على مدار الشهور القليلة الماضية، استمات الإخوان لمنع انعقاد المؤتمر الاقتصادى، زرعوا المتفجرات فى كل شوارع مصر، وجعلوا كل مواطن هدفاً لإرهابهم، حشدوا كل التنظيمات الورقية التى انبثقت عنهم، كحركة ضنك وحركة العقاب الثورى، لكى يحيلوا حياة المصريين إلى معاناة يومية، سيّروا المظاهرات ورفعوا أعلام «داعش»، وخططوا للزحف إلى قصر الاتحادية، تداعوا للتجمع أمام سفارات مصر لدى الخارج، وخرجت أبواقهم فى تركيا تنذر وتحذر من انعقاد المؤتمر، فبركوا تسريبات للإيقاع بين القيادة المصرية والقيادات الخليجية، زعموا أن شركات يهودية (إى والله) ستشارك فى المؤتمر، وخرج مثل هذا الكلام من شخص رصين مثل جمال حشمت، وكتبه على صفحة «فيس بوك» الخاصة به، فعلوا كل شىء بالمعنى الحرفى للكلمة. وفى غمار سعيهم المحموم لمنع انعقاد المؤتمر، ولأنه لا يمكن الجزم بأن قيادة واحدة ما زالت تحرّك كل المنتمين إلى الجماعة، جاءت تناقضات خطاباتهم صارخة فهم يروّجون لأن ضخ مليارات الدولارات فى صورة استثمارات خلال المؤتمر هو «أمر لا يقدّم ولا يؤخر»، لكنهم فى الوقت نفسه يتوجهون للمؤسسات الاستثمارية الكبرى كى تقاطع المؤتمر، فإذا كان الاستثمار والعدم سواءً، فلماذا إذن الاستماتة فى تعطيل تدفقه؟ أعلنوا بالفم الملآن أن «الدولة غير ملتزمة بأى اتفاق تم مع السلطة غير الشرعية التى استولت على الحكم بقوة السلاح واختطفت (الرئيس الشرعى)»، لكنهم فى الوقت نفسه تساءلوا عن مصير المليارات التى دعمت بها دول الخليج الاقتصاد المصرى بعد الثلاثين من يونيو، فما شأنهم بمليارات لا يعترفون بمن تلقوها، ومن أعطى جماعتهم حق الحديث باسم الدولة المصرية؟ وعندما انعقد المؤتمر رغم كل شىء، كان من تعليقاتهم اللطيفة التندُّر على غلطة جون كيرى وزير الخارجية الأمريكية، بوصفها تكشف عن أن المستثمرين ما جاءوا لدعم مصر، إنما جاءوا «لحماية إسرائيل وحماية أمنها»، ونسوا أن «كيرى» وإدارته أكبر داعمين لتنظيم الإخوان. ثم إنهم نظروا فى حضور المؤتمر، فلم يروا ممثلى روسيا والصين وأوروبا والولايات المتحدة وصندوق النقد الدولى ولا الحضور الرفيع لدول عربية لها وزنها الإقليمى المعتبر، لا ولم يشاهدوا مديرى كبريات الشركات الدولية، بل تحدثوا عن أن «59 دولة أفقر من مصر.. منها 10 دول تعد من أكثر دول العالم فقراً» قد حضرت ما سموه بالمسرحية، فأى عالم موازٍ يعيش فيه الإخوان وجماعتهم؟ وأى دور لهم فى مستقبل هذا الوطن؟ خلال أيام المؤتمر وما تلاها عكفت على قراءة شهادات ضيوف مصر عن المؤتمر، وقارنتها بشهادات الإخوان وأعوانهم، وبقدر ما كانت المقارنة موجعة فإنها بدت كاشفة لوهم الحديث عن المصالحة، فنحن إزاء جماعة تخلط بين مصر والنظام الحاكم فيها، ولا ترى غضاضة فى معاقبة الشعب، لأن خياراته ليست على هواها، وتستعدى العالم على «وطنها» لاستعادة السلطة الضائعة، وترى أن المشكلة منبعها الداخل المصرى، ولا ترى أزمة المشروع الإخوانى، مع اختلاف الدرجة واختلاف السياق فى الوطن العربى. ولأنه يقال إن الأشياء تتمايز بأضدادها، فلعل الإشارة إلى بعض نماذج للمقارنة بين ما يضمره الإخوان لمصر وما يتمناه لها سواهم قد تبدو مفيدة: - فى صفحته الرسمية على «فيس بوك»، قال «محمد منتصر»، المتحدث الإعلامى باسم جماعة الإخوان المسلمين: إن مصر فى ظل الانقلاب العسكرى الإرهابى الغاشم تقف على حافة الانهيار الاقتصادى، وإن أى رهان على مكتسبات اقتصادية فى ظل تلك الأوضاع هو رهان فاشل. وفى كلمتها أمام المؤتمر، قالت «كريستين لاجارد» مديرة صندوق النقد الدولى: إن مصر تستطيع أن تصعد إلى المرتبة 50 ضمن الدول الأصلح لمناخ الاستثمار بعد الإصلاحات الاقتصادية الأخيرة. وعن الرهانات على الاقتصاد المصرى ومخاطرها، قال محمد العبار رئيس مجلس إدارة شركة «إعمار»: كل فرد يحدد ماهية المخاطر التى سوف يتعامل معها، وفى مصر فإننى مستعد للتعامل مع أى مخاطر فى أى وقت. وقال «Bob Dudley» الرئيس التنفيذى لشركة «British Petrolium»: أنت لا تلتزم باستثمار 12 مليار دولار فى دولة ما إذا لم تكن تثق فيما يحدث فى هذه الدولة. - فى صفحته الرسمية على «فيس بوك»، كتب «محمد محسوب» عضو ما يُسمى تحالف دعم الشرعية، ما يلى: «أدعو القوى الوطنية سياسية ومدنية ونقابية إلى مهاجمة المؤتمر الاقتصادى». أما «Matteo Renzi» رئيس وزراء إيطاليا، فتحدث عن أن: بلاده قررت ألا تفوتها هذه اللحظة التاريخية لتحقيق التكامل بين أوروبا وهذه المنطقة الكبيرة، وأن تعمل من أجل تحقيق هذا الحلم. - فى صفحته الرسمية على «فيس بوك»، كتب «عبدالرحمن القرضاوى»، أحد معارضى الموجة الثورية الثانية فى 30 يونيو، مقالاً مطولاً بعنوان «نتمنى لكم فشلاً ذريعاً» برّر فيه تمنياته بفشل المؤتمر الاقتصادى بما يلى: «افترض أن ابنك فشل فى دراسته واتجه إلى تجارة المخدرات، هل ستتمنى له النجاح فى هذا المجال؟.. إذا رأيت ابنتك أو أختك، وقد رفضها الخُطاب فى الحلال، هل ستتمنى لها النجاح فى سلك الدعارة؟ هل تتطوع بأن تصطاد لها الزبائن فى مهنتها الجديدة؟»، وبينما كان (الشاعر المصرى) يصف بلده بتعاطى المخدرات وممارسة الدعارة، كان سمو الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس دولة الإمارات ورئيس وزرائها وحاكم دبى، يدعونا إلى أن نقرأ عن: انكسار الغزاة على أعتابها (أى أعتاب مصر) وحركات التنوير الثقافى التى خرجت من أرضها.. عن أبطالها وكتابها وروادها.. عن أزهرها وعلمائها وقادتها.. عن جيشها وأبطالها. - فى منشورات الإخوان التى كانت تتساقط كالمطر على رؤوس أهالى المطرية وعين شمس وفيصل والمعادى وكل أماكن ارتكازهم كان الوصف المعتمّد للمؤتمر أنه للتسول من الأشقاء فى الخليج. أما رد سمو الشيخ محمد بن راشد، فكان: وقوفنا مع مصر فى هذه الظروف الصعبة.. ليس منة على أحد، بل واجب لها. بالطبع نحن لم نكتشف حقيقة الإخوان مع ملابسات انعقاد المؤتمر الاقتصادى، ولا وقفنا على حجم الكراهية التى يكنونها لهذا الوطن وهذا الشعب، لكن المؤتمر مجرد مناسبة للتذكير بحقيقتهم، فلعل الذكرى تنفع المؤمنين.