس مصر الجديدة تم إعطاء الأولوية لتنفيذ المسطحات الخضراء المفتوحة لتأكيد التميز البيئى لها، وخصصت عدة مناطق خضراء عند تخطيط الضاحية، منها حديقة الميريلاند التى تعد أكبر حدائق مصر الجديدة وربما تعد من أكبر حدائق القاهرة، وكانت أحد أهم الاشتراطات القانونية للبناء هو وجوب أن يحتوى كل منزل على حديقة خاصة به بحيث لا تزيد المساحة المبنية عن خمسين بالمائة من مساحة الأرض مع عدم ارتفاع أى مبنى عن ثلاثة أو أربعة أدوار، وقد اعتبرت ضاحية مصر الجديدة من أهم تجارب إنشاء المدن الجديدة على مستوى العالم فى النصف الأول من القرن العشرين. مصر الجديدة هو الحى الذى نشأت فيه وتربيت وعشت فيه وتعلمت فى مدارسه، مصر الجديدة بأشجارها وشوارعها، وهى العشق والخيال والحرية والرقى، والالتزام. وفى إطار القضاء على كل ما هو راقٍ وحضارى يعطى هذا الحى اليوم مثالاً واضحاً، فقد بدأت الهجمة الشرسة لإنهاء الطراز المعمارى الفريد لضاحية مصر الجديدة بداية من إطلاق ارتفاعات المبانى به وإدماج المبانى الإدارية والتجارية مع السكنية وهدم القصور والفيلات وزحف الأسواق والمواقف العشوائية عليه دون تخطيط وصولاً لما نمر به اليوم من تشوه بصرى بعد القضاء على كل القيم الجمالية لهذا الحى العريق والتى كان آخرها ما يحدث من ذبح جائر لأشجار حديقة الميريلاند النادرة وتغيير نسب ومساحات المبانى بها تحت مسمى التطوير والتحديث والادعاء بأن ما يحدث مجرد تقليم للأشجار فقط، والواقع أن مذبحة أشجار الميريلاند ما هى إلا استكمال لمذبحة تحويل كل المسطحات الخضراء التى كانت موجودة فى وسط أرصفة الشوارع الرئيسية الكبيرة واقتلاع الأشجار الموجودة بها والقضاء على كل الحدائق الخاصة التى كانت بين فراغات كل مبانى وتقسيمات الفيلات والقصور بمصر الجديدة وتحويلها إلى أرض مبانٍ للبناء على كامل مسطحات الأراضى. ومع تفهمى واستيعابى للملكية الخاصة وقواعدها وتقديرى واحترامى لها، إلا أن حق الملكية لا يعنى الانفراد باتخاذ القرار دون قواعد منظمة تحددها الجهة الإدارية المختصة بما يضمن الصالح العام وفق منظور وطبيعة المنطقة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية. ويجب أن نعلم أنه لولا وقوف السادة المحترمين والسيدات المحترمات من قاطنى مصر الجديدة وتصعيد الأمر والتصدى له لكان تم القضاء على كامل المسطح الأخضر فى أيام معدودة فى ظل الزحف الشرس للقضاء على كل ما هو أخضر لتحقيق التعاظم فى المكاسب المالية. وعلى الرغم من صدور قرار محافظ القاهرة بإيقاف الأعمال فى حديقة الميرلاند، لحين مراجعة التراخيص، فإن هذا القرار ما هو إلا تجديد لقرار سابق لمحافظة القاهرة بإيقاف الأعمال الإنشائية بحديقة الميريلاند وإزالتها منذ ما يزيد على ست سنوات. إن ما يحدث يعد خرقاً لعدد من القوانين منها على سبيل المثال لا الحصر التنسيق الحضارى، البناء، العقوبات، البيئة. إن أحد أهم مقاييس تقدم الأمم هو القضاء على التلوث البصرى وزيادة المسطحات الخضراء.