من الأشياء التى لم تلقَ أهمية من الباحثين موضوع المنشقين عن الإخوان، أولئك الذين كانوا فيها ثم أنار الله بصيرتهم فخرجوا من عالم الظلام إلى عالم النور والحقيقة، ومنذ فترة وقع تحت يدى كتاب عنوانه «شهادة المؤسس الحقيقى للإخوان ضدهم»، ومؤلفه هو الكاتب الكويتى الكبير محمد صالح السبتى، ولا أخفيكم سراً أننى انتهيت من قراءة هذا الكتاب فى جلسة واحدة، وقد وجدت أن الكاتب استطاع الحصول على مجموعة شديدة الأهمية من مقالات كتبها أحد قادة الإخوان الكبار فى زمن حسن البنا، لم يكن هذا القائد شخصية عادية، ولكنه كان شريكاً لحسن البنا فى إقامة هذه الجماعة! بل إنه أشار فى بعض مقالاته إلى أنه هو المؤسس الحقيقى للجماعة، وأنه تنازل عن الموقع الأعلى فيها لتلميذه حسن البنا، حيث كان الفرق بينهما فى العمر ستة أعوام جعلته أكثر خبرة ودراية وعلماً من «البنا»، إلا أنه آثر أن يكون الرجل الثانى فى الجماعة. كان هذا الشخص هو الأستاذ أحمد السكرى، رحمه الله، وقد اختلف مع حسن البنا اختلافاً كبيراً لأسباب متعددة كان أكبرها أن زوج شقيقة «البنا»، واسمه عبدالحكيم عابدين، كان قد اعتدى على حرمة بعض الأخوات وتحرش ببعضهن وحاول إقامة علاقات شرعية معهن، فقررت الجماعة، بعد أن ذاع صيت هذه الوقائع، تشكيل لجنة للتحقيق فيما نُسب إليه، وانتهت اللجنة إلى إدانة الرجل، ولكن حسن البنا لم يلقِ بالاً لهذا التحقيق ولا لنتيجته، وألقى بها فى سلة مهملات الجماعة. وبعد أيام من إهمال حسن البنا لنتيجة التحقيق وتعزيزه مكانة زوج أخته فى الجماعة، نشرت جريدة «صوت الأمة» الوفدية قصة هذا التحقيق ونتائجه، وكانت فضيحة كبرى وقعت على رأس حسن البنا وأظهرته على صورته الحقيقية التى كان حريصاً على إخفائها خلف صورة الراهب المتبتل الذى انقطع عن كل شىء فى الدنيا إلا دعوة الإسلام فقط، ومن بعدها أصدر حسن البنا قراراً بفصل الأستاذ «السكرى»، وكيل الجماعة والرجل الثانى فيها، فكتب «السكرى» قصة خلافاته مع «البنا» فى عدة مقالات نشرتها «صوت الأمة» فى غضون عام 1947، وقد احتوت هذه المقالات على وقائع حرصت الجماعة على إخفائها عبر تاريخها، وكان من ضمن الاتهامات التى وجهها «السكرى» ل«البنا» ودفعته إلى ترك الجماعة هى أن «البنا» سرق لنفسه التبرعات التى كانت الجماعة تجمعها بزعم دعم القضية الفلسطينية، ولم تستطع الجماعة وقتئذ مواجهة هذه الاتهامات أو الرد عليها إلا بأن تقوم بشن أكبر حملة تشويه ضد هذا الرجل، حيث وصفوه فى مذكراتهم ودعاياتهم بصفات أقلها وأهونها شأناً أنه شيطان كان يسعى لتخريب الدعوة وتجريح الإسلام، وكأن حسن البنا هو نبى الإسلام، وجماعته هى الإسلام نفسه! وأذكر أنه قبل أن يتوفى الأستاذ «السكرى» فى أوائل التسعينات كان قد عزم على كتابة مذكراته، وعندما علم المرشد حامد أبوالنصر بهذا الأمر أرسل رسالة له عن طريق قيادى إخوانى سابق، وكانت الرسالة عبارة عن رجاء للأستاذ «السكرى» ألا ينشر هذه المذكرات حتى لا يصد المقبلين على الحل الإسلامى! واستجاب «السكرى» للرجاء ولم ينشر المذكرات ومات ولم يحضر جنازته أحد من الإخوان، اللهم إلا مختار نوح وشخصى المتواضع. وقد دفعنى كتاب الأستاذ محمد صالح السبتى عن انشقاق الشيخ أحمد السكرى، وكيل جماعة الإخوان، عام 1947، وانتقاداته الحادة التى وجهها إلى حسن البنا إلى تقليب دفاترى القديمة، أبحث فيها عن هؤلاء الذين فروا من التنظيم الإخوانى الحديدى، وهل كان لأحدهم أو بعضهم تأثير أو وجود فى الحياة العامة؟ والذى دفعنى إلى هذا هو أن أدبيات جماعة الإخوان، التى بثها فى روعهم حسن البنا، تؤكد أن الفرد مهما كان علمه فهو لا شىء خارج الجماعة، هو بالجماعة فقط، أما من غيرها فهو كما قال مصطفى مشهور: مجرد ورقة يابسة وقعت من غصن شجرة مورقة هى شجرة الإخوان، ولأن هذه الورقة اليابسة وقعت على الأرض فسوف تذروها الرياح وتطؤها الأقدام! وفى داخل التنظيم على مدار أجيال وأجيال كنا نسمع عبارات خاوية منها: الجماعة بك أو بغيرك، أما أنت فبغير الجماعة لا شىء، ومع ذلك وبرغم هذه الأدبيات الخاطئة الموغلة فى الشوفينية خرج من الجماعة أفراد كانوا فى الجماعة لا شىء وعندما خرجوا وتنسموا نسيم الحرية أصبح الواحد منهم أمة، بحيث أن الجماعة كلها بطابورها الطويل الممتد من العبيد هى التى لا شىء بالنسبة له. من هؤلاء الذين انشقوا عن الجماعة الشيخ محمد الغزالى، رحمه الله، وهو العالم الفقيه المجدد، الذى لم يكن أحد من الشعب المصرى يعرفه حين كان فى قلب هذا التنظيم، وقد حاربته الجماعة بعد خروجه منها فى أواخر الأربعينات، حتى إنه كتب عن هذه الحروب فى كتابه «من معالم الحق»، وأشار إلى أن أفراد الجماعة كانوا يتهمونه بالمروق من الإسلام لمجرد أنه خرج من الجماعة، وقص علينا كيف أنه كان يتعرض منهم للسباب والتخوين، واستدار الزمن، فإذا بالجماعة ولا فقهاء فيها ولا دعاة، وإذا بالشيخ «الغزالى» قد أصبح واحداً من أعلام الدعوة، فكانت الجماعة تسير تحت معطفه لتكتسب من خلال شعبيته أنصاراً لها، مدعية أن «الغزالى» ما زال فى الإخوان. ومع الشيخ «الغزالى»، رحمه الله، خرج الشيخ سيد سابق، رحمه الله، صاحب الكتاب الشهير «فقه السنة»، وكما تعرض «الغزالى» لهجوم من الإخوان تعرض سيد سابق، فاتهموه فى دينه وناصبوه العداء زمناً، فلما أصبح كتاب سيد سابق «فقه السنة» هو الكتاب الذى اختارته الأسرة المصرية، بل الأسرة العربية كلها، ليكون فى مكتبتها تنهل منه بعض المفاهيم الفقهية إذا بالإخوان يقبلون التراب من تحت قدميه، ويسعون إلى المساجد التى يلقى فيها دروسه ليقتنصوا من ورائه بعض مريديه من الشباب الصغير فيجندونهم ويلحقونهم بالجماعة. ولك أن تتحدث عن الشيخ الإمام الفقيه أحمد حسن الباقورى، الذى كان من الممكن أن يكون مرشداً للجماعة، ولكن الله حفظه فأصبح لمصر كلها، حيث أراد الله له أمر خير فخرج من الجماعة وهو يحمل فى نفسه وعقله وفؤاده رفضاً واعياً للجماعة وأفكارها، وأصبح «الباقورى» أحد المجددين فى الإسلام، ولقيمة هذا الرجل استعان به الرئيس جمال عبدالناصر ليكون وزيراً فى عهد الثورة وراعياً لحركة إسلامية تجديدية، ومع الشيخ «الباقورى» الدكتور عبدالعزيز كامل، الذى كان حسن البنا يرى فيه النبوغ والعبقرية فأنجاه الله من براثن الجماعة، رفض الاستمرار فى أفكارها التكفيرية وتلمس النور خارجها، وأصبح وزيراً للأوقاف فى عهد عبدالناصر، وفى عهده تمت ترجمة القرآن الكريم إلى لغات مختلفة، وإنشاء إذاعة القرآن الكريم، وقد قدم للدعوة الإسلامية الكثير والكثير وأخرجت له المكتبات كتباً أصبحت ذات تأثير كبير، وكان عبدالعزيز كامل، رحمه الله، أنفع للأمة كلها بعلمه، وجماعة الإخوان لا علم فيها، ولكن بعض ظلاميات نفثها فى روع أعضاء الجماعة دهاقنة الشر أمثال مصطفى مشهور وأحمد حسنين والملط وغيرهم. وفى التاريخ الحديث خرج بعض قادة الجيل الوسيط من هذا التنظيم الموغل فى الشر أمثال أبوالعلا ماضى وعصام سلطان ثم انقلبوا على أعقابهم وعادوا يلهثون خلف الجماعة بعد أن خيّل لهم فكرهم الغبى السطحى أن الزمن استدار لهم وأنهم قاب قوسين أو أدنى من حكم مصر، فضحوا بمصر كلها على وهم أنهم سيحكمونها!! وفى ذات الوقت هناك من الجيل الوسيط من خرج وهو يحمل بؤجته حاملاً فيها تاريخه فى الجماعة وقد لاذ بالفرار من شرها بعد أن وهبه الله علماً نورانياً تخلص به من أدران فكر الإخوان المعوج، ثم قام بفريضة دينية ووطنية ألزمه الله بها هى كشف حقيقة تلك الجماعة المخربة التى تعيش فى مستنقع الشيطان، ومن خلال هؤلاء الصادقين عرفت الأمة حقيقة الإخوان وكانوا حينما أزفت الآزفة فى طليعة الثائرين على «إخوان إبليس» ولا يزالون.