اعتمدنا فى حوارنا على لغة العيون.. فهو يجهل ما ينطق به لسانى أو هكذا يبدو.. وبالطبع لا أفهم شيئا من جملة لسانه الواحدة: «ماء».. وجرى هذا الحوار فى ليلة العيد.. كان «الخروف» وسط القطيع أمامه ما توافر من طعام. سألته ماذا أتى بك إلى هنا؟ قال لم أحضر طواعية ولكن أمرت، فقلت ومن أمرك؟.. قال الراعى فهو المسئول عنا ولم نعتد مخالفته فهو الأدرى بشئوننا خير منا وما يأمرنا به نأخذه وما نهانا عنه بعصاه نرفضه ونكرهه!! كانت إجابته مفزعة لى والتزمت الصمت للحظات.. فقطع صمتى بسؤاله ماذا بك؟ فقلت له أبدا.. ولكن إجابتك أثارت فى نفسى شجونا.. فداهمنى باستفهام آخر: لماذا؟ فقلت له إن الأمر لا يعنيك. .. واستعدت زمام المبادرة مرة أخرى وسألته يا أيها الخروف كيف تديرون شئونكم وتحصلون على حقوقكم؟ هل لديكم دستور؟.. فأجاب بسرعة منفلتة مبعثرا ما تبقى أمامه من طعام «يعنى انتم اللى عندكم دستور».. وهنا احتد النقاش وطالبته بحفظ المقامات وألا ينسى أنه يتحاور مع إنسان وعليه أن يتأدب فى الحديث، ولكنى لا أنكر أننى أسررت إجابته فى نفسى وتوعدت بالرد عليه.. فنظر إلىّ بعمق وقال لماذا تغضب؟ أليس كلنا خلق الله؟ فقلت ونعم بالله. دعنا نعود لحديثنا.. فقال الدستور؟ قلت لا تستفزنى ولا تتدخل فيما لا يعنيك حتى لا أُسمعك ما لا يرضيك.. فقال حسنا اسأل وأنا لك مجيب.. فسألته هل تعلم بالخطر الذى ينتظرك أيها الخروف؟.. فقال لا.. فقلت له مشفقا إنها الليلة الأخيرة لك. فقال مستهزئا «انتم كده يا معشر الصحفيين مغرضين».. لمح الذهول على وجهى فقال «لقد وصلت سمعتكم إلينا وأبلغنا الراعى بأنكم مغرضون.. والراعى هو المؤتمن علينا ونصدقه فى كل ما يقول ولا مكان للشائعات بيننا.. موتوا بحقدكم». حاولت إقناعه وشرح وجهة نظرى وقلت يا أيها الخروف إن الراعى إنما يعمل لمصلحته هو التى تحققها له أنت ورفاقك ودللك منذ مهدك وسمّنك فى شبابك لكى يستخدمك فى الوقت المناسب، ولكن عبثا حاولت.. بل إنه نظر إلىّ فى تحدٍّ ملمحا باستخدام قرونه الحلزونية فهدأت من روعه وقلت إن الخلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية.. وقلت له هل تعرف كيف يحيا الخراف فى أوروبا والدول المتقدمة؟ إن لهم حقوقا تحترم ودستورا يتبع يلزم الراعى بحفظ حقوق رعيته. فقال إنما نحن مختلفون عن نماذج الخراف المنحلة الفاسقة فى أوروبا وغيرها.. نحن خراف بلدية ولا نقبل فرض مثل هذه النماذج علينا. واستمر هذا الجدل البيزنطى بيننا إلى أن جاءت شمس العيد.. فوجد الخروف نفسه وحده يواجه مصيره لم يجد الراعى بجواره.. ونظر إلىّ النظرة الأخيرة نادما ولمحت فى عينه استغاثة.. فقلت له لا أملك إلا النصيحة وقد نصحتك كثيرا وقد فات أوان نجدتك.. وداعا أيها الخروف.