إعلام: عطل في اتصالات مروحية عسكرية يعطل هبوط الطائرات في واشنطن    عاصفة تهز سوق العملات الرقمية.. أكثر من 100 مليار دولار تتبخر في ساعات    كشف قدرات كتائب القسام، ضابط إسرائيلي يرد على تصريح نتنياهو عن "الصنادل والنعال"    أوكرانيا.. 15 صاروخا من طراز "كاليبر" تتجه صوب العاصمة كييف    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم.. مرتضى منصور يعلن توليه قضية الطفل أدهم.. عمرو أديب يستعرض مكالمة مزعجة على الهواء    الدفاعات الجوية الروسية تدمر 8 مسيرات أوكرانية فوق أجواء مقاطعة تفير    مصرع ميكانيكي سقط من الطابق الخامس هربًا من الديون بسوهاج    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 25-5-2025.. كم بلغ سعر طن حديد عز؟    سعر سبيكة الذهب اليوم الأحد 25-5-2025 بعد الارتفاع الكبير.. «بكام سبائك ال5 جرام؟»    مي عبد الحميد: تنفيذ أكثر من 54 ألف وحدة إسكان أخضر.. ونستهدف خفض الطاقة والانبعاثات    نموذج امتحان الاستاتيكا الصف الثالث الثانوي الأزهري 2025 بنظام البوكليت    خبير اللوائح: أزمة القمة ستسمر في المحكمة الرياضية الدولية    القبض على 3 شباب ألقوا صديقهم في بيارة صرف صحي ب15 مايو    الكشف الطبي على 570 مواطنًا خلال اليوم الأول للقافلة الطبية    مستشفى دمياط التخصصي: حالة الطفلة ريتال في تحسن ملحوظ    نجاح أول جراحة «ليزاروف» في مستشفى اليوم الواحد برأس البر    نائب إندونيسي يشيد بالتقدم الروسي في محطات الطاقة النووية وتقنيات الطاقة المتجددة    قانون العمل الجديد من أجل الاستدامة| مؤتمر عمالي يرسم ملامح المستقبل بمصر.. اليوم    بعد فيديو اعتداء طفل المرور على زميله بالمقطم.. قرارات عاجلة للنيابة    الجيش الإيراني يؤكد التزامه بحماية وحدة أراضي البلاد وأمنها    رئيس الكونغو الديمقراطية السابق يواجه محاكمة    إلغوا مكالمات التسويق العقاري.. عمرو أديب لمسؤولي تنظيم الاتصالات:«انتو مش علشان تخدوا قرشين تنكدوا علينا» (فيديو)    ياسمين رضا تترك بصمتها في مهرجان كان بإطلالات عالمية.. صور    هل يجوز شراء الأضحية بالتقسيط.. دار الإفتاء توضح    هل يتنازل "مستقبل وطن" عن الأغلبية لصالح "الجبهة الوطنية" في البرلمان المقبل؟.. الخولي يجيب    قطع المياه عن هذه المناطق بالقاهرة لمدة 8 ساعات.. تعرف على التفاصيل    استشهاد 5 فلسطينيين فى غارة للاحتلال على دير البلح    "دفاع الشيوخ": قانون الانتخابات يرسخ مبادئ الجمهورية الجديدة بتمثيل كافة فئات المجتمع    المخرج الإيراني جعفر بناهي يحصد السعفة الذهبية.. القائمة الكاملة لجوائز مهرجان كان    «هذه فلسفة إطلالاتي».. ياسمين صبري تكشف سر أناقتها في مهرجان كان (فيديو)    قساوسة ويهود في منزل الشيخ محمد رفعت (3)    النائب حسام الخولي: تقسيم الدوائر الانتخابية تستهدف التمثيل العادل للسكان    "العربية للسياحة" تكشف تفاصيل اختيار العلمين الجديدة عاصمة المصايف العربية    "القومي للمرأة" يهنئ وزيرة البيئة لاختيارها أمينة تنفيذية لإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر    زيلينسكي: المرحلة الثالثة من تبادل أسرى الحرب ستُنفذ الأحد    "إكس" تعود للعمل بعد انقطاعات في الخدمة امتدت لساعات    «أضرارها تفوق السجائر العادية».. وزارة الصحة تحذر من استخدام «الأيكوس»    «الداخلية» تكشف تفاصيل حادث انفجار المنيا: أنبوبة بوتاجاز السبب    رحلة "سفاح المعمورة".. 4 سنوات من جرائم قتل موكليه وزوجته حتى المحاكمة    بيسيرو: رحيلي عن الزمالك لم يكن لأسباب فنية    "بعد إعلان رحيله".. مودريتش يكشف موقفه من المشاركة في كأس العالم للأندية مع ريال مدريد    بعد غياب 8 مواسم.. موعد أول مباراة لمحمود تريزيجيه مع الأهلي    حلم السداسية مستمر.. باريس سان جيرمان بطل كأس فرنسا    ميلان يختتم موسمه بفوز ثمين على مونزا بثنائية نظيفة في الدوري الإيطالي    نائب رئيس الوزراء الأسبق: العدالة لا تعني استخدام «مسطرة واحدة» مع كل حالات الإيجار القديم    نسرين طافش بإطلالة صيفية وجوري بكر جريئة.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    استقرار مادي وفرص للسفر.. حظ برج القوس اليوم 25 مايو    ناجي الشهابي: الانتخابات البرلمانية المقبلة عرس انتخابي ديمقراطي    وأنفقوا في سبيل الله.. معانٍ رائعة للآية الكريمة يوضحها أ.د. سلامة داود رئيس جامعة الأزهر    رمضان عبد المعز: التقوى هي سر السعادة.. وبالصبر والتقوى تُلين الحديد    «أحدهما مثل الصحف».. بيسيرو يكشف عن الفارق بين الأهلي والزمالك    ميدو: الزمالك يمر بمرحلة تاريخية.. وسنعيد هيكلة قطاع كرة القدم    موجة حر شديدة تضرب القاهرة الكبرى.. انفراجة مرتقبة منتصف الأسبوع    الصديق الخائن، أمن الأقصر يكشف تفاصيل مقتل سائق تريلا لسرقة 6000 جنيه    للحفاظ على كفاءته ومظهره العام.. خطوات بسيطة لتنظيف البوتجاز بأقل تكلفة    أسماء المقبولين في مسابقة 30 ألف معلم فصل المرحلة الثالثة.. جميع المحافظات    اغتنم فضلها العظيم.. أفضل الأدعية والأعمال في عشر ذي الحجة ويوم عرفة 2025    فتاوى الحج.. ما حكم استعمال المحرم للكريمات أثناء الإحرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوطن" فى "عزبة مكى".. الوجه الآخر ل"المدرس القاتل"
الجيران والأقارب فى وصلة دموع ودفاع عن «وليد»: «جعلوه مجروح» لأنه ملتح.. وسجنوه ظلماً وعدواناً
نشر في الوطن يوم 20 - 03 - 2015

أطفال المسجد المجاور لمنزل المتهم: الشيخ «وليد» بيحفظنا القرآن ويأكلنا شيكولاته ..و«سعدية»: «أنا أمه التانية»
13 يوماً و12 ساعة و15 دقيقة، تحصيها جيداً على مسبحة لا تفارق يدها، تفرك حباتها بين أصابعها، تتمتم بأدعية فى سرها، يتعلق ما تبقى من نواظرها الذى شارفت على فقدانها حزناً، على نافذة المنزل، حيث ممر ضيق يفصل بين منزلها المتواضع ومثيله بشارعهم المعتم، فى اليد الأخرى تمسك ب«ريموت» التلفاز، تقلب بين قنواته، عسى تلمح خبراً يسر قلبها عن الابن الغائب «وليد» الذى اختطف من بين أحضانها، فتزورها الأوهام مرة بأن تجده مقبلاً عليها كعادته، يقبل يدها، ويمسح على رأسها الشائب، وأخرى يهيأ لها أنه يصرخ وحده داخل المحبس الذى ألقى فى غياهبه زيفاً حسبما يحدثها قلبها. «قلت له: احلق دقنك يا ولدى، مارضيش، الله يجازيه دماغه ناشفة!»، تقولها لمن يسأل عن أخبار «الضنا» الحاضر الغائب وأحوالها من بعده، ثم تواصل العُزلة التى فرضتها على نفسها منذ رحيله.
أنوار المنزل انطفأت أياماً طويلة، ليس فقط لغياب رب الأسرة، لكن لمغادرة شقيقيه تباعاً واحداً تلو الآخر، هجروا منزل العائلة مؤقتاً بسبب ملاحقة الإعلام لهم، بعبارات مثل «المدرس السفاح الإخوانى، قاتل تلميذه داخل مدرسة (شهداء بورسعيد)»، وتهديدات لعائلة «وليد محمد هلال» بالانتقام، من عائلة المجنى عليه، عسى يشفى الغليل المتوهج فى صدورهم، بحسب «محمد شوقى»، أحد أبناء عمه، «كان لازم نسافر الصعيد كام يوم، رجعنا لما الإعلام هدى علينا شوية، وبطل يتكلم عن الموضوع، الإعلام تجنى على (وليد) قبل المدرسة والوزارة.. عايزين جنازة ويشبعوا فيها لطم»، هكذا يصف الرجل الأربعينى، نافياً أن يكون العنف زار منزلهم الهادئ يوماً ما.
فترة غياب العائلة عن المنزل لم يشعر فيها أهالى شارع «لبيب جوهر» بمنطقة عزبة مكى الشعبية، بأى فارق، فعلى أى حال، تبقى عائلة «وليد» بالسنوات لا يُسمع لهم حس أو يرى لهم أى طيف عابر، سوى صدفة فى الأعياد وحين بلوغ شهر رمضان، حيث تتولى الأم توزيع حقائب الخير على الأقارب والجيران رغم ضيق ذات اليد، فالسيدة «خديجة» أو «أم وليد» حسبما اشتهرت، قليلة الكلام، وإن تحدثت فهى عذبة اللسان، عُرفت بين أهل المنطقة بخلاف أياديها البيضاء، بالبُعد عن العنف فى تربية الأبناء، «فكيف لها أن تلد من بين أحشائها مجرماً حسبما يصف الإعلام، يعصى أمر الله، فيقتل روحا بريئة؟، دى ست العيب مايطلعش من بقها، ربت الأولاد بعد ما مات أبوهم، وحفّظتهم القرآن»، هكذا يقول يوسف حسن، شقيقها وخال المتهم «وليد».
«من البيت للمسجد ومن المسجد للبيت».. أكثر من مرة تتكرر ذات الجملة، فلا يقع السؤال عن أحوال عائلة «وليد» على مسامع أحد من الجيران إلا وأمطروا السائل وصفاً وغزلاً فى أخلاقه ومحاسنه، «بيقولوا قال إيه إخوان؟!» تهكم تبعه عدد من التساؤلات أبداها عم «يوسف» عن الشيخ «وليد» حسبما ينادونه فى منطقته.. «هو كل اللى أطلق لحيته يبقى إخوان؟!، ده كان بيكرههم عمى». يقول هذه المرة سيد إبراهيم الزهار، خادم المسجد المجاور لمنزل «وليد»، الذى لم يبرحه فى أوقات فراغه، «منطقة ساقية مكى كلها مافيهاش إخوان غير 4 بيوت معروفين بأسماء العائلات، ولو وليد إخوان كان شارك فى المسيرات».
«حاولت أكتر من مرة أقنعه بالانضمام للإخوان لكنه دائم الرفض ويصفهم بالإرهابيين».. يقول الرجل الذى يهوى الدفاع عن الجماعات الإسلامية، إن اختلافه الوحيد مع «وليد» فى معارضته لنشاط الإخوان «مالهوش فى السياسة خالص، أهو راح فيها والاسم إرهابى».
يتحدث الرجل السبعينى والدموع بدت واضحة فى مُقلتيه، يحاول بعضها الفكاك من أسر عزة نفسه، فينفلت بعض منها على وجنتيه وهو يتحدث عن ابنه الروحى، «وليد إحنا اللى مربيينه فى الحتة، ما يفوتوش صلاة، كان بيدى دروس قرآن للأولاد مجاناً يومى السبت والثلاثاء ويبات فى المسجد، وكان بيعاملهم معاملة طيبة، عمره ما مد إيده على واحد فيهم». الصدمة التى استقبلها الشيخ «سيد» بمجرد سماع خبر عن جريمة قتل التلميذ قطعاً لن يجرؤ «وليد» على الإقدام عليها، «ده حساس جداً عمره ما يمسك مسطرة فى إيده، بيخاف على مستقبل الأولاد».
«بيخاف ربنا».. كاد يفقد صوابه وهو يسرد سلسلة من الذكريات التى جمعته و«وليد» الطفل الذى قدم من «المنيا» برفقة شقيقيه «خالد وطارق»، فصار شاباً يافعاً ثم حصل على بكالوريوس التربية، ليضحى بمنطقتهم مدرساً حسن الخُلق يتباكى على سيرته أحباؤه «عمره ما أعطى دروس خصوصية، عايش على مرتبه، ولو باع ضميره مكانتش العيال راحت المدرسة، ولا اتعصب، وضاقت فى وشه».
الأب رحل قبل أن يرى ثمرة تربيته، فما اقترفت يداه إثماً، بحسب شهادات معظم الجيران والأقارب لمصير مأساوى متباين لعائلته بين ابنين مريضين بسبب فقر مدقع وقلة حيلة، وثالثهما متهم فى جريمة قتل، بحسب عم «سيد»: «أبوهم كان راجل صالح، بنى لهم بيت ضيق، كل واحد فيهم يتجوز، يساعد إخواته فى الشغل والجواز».
الهدوء وقلة الحيلة ربما كانا سببين كافيين، بحسب «أم جلال»، لتنزلق أقدامه فى جريمة لم يرتكبها «لو هو عيل مدقدق وابن سوق وصوته عالى، كان قدر يطلع منها زى الشعرة من العجين، لكن لأنه غلبان راح فيها يا ضنايا»، تدعى السيدة الخمسينية أنها تعلم كل شىء عن عائلته رغم أنهم قليلو الظهور والحديث «أنا اتولدت هنا، مفيش حد فى عزبة مكى مايعرفنيش، وأعرف عنهم كل حاجة، دى أمه كل سنة تطلع عمرة، وهو حج مرتين قبل كدة».
السيدة «الجدعة» تكفلت ببعض نفقات المحامى، مقررة رد الجميل بطريقتها الخاصة «والنبى لو أبيع دمى، وكل صيغتى وأستغنى عن نص عمرى علشان طيبة قلبه وأخلاقه العالية دى».
يقف على عربته ينادى على الخضار، ورغم فترة خدمته القصيرة بمنطقة عزبة مكى، التى لم تتجاوز 5 سنوات، فإن لديه دراية كافية، بحسب وصفه، بكل ما تجلبه قرية العزبة، ومعظم ما تهمس به الآذان وتتناقله الألسنة، لذا لقب ب«المخبر».. عم «فاروق شلبى» يتحدث «كله إلا وليد، مش بنشوفه إلا فى المسجد فى صلاة الفجر أو بيتدخل علشان يخلص العيال فى الخناقات».
دفاع لم يجلب له سوى الأذى، سيدة أربعينية، تقلب فى بضاعته، وعيناها تعاتبه قبل أن يتفوه فمها بأى كلمة، تعترض فى صمت، ثم تقاطع حديثه بقذف إحدى حبات الخضار فى وجهه، ثم تعنفه، تنعته بأقذع الشتائم، شجار قصير أفضى إلى سؤال «مالك بس يا ستى دى كلمة الحق، زعلانة من إيه؟!!»، «كوثر حفنى» زوجة جزار المنطقة الأشهر «عبده السنى» تعترض على وصف «وليد» ب«الغلبان»: «أكيد إخوان وموت الواد علشان تبع السيسى، يعنى هما هيتبلوا عليه ليه بس يا عم؟!»، لم يفد ردها سوى فى هجوم آخر بين ربات البيوت رداً على انتقاد ابن منطقتهم «انتى مش ناوية تجيبيها لبر والنعمة».
بين حديث جانبى وآخر، وشجار ومثيله، لم يعط خلالها أنصار «وليد» وخصومه أى مساحة للتشكيك فى خلقه، الخلاف على كونه ينتمى للإخوان من عدمه، رد الأهالى كان كفيلاً بالتأكيد أن منطقتهم لا تفرز عنفاً أو تدعمه بأى حال من الأحوال.. «أمل نبيه»، فتاة عشرينية منتقبة، لا تطمئن على ابنها سوى برفقة الشيخ «وليد»: «بيخليه يحفظ القرآن، وعمره ما جه اشتكى منه أنه بيضربه، أو غضب منه، لدرجة إنه كان بيوعظ مشايخ المسجد بعدم المشاركة فى مظاهرات الإخوان».
«شادية عبدالحكيم» تؤكد أن حادثة مقتل الطفل «إسلام» قضاء وقدر: «لأن لو وليد قتله كان خلص فيها، مش يروح المستشفى بعدها، لو حد وقع من على السلم، ولو خبطته عربية هيتخانقوا مع العربية والسلم مثلاً؟!!!»، تريح «ثريا عبدالتواب» ضميرها ببعض الكلمات عسى أن تنفعه شهادتها فى حقه «يا رب فك ضيقته، أنا مش بنام الليل من يومها، مش باكل، بصلى ليل نهار، مش بقوم من على سجادة الصلاة».. «إلحقى يا ماما الشيخ وليد» صراخ الصغير «محمود» دفع الأم للإسراع لتجد ابنها يحملق فى شاشة كمبيوتر أمامه، خبر عن ابن منطقتها، يؤكد ضلوعه فى قتل طفل لا ذنب له، تروى الواقعة وقلبها يتمزق من الحسرة «زعلت فى البداية على العيل المسكين إللى مالهوش ذنب، لكن حطيت نفسى مكانها، وعاتبت نفسى»، العتاب لم يشفع للجار العابد الناسك فى شىء: «مهما كان طيب ومؤدب بين أهله وناسه، مش مفروض يضرب العيال بالشكل ده».
«بابهم مقفول عليهم ليل نهار محدش بيسمع حسهم» يتحدث «أيمن على» عم «وليد» الذى يسكن فى نفس المنزل الذى كان يقطنه، مؤكداً أن وسائل الإعلام لم تنصف المدرس، وأفرطت فى الحديث عن الطفل ضحية إهمال المدرسة: «أساءوا سمعة عيلتنا والمنطقة كلها، ده كان عايش بقليله، راضى بيه وعمره ما اشتكى من قلة مرتب، ولا كان بيحب الدروس الخصوصية».. دفاع العم «أيمن» وجد صدى لدى «شهاب» الصبى الذى كان يمنحه «وليد» دروساً فى المنزل دون أن يتقاضى أى مقابل: «كان طيب وعنده ضمير، وغيره من المدرسين بيوقفونا بالساعات فى الحصة لما بيعاقبونا، عمرنا ما اشتكينا».
كل منهن ترتدى ثيابها السوداء، تشارك جارتهن العزيزة فى الصراخ والعويل وبعض النحيب، بعضهن يجاملن والدة «وليد» بكل ما يستطعن فعله، وكأنها فقدت ابنها للأبد: «مش حاسين إنه غايب، ده ابننا كلنا»، تقول «سعدية إبراهيم» الجارة الأم، هكذا كان يناديها «أمى التانية»، تصفه ب«الحنين وأبوقلب رقيق»، تبكى ثم تمسح دموعها فى ثيابها: «عمره ما شاف الخروف وهو بيتدبح فى العيد الكبير، كان بيخاف من الدم، وبيكفل يتامى المنطقة، منهم ولاد بنتى».
داخل المسجد الذى يلجأ إليه «وليد» بعد انتهاء عمله حتى صلاة العشاء، يفترش 3 أطفال، لا يتجاوز أكبرهم 5 سنوات، الأرض، حاملين المصاحف، الحزن بدا واضحاً على وجوههم، ينتظرون المعلم، لا يخيل لهم أنهم لن يروه ثانية: «مستنيين الشيخ وليد كان بيحفظنا قرآن ويأكلنا شيكولاته»، يقول «رامى» وهو يمسك بآخر ورقة مالية تركها له الشيخ «وليد» قبل أن يختفى عن أنظارهم: «كل ما أحفظ القرآن يدينى 5 جنيه».
«الوطن» ودّعت أقاربه وجيرانه بحى عزبة مكى، والكثير من الحكايات والروايات ما زالوا يحتفظون بها فى سراديبهم، عن المدرس الذى تسبب غيابه فى حسرة اكتنفتهم ونظرات مريبة من المناطق المحيطة باعتبارها الحى الذى شهد نشأته وبلوغه، استطلعت محل الحادثة، حيث مقر مدرسة «شهداء بورسعيد» بحى السيدة زينب، الهدوء يخيم عليها، لا أحد يتحدث عن الواقعة إلا سراً، فالجميع خائف أن يُزج باسمه فى تحقيقات النيابة لو طلبت شهادة أحدهم. «مفيش حد هنا كلهم مش موجودين»، الصوت مقبل من بعيد، لرجل مُسن يشير إلى الجنازير التى تغلق البوابات الرئيسية: «أنا خايف أخلى ابنى يروح المدرسة، دول سفاحين مش مدرسين»، يقول ولى أمر طالب بمدرسة «العبور» المجاورة لمدرسة الضحية «إسلام».
قدماه تتسابقان للوصول إلى منزله، تعثر بنا فى طريقه، كانت «الوطن» لتوها تقرع بشدة على بوابات المدرسة فى محاولة بائسة للالتقاء بأى من العاملين بها «المدرسة كلها إجازة» يقول «شهاب كمال»، تلميذ بالصف الخامس الابتدائى، زميل «إسلام» الضحية الذى مات أمام عينيه «الفصل فيه 43 واحد، كل 4 فى ديسك، والأستاذ عودنا على إنهاء الحصة، والنزول للحوش علشان نصلى، ونبعد عن الزحمة والدوشة فى الفصول».
يتذكر شبح ذلك اليوم الذى حرمه النوم لساعات بعده، يوم أن مات زميله وصديق طفولته أمام عينيه «المستر ما ضربوش ده زقه بس لأنه كان بيعمل شقاوة وصوت عالى فوقع على الأرض واتخبط فى الباب، ونقلوه للزائرة الصحية»، زميل «إسلام» ما زال يتحدث «شخصيته قوية، وبيضربنا لكن بيرجع يصالحنا»، موضحاً أن المدرس يقسو عليهم فى بعض الأحيان، ليبرئ ساحته من شغبهم الدائم، إلا أنه يحنو عليهم بين الحين والآخر، بحسب «شهاب»: «لو ضربنا أوى، بيطبطب علينا، ويجيب لنا هدايا، علشان كده بنحبه».
زميل «إسلام» تولى مهمة اصطحابنا إلى منطقة زينهم، حيث منزل الحاجة «كريمة» أو «أم إبراهيم» حسبما ينادونها، السيدة التى تحمل عهدة المدرسة منذ 20 عاماً، اضطرت إلى المكوث فى المنزل بعد إغلاق المدرسة -قبل إعادة فتحها من جديد- تجلس على سرير متهالك، تستقبلنا بحفاوة الغائب «بقالى 30 سنة فى التعليم عمرى ما حصل لى كده فى أى مدرسة»، السيدة الخمسينية شهدت الواقعة بنفسها «الظلم حرام، الراجل ده كويس، وطول عمره محترم فى حاله، بيصلى فى ميعاده، ويزكى ويصوم، ويساعد المحتاج».
لم يختلف رأى «أم إبراهيم» عن جيرانه كثيراً، تنفى واقعة الضرب من الأساس «ده وكيل المدرسة ربنا يسامحه، هو اللى ضربه بالخرزانة اللى مش بتفارق إيده، ضربة جامدة على دماغه وكمان مارضيش ينقذه فى المستشفى»، لا تنفى التهمة عن المدرس، يهيأ لها أن «وليد» المعلم الخلوق لا يجرؤ على هذه الأفعال «علشان بدقن يعنى وبتاع ربنا، اتهموه بجريمة ماعملهاش».
يقاطع حديث «أم إبراهيم» زوجها «سيد كوسة» حين أذاعت إحدى القنوات إعادة لحلقة مسجلة من برنامج يتناول قضية المدرس «وليد»، يعتليها نبأ عاجل عن إحالته للمحاكمة، تُصاب السيدة بصدمة، تتمتم بكلمات لا يفهمها إلا زوجها، تنتهى بجملة «الكلام ده ماحصلش خالص!» فيجيبها قائلاً «مكانش بينى وبين وليد إلا السلام، أثناء الأيام اللى اتناوب على حراسة المدرسة مع زوجتى، لكن الحق يتقال هو فعلاً فى حاله، بس مش بعيد يكون قتل فعلاً، لأن شكله إخوان، بس مخبى عن زمايله».
شد وجذب وشجار من نوع خاص زار منزل أسرة الحاجة «أم إبراهيم»، انتهى بها الحال إلى إغلاق التلفاز بعد أن احتدت فى الحديث دفاعاً عن الشخص الذى عرفته قبل 5 سنوات ولم يخطئ فى حقها أو زملائها مرة واحدة «كان بيحسسنا بتواضعه، ده أنا أفتكر مرة هزرت معاه وقلت له احلق دقنك أحسن يفتكروك إخوان».
أسباب الحادثة، والقاتل الحقيقى، ما زالت محل نقاش بين أفراد أسرة الحاجة «أم إبراهيم» ومعظم أهالى منطقة «السيدة زينب وزينهم، والسيدة عائشة»، رغم اقتراب الفصل الأخير من قضية «وليد».. «وكيل المدرسة عبدالعاطى، بيعمل خلافات مع كل المدرسين ويتبلى عليهم، ساب الواد يموت، علشان وليد يتأذى، وكتبنا فيه شكوى للوزارة، ومستنيين الرد» بحسب الحاجة «كريمة».
الزوج «سيد كوسة» اعتبر حادثة «إسلام» جناية نتجت عن إهمال مستشفى المقطم الذى انتقل إليه الطفل «إسلام» بعد حادثة المدرسة، فلم يسعفه حتى فارق الحياة: «دى الممرضة ضربته على دماغه وهو نايم على السرير غرقان فى دمه وبينازع فى الموت، وإدارة المستشفى قالوا لعيلته علاج ابنكم مش عندنا».. أسباب أخرى ربما شفعت ل«وليد» لدى العائلة المصدومة من الحادثة وتلتمس أى عذر للمدرس: «العيال فى السيدة مشاغبين ويتحاموا فى أهاليهم علشان المنطقة كلها عائلات كبيرة».
«طه أبوالفضل»، المتحدث باسم مدرسى السيدة زينب، جمعته الزمالة و«وليد» المتهم، لكن لا تتجاوز علاقتهما حدود الزمالة، بحسبه «كان فى حاله، وصوته مش بيطلع».. ينفى «طه» ضلوع زميله فى قتل تلميذه، ليس دفاعاً عنه، ولكن شعوره بالمسئولية عن المعلم المضطهد طول الوقت: «إحنا كمدرسين عايشين من غير مرتبات، بنشتغل فى ظروف وحشة، وكمان خلونا مجرمين».. يُحمّل الرجل الخمسينى المدرسة والإدارة التعليمية جل المسئولية: «طول عمرنا بنضرب العيال فى المدرسة، علشان نعلمهم ونربيهم، لا عيل اشتكى، ولا أهله هددونا، المرة دى بسبب الأعداد الكبيرة فى الفصول وغياب الرعاية الصحية عن إسعاف التلاميذ، حصل اللى حصل، دى مسئولية المدرسة، والتعليم أبوعصايا هو اللى طلع لنا كبار المهندسين والأطباء والعلماء».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.